الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | حمزة بن فايع آل فتحي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
تخيل: كم لك من الأجر وقد رحمتَهم, وكم لك من الثواب وقد سألتَ عنهم أو زرتهم؟! وانظر منزلتَك وأنت تفرّج عن مكروب, أو تقضي غُرمَ مديون, أو ترفع غمَّ مغمومٍ ومهموم!؛ إنك بذلك العمل تجسّد إخوّةَ الدين, وتُعلي رابطةَ الإسلام, وتحيي معاني التكافل الاجتماعي الحقيقي...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله, أحاطَ بكل شيءٍ علماً, وأحصى كلَّ شيء عددا, يحكمُ لا معقبَ لحكمهِ, ويأمرُ ولا رادَّ لأمره, بيده ملكوتُ كل شيء, وهو يُجيرُ ولا يجارُ عليه، وهو العزيزُ العليم, نَحمدهُ على آلائهِ, ونشكرُه على فضله ونعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمدا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا اللهَ -يا مسلمونَ- حقَّ التقوى، واستمسكوا بالعروة الوثقى؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5].
معاشر المسلمين: تَسمعونَ عن كُرَبِ يوم القيامة, وعن شدائدِ العَرصات، وعن الساعات الخانقة, إنه يومُ كربٍ شديد, وميعادُ قومٍ أليم؛ (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)[الإنسان: 10].
تخيل: أن عملا صالحا إذا وفقك الله له نجاكَ به يوم الكرب العظيم، ودفع عنك تلك الشدائد, وأصبحتَ من الناجين الفائزين, جاء في صحيح مسلم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سرَّه أن يُنْجيَه اللهُ من كُربِ يومِ القيامة؛ فلينفسْ عن مُعسِر, أو يضعْ عنه".
رُبَّ خيرٍ يكونُ أو أفضالِ | منجنياتٍ من تلكمُ الأهوالِ |
فهلُمّوا لقربةٍ وفِعالٍ | وأفيضوا من معدنٍ وخصالِ |
إن ذَا اليومَ فسحةٌ ومجالٌ | قبل يومٍ نكونُ دونَ مجالِ |
هل سمعتَ بإخوانك المعسرين الذين أرهقتهم الديون، وداهمَهم الغلاء وكثرت عليهم الأعباء, أو خدعهم بعضُ الناس؛ فافتقروا, أو سُرقت أموالُهم, وفشلت تجاراتهم؟!.
إنّ النظر إليهم والاهتمام بقضاياهم مقتضى الإيمان والإخوّة، ومن أسباب النجاة يومَ القيامة، إنهم في كربة, ويعيشون آلامًا, واستولت عليهم الغمومُ والأحزان, تخيل: كم لك من الأجر وقد رحمتَهم, وكم لك من الثواب وقد سألتَ عنهم أو زرتهم؟! وانظر منزلتَك وأنت تفرّج عن مكروب, أو تقضي غُرمَ مديون, أو ترفع غمَّ مغمومٍ ومهموم!؛ إنك بذلك العمل تجسّد إخوّةَ الدين, وتُعلي رابطةَ الإسلام, وتحيي معاني التكافل الاجتماعي الحقيقي, قال -عز وجل-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10].
وفي المجتمع المسلم مديونٌ، وفقير ذو وعيال, ومن لا يكفيه راتبُه، وأرملةٌ بلا عائل, ومطلقاتٌ ضائعات، ومرضى بلا دواء!.
أليس لهم نظراتُ رحمة؟! وهلّا قدمنا لهم صنوفًا من المعونة، وألوانًا من المعروف والبر؟! وفي الحديث: "من لا يَرحم لا يُرحم", وتذكر أن بعضنا قد عايشَ شيئا من تلك الأرزاء, أو قد مرَّ بك فقر, أو ذقتَ ألمَ ضائقة!, فمَن لك بعد اللهِ إلا أيادي إخوانك ووقفات الرجال المحبين لعمل الخير؟! (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[المعارج: 24، 25].
وإننا بتلك الأعمال وإحيائها, وتلك الروابط وإحكامها, لنحققَ معاني الإسلام، ونقوّي وحدتنا، ونقطع الطريق على توسع البلاء، أو تدخلِ بعض العابثين ومسالِكهم.
وقد فعل أبو قتادةَ الأنصاري -رضي الله عنه- ذلك المعنى، وبذل ذلك الموقف الشهم، مع غريم له، تطلّبه حتى توارى عنه، ثم لما وجده، فقال: إني معسر, فقال أبو قتادة: آلله، فقال: آلله, فقال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سرّه أن ينجيه الله من كُرب يوم القيامة؛ فلينفسْ عن معسر أول يضع عنه".
فنفّسوا عن إخوانكم، وخففوا من مديونياتهم, وتعاهدوهم بالرأفة والرحمة؛ لعل الله أن يرحمكم ويقيكم كربَ ذلك اليوم المهول؛ (يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا)[المزمل: 17، 18].
ولن يُنجينا من ذلك الرعب إلا عملٌ صالح، أو قربة دافعة مانعة، يُبتغى بها وجهُ الله -تعالى-.
اللهم وفقنا للخيرات، وجنبنا الغفلة والحسرات, أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وعلى خيرهم نبينا محمدٍ خيرِ رسولٍ مقتفى، وعلى آلهِ وصحبهِ أربابِ المجدِ والوفا.
أيها الإخوة الفضلاء: نفوسُ أهلِ الإيمان طيبةٌ كريمة، معطاءةٌ نبيلة، تعطي من مال الله، وتجود بلا حسبانِ، وتبتغي ثوابًا جزيلًا, وجزاءً رفيعا؛ (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[التغابن: 16].
وفِي خصال الخيرِ، وتفريج الكربات كلُّ خيرٍ وفرج، وكلُّ بركةٍ وسرور، وكلُّ متعةٍ وانتصار؛ تزكّي نفسَك، وتعبّئ صندوقَك، وتبارك عقبَك، وتُصلحُ من حالك، وتحقق مصداقيتك؛ "والصدقة برهان".
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ؛ فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[ الأحزاب: 56 ].