البحث

عبارات مقترحة:

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

أهجر بعد حجر؟

العربية

المؤلف أحمد بن عبد العزيز الشاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. تلافي آثار الوباء الخطيرة .
  2. أصناف الناس بعد فتح المساجد .
  3. تعظيم قدر الصلاة .
  4. صور فريدة من الحرص على الصلاة .
  5. خطورة الاستمرار في البيع والشراء أثناء أوقات الصلاة .
  6. الحث إلى المسارعة إلى الصلاة في أول وقتها. .

اقتباس

الصلاة -يا عباد الله- هي الخط الفاصل بين الإيمان والنفاق، هي طريقنا إلى الجنة وسبيلنا إلى الأجر، هي مفزع نبينا إذا حزبه أمرٌ، هي صلتنا بالله القدير، الخُطا إليها ترفع الدرجات وتحط الخطايا، هي سبب الرزق ومحبة الخلق...

الخطبة الأولى:

الحمد لله ذي المن والعطاء، المتفرد بالألوهية والبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يسمع النداء ويجيب الدعاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صلى وصام ولبى النداء؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة النجباء وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين، واحمدوا الله على دوام النعم واستمرار العطاء.

حينما أقبل الوباء واكتسح بلاد العالم أقبل يحمل تغيرات وتحولات في حياة الناس؛ في دينهم واقتصادهم وسياساتهم وعلاقاتهم ونظام حياتهم، ولجأت دولتنا إلى أقوى الوسائل وأشدها احترازًا للحفاظ على حياة الناس وصحتهم.

جاء الوباء ولم يسلم من آثاره حتى بيت الله الحرام؛ فقل الطائفون فيه والعاكفون، وتخوف الناس من تعليق الحج هذا العام، لكن دولتنا اتخذت قرارًا متعقلاً ومؤيدًا شرعًا يكفل قيام الشعيرة مع تلافي آثار الوباء الخطيرة بما يكفل مصلحة الأمة في صحتها وسلامتها؛ فكان القرار بقصر الحج على أعداد محدودة لتبقى شعيرة الحج قائمة، ويرتفع صوت التلبية، ويأمن الناس من انتشار الوباء وزيادة الكرب والبلاء، وبهذا تتحقق مقاصد الشريعة بارتكاب أدنى المفسدتين وأخف الضررين؛ فالحمد لله الذي وفق دولتنا لما فيه مصلحة البلاد والعباد.

جاء الوباء وانتشر فاضطرت الجهات إلى إغلاق المساجد فترة من الزمن، وعاد الناس إلى بيوتهم يصلون فيها جماعات وفرادى، وترى فريقًا منهم أعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا مسجدا فيه يصلون.

وجاء الفرج من الله، وعادت المساجد لتفتح أمام عمّارها والمشتاقين إليها؛ فطائفة عادوا من أول فريضة عودة الغريب إلى وطنه والحبيب إلى حبيبه؛ يركعون مع الراكعين ويذكرون الله مع الذاكرين، مستشعرين أن المساجد أحب البقاع إلى الله، وقد أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه يعمرها (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[النور:36-38].

وطائفة أخرى قد ألفت الصلاة في البيوت؛ يصلون بلا وقت محدد ولا التزام بنافلة قبلية ولا بعدية، وحينما فتحت المساجد ثقلت عليهم العودة إليها، ومسهم طائف من الشيطان لكنهم تذكروا فإذا هم مبصرون، وعادوا إليها يستنشقون عبير الطاعة ونسيم الراحة وجنة السعادة.

وطائفة أخرى مازالت كما كانت رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وارتضوا أن يتشبهوا بمن لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى وهم عن روضات المساجد معرضون.

فإلى هؤلاء وهؤلاء نقول: إنها الصلاة -يا عباد الله-؛ هي الخط الفاصل بين الإيمان والنفاق، هي طريقنا إلى الجنة وسبيلنا إلى الأجر، هي مفزع نبينا إذا حزبه أمرٌ، هي صلتنا بالله القدير، الخُطا إليها ترفع الدرجات وتحط الخطايا، هي سبب الرزق ومحبة الخلق؛ فاستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين.

إننا جميعا بحاجة إلى أن نتذكر هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهو يرسم في لحظات حياته الأخيرة مشهدًا من حب الصلاة والتعلق بها قولاً وفعلاً، فأما القول ففي ندائه الأخير: "الصلاةَ الصلاةَ وما ملكت أيمانكم"، وأما الفعل فحينما كان يغمى عليه، وإذا أفاق سأل "أصلى الناس"؟ يفعل ذلك مرات حتى عجز عن القيام وحينما وجد خفة قام يُهادَى بين رجلين ورجلاه تخط في الأرض حتى أُقيم في الصف، وهو الذي تقول عنه عائشة -رضي الله عنه-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه".

أين هؤلاء عن هدي أسلافهم المقتدين بنبيهم؟!

هذا فاروق الأمة عمر -رضي الله عنه-، وقد طُعن وهو في حالة الإغماء، فقيل: إنكم لن تُفزعوه بشيء مثل الصلاة إن كانت به حياة، فقالوا: "الصلاة يا أمير المؤمنين"، فانتبه فقال: "الصلاة والله، لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، فصلى وإن جرحه ليثعب دماً.

أما الربيع بن خثيم -رحمه الله-، فقد سطَّر موقفاً عظيماً في حياته، فها هو بعدما سقط شقه يهادى بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحابه يقولون: يا أبا يزيد، لقد رُخص لك، لو صليت في بيتك فيقول: "إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي، حي على الفلاح فمن سمعه منكم ينادي حي على الفلاح فليجبه ولو زحفاً ولو حبواً".

أما سعيد بن المسيب فيقول مولاه: "ما نُودِيَ للصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد".

وعندما سمع عامر بن عبد الله المؤذن وهو يجود بنفسه ومنزله قريب من المسجد، قال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك عليل فقال: أسمع داعي الله فلا أجيبه، فأخذوا بيده فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات.

فيا أيها القاعدون المخلفون: ما الذي خلفكم وأنتم تسمعون نداء الله يجلجل في وسط بيوتكم وقد علمتم أن "من سمع النداء فلم يجبه؛ فلا صلاة له إلا من عذر

أفلا تحمدون الله أن صوت الحق يرفع بينكم، فكم من مسلم في بلاد كافرة يحرم من سماع هذا النداء!، وكم من ميت لم يعد يجيب نداء التوحيد!، وكم من مريض يحن إلى تلبية ذاك النداء! ولكن حال السقمُ دونه. وإن لنداء التوحيد رنة في الأذن، وفرحة في القلب كيف لا وهي دعوة من الله -جل وعلا- للسير في ركب الصالحين الراكعين الساجدين.

فيا حسرة على العباد لو يدركون ما هذه الصلوات، ويا حسرة ثم حسرة على نابتة من أبناء الإسلام تعددت بهم السبل من هنا وهناك، وتفرقت بهم الأهواء وانغمسوا في التيه من كل صوب، وأضاعوا هذه الصلوات خشوعها ومواقيتها وجمالها (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم:59].

أقول هذا القول..

الخطبة الثانية:

أما بعد: فحينما أغلقت المساجد أبوابها احترازًا عن الوباء لم يعد لأداء الصلاة وقت محدد ولا جماعة يرتبط بها المسلم؛ فصار كلٌّ يُصلي متى شاء، وكيفما شاء، وصارت المحلات التجارية مشرعة أبوابها لا تُغلق لصلاة ولا تأبه لنداء.. وإذا كان لذلك مبرراته وقت إغلاق المساجد فما مبرره اليوم وقد فُتحت في وجوه عمّارها؟

كم هو مؤسف أن يألف المتسوقون والبائعون الاستمرار في البيع والشراء ومنادي الله ينادي: "حي على الصلاة، حي على الفلاح"؛ أين تعظيم شعائر الله؟ وأين الاستجابة لمنادي الله وهو يدعوكم لما يحييكم.

يا معشر المتسوقين ويا أصحاب المحلات: ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ ألا تودون أن تكونوا من قوم (لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[النور:37-38].

ألا تبتغون البركة والنماء في بيعكم وشرائكم؟ فكيف تُلتمس البركة في أجواء بعيدة عن ذكر الله وإقام الصلاة؟!

يا أيها الناس: عظِّموا شعائر الله، واستجيبوا لندائه، وأبقوا على سمة متميزة من سمات بلادكم، وحافظوا على خلة كريمة من خلال أسلافكم، وإذا نُودي للصلاة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة، وإن كنتم تبتغون الرزق؛ فقد قال ربكم: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[العنكبوت:17]، وهو القائل: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه:132].

لا يُصنَع الأبطال إلا

في مساجدنا الفساح

من خان حي على الصلاة

يخون حي على الكفاح

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.

اللهم صلِّ وسلم..