الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم النعيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - الحياة الآخرة |
إنَّ بعض الناس ظن أنَّ طلب الشفاعة يوم القيامة، يقتصر على سؤال الله لها بالدعاء فحسب، دون بذل أسباب ذلك من أعمال صالحة أشار إليها النبي -عليه الصلاة والسلام-, وهذا خطأ؛ فإنَّ انتظار شفاعة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لا تكون بالأماني والآمال, وترك صالح الأعمال...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
عباد الله: إن من عقيدة أهل السنة والجماعة إيمانهم بشفاعة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- يوم القيامة، إلا أن بعض الناس أخطؤوا فهم هذه الشفاعة، بل وجعلوها سبباً في التقاعس عن طاعة الله -عز وجل-, وعدم الإكثار من العمل الصالح، بحجة أن للنبي -عليه الصلاة والسلام- شفاعة لكل المسلمين!.
ولقد سمعنا من بعض من أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي يقولون: لِمَ الخوف؟؛ فإنَّ أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- أمة مرحومة, وهي خير أمة أخرجت للناس، وهي إلى خير؛ لأن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ادّخر لها الشفاعة يوم القيامة، وهي ستكون لكل مُوحّد، ولن يخلد في النار إلا الذين كفروا؛ فنام أولئك الغافلون عن طاعة الله قريري العين، وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم، وتركوا صالح الأعمال التي شرعت لتهذب أخلاقهم، ولترفع في الجنان درجاتهم، وانغمسوا في الشهوات مؤمِّلين نجاتهم بالشفاعة, وبهذا جعلوا أحاديث الشفاعة حجة للتكاسل, والتقاعس عن عمل الصالحات, والاستعداد ليوم الكُربات.
فمن الناس من فهم من قول الله -تبارك وتعالى- لرسوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي: "إنَّا سنرضيك في أمتك, ولا نسوؤك"؛ أي: ولا نحزنك, أنَّ الشفاعة ستمنعهم من دخول النار, إلا أنَّ هؤلاء نسوا ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "يدخل من أهل القبلة النار من لا يحصي عددهم إلا الله؛ بما عصوا الله واجتَرَؤُوا على معصيته, وخالفوا طاعته، فيؤذن في الشفاعة, فأُثني على الله ساجدا؛ كما أُثني عليه قائما، فيقال لي: ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تُشَفَّع"؛ لذا فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- سيرضي نبيه -عليه الصلاة والسلام- بأنواع الشفاعات يوم القيامة، وليس في عدم دخول العصاة النار، فلنتنبه لذلك.!
كما أنَّ هناك صنف آخر من الناس، حرص على نيل شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- ولكنه عمل بأحاديث مكذوبة, أو غير صحيحة في نيل الشفاعة؛ كمن يشد الرحال لزيارة ذات قبر النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ استناداً إلى أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "من زار قبري وجبت له شفاعتي", وهو حديث غير صحيح.
فلا بد من التنبه والحذر من تلك الأحاديث المكذوبة، أو التي لم تصح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، والاقتصار على الأحاديث الصحيحة التي أقرَّها علماء الجرح والتعديل المعتبرين؛ إذ أننا مُتعبدون بالعمل بما صَحَّ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث، دون غيره من الأحاديث.
وقد يقول قائل: إن هذه الأحاديث حتى لو كانت غير صحيحة ففيها دعوة لعمل الخير، ولكن أقول كما قال ابن جوزي: "استعمال الخير ينبغي أنْ يكون مشروعاً، فإذا علمنا أنه كذب خرج عن المشروعية" اهـ.
إنَّ بعض الناس ظن أنَّ طلب الشفاعة يوم القيامة، يقتصر على سؤال الله لها بالدعاء فحسب، دون بذل أسباب ذلك من أعمال صالحة, أشار إليها النبي -عليه الصلاة والسلام-, وهذا خطأ؛ فإنَّ انتظار شفاعة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لا تكون بالأماني والآمال وترك صالح الأعمال, قال معروف الكرخي -رحمه الله تعالى-: "طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور، وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل وحمق" أهـ.
إنَّ الحديث عن الشفاعة يوم القيامة وأنواعها، يستجرنا إلى أنْ نعيش هَمَّ الآخرة، ونتصور كثرة الكُرب التي ستصيب الناس، ومن ثَمَّ ندرك أهمية الحصول على الشفاعة؛ لننجو من عقاب الله -جلّ وعلا-، ولقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يحرصون على ذلك، حيث روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يشفع لي يوم القيامة فقال: "أنا فاعل"، قال: قلت: يا رسول الله! فأين أطلبك؟ قال: "اطلبني أول ما تطلبني على الصراط"، قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: "فاطلبني عند الميزان"، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: "فاطلبني عند الحوض؛ فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن"(رواه أحمد).
فما حقيقة الشفاعة -يا عباد الله-؟ وما أنواع شفاعات النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة؟ وكيف نحظى بهذه الشفاعات؟ ومن هم المحرومون من شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة؟ ومن هم الشفعاء الآخرون يوم القيامة؟ وكيف نحظى بشفاعتهم؟ هذا ما سيدور عليه حديثنا في سلسلة من الخطب بإذن الله -تعالى- تحت عنوان: كيف تفوز بالشفاعة يوم القيامة؟.
أيها المؤمنون: الشفاعة هي: طلب الخير للغير، وهي كرامة يهبها الله -تعالى- لمن شاء من خلقه يوم القيامة، والشفعاء يوم القيامة كثر، ولكن أولهم وأكثرهم شفاعة هو نبيا محمد -عليه الصلاة والسلام-.
إنَّ الشفاعة أمرها عظيم وخطير، يرتبط بها مصير الإنسان يوم القيامة, ولإدراك رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بأن الشفاعة نفعها للأمة كبير وعظيم، اختارها دون غيرها، بعد أنْ خيًره الله -تبارك وتعالى- بينها وبين أنْ يدخل نصف أمته الجنة؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ أَوْ يَدْخُلُ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ؛ لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى"(رواه أحمد).
فلا بد أنْ يحاول كل منا قدر المستطاع أنْ يفوز بشفاعة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بالوسائل الشرعية، وألا يكون من المحرومين منها، لا سيما وأن الفوز بالشفاعة أمر ميسور لكل مسلم, ولله الحمد.
سيكون للمصطفى -عليه الصلاة والسلام- سلسلة من الشفاعات يوم القيامة، بدأً بالشفاعة العامة لجميع الخلق لبدء حسابهم، وهي الشفاعة الكبرى والمقام المحمود الذي وُعد به -عليه الصلاة والسلام-, ثم تكون له شفاعات خاصة لهذه الأمة, بعد أنْ يتفضل الله -تعالى- عليه بالإذن.
وبعد هذا الإذن من الله -جل وعلا- لرسوله -عليه الصلاة والسلام-، فلن يدع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- مقاماً يقف فيه يوم القيامة إلا وسيشفع فيه لهذه الأمة المرحومة المباركة؛ حتى قال: "فَمَا زِلْتُ أَتَرَدَّدُ عَلَى رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-, فَلا أَقُومُ مَقَامًا إِلاَّ شُفِّعْتُ"(رواه أحمد.(
إن أولَ شفاعةٍ للنبي -عليه الصلاة والسلام- يوم القيامة ستكونُ الشفاعة لبدءِ الحساب، وهي الشفاعة الكبرى لإراحة جميع الخلق من الإنس والجن, مسلمهم وكافرهم من هَوْل الموقف وشدته، وتعجيل حسابهم, وهي المقام المحمود الذي وَعده الله إياه في قوله -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)[الإسراء: 79].
ففي ذلك اليوم المشهود، يبعث مالك الملك -جل جلاله- جميع الناس من قبورهم، ويحشرهم في أرض المحشر، حفاة عراة غرلاً غير مختونين، فيظلون واقفين أربعين عاماً لا يكلمهم الله -تعالى-، وتدنو الشمس منهم مقدار ميل، فيكونُ الناسُ في العَرَقِ على قدر أعمالهم، فيلجم بعضهم حتى يصل آذانهم، فيصيب الناس من الكرب والشدة ما الله به عليم، حتى رُوي أنه يتمنى بعضهم لو يُعجَّل لهم في الحساب، ولو آل مصيرهم إلى النار, -عياذا بالله- من ذلك المقام!.
وفي ذلك اليوم المهيب يغضبُ اللهُ غضباً لم يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله، وتزداد الكُرب والأهوال، والكل يخاف ولا يهتم إلا بنفسه، حتى أولي العزم من الرسل، لا يقدر أحدهم على مخاطبة الباري -جل جلاله-؛ ليبدأ في حساب الناس، إلا ما سيكون من المصطفى -عليه الصلاة والسلام-, حيث يبعثه الله مقاماً محموداً, ويعليه على سائر الخلق.
ففي ذلك اليوم المهيب تتجلى سيادة خاتم الأنبياء والمرسلين -عليه الصلاة والسلام- على جميع الرسل؛ باختصاصه بالشفاعة الكبرى والمقام المحمود، وكأني أنظر إلى ندم النادمين الذين تنكبوا لشريعته, وحاربوا أهلها الذين كانوا يدافعون عنها ويتمسكون بها، وكأني أراهم وهم يعضون على أصابع الندم, ولات حين مندم!.
فبأي وجه سيقابلون نبيهم يا ترى، بعدما رأوا مقامه عند ربه -عز وجل-؟ وهم الذين ما فتئوا في دنياهم على التضييق على كل من نادى بالرجوع إلى سنته، فألصقوا بهم التخلف والوسوسة, وأنهم يريدون إرجاع المجتمعات إلى القرون الوسطى، فهل ترى أنهم يملكون القدرة على مواجهة نبيهم؛ ليشفع لهم عند ربهم, وهم الذين كانوا ينادون بالتحرر من قيود الدين وتعاليمه، ويطالبون أن تسير المجتمعات الإسلامية تحت ظل الليبرالية والعلمانية؟!.
فلنستغفر الله -تعالى- من هذه الأفكارِ الدخيلة، ولنعد إلى واحة الإيمان الظليلة، قبل حلول المنيات، وخسارة أنواع الشفاعات.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البيان والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم, ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ, وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واعلموا أن لنبينا -عليه الصلاة والسلام- عدة شفاعات يوم القيامة؛ وهي: الشفاعة لبدأ الحساب، والشفاعة لاستفتاح أبواب الجنة، والشفاعة لمن لا حساب عليهم بدخول الجنة، والشفاعة لأطفال المشركين بدخول الجنة، والشفاعة بتخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، وشفاعات أخرى سنعرضها في خطب قادمة -بإذن الله-.
وأما الشفاعة الأولى لبدأ الحساب؛ فقد جاء تفصيلها في الحديث الذي رواه أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -عليه الصلاة والسلام- أُتِيَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ, فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً ثُمَّ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ, يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ, وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ وَلا يَحْتَمِلُونَ, فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ, فَيَأْتُونَ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلام-, فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ؛ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ, وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ, وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ, اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؛ أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ, وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ, وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ, نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي, اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي, اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ, فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ! إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ, وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا, اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ, أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ, وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ, وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي, نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي, اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي, اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ, اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ, أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيه؟ِ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ, وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ, وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاثَ كَذِبَاتٍ -فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ-, نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي, اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي, اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى, فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ, فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلامِهِ عَلَى النَّاسِ, اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ, أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ, وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ, وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا, نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي, اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي, اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ, فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى! أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْه, وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا, اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ, أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ, وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ, وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا, نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ! أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ, أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-, ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي, ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ, سَلْ تُعْطَهْ, وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ؛ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ!، أُمَّتِي يَا رَبِّ!، أُمَّتِي يَا رَبِّ!"(متفق عليه.(
أيها الأخوة: كانت تلك بعض أحداث الشفاعة الأولى لنبينا -عليه الصلاة والسلام-، وهناك شفاعات أخرى له -عليه الصلاة والسلام- لهذه الأمة المرحومة, أدع تفصيلها في خطب قادمة, بإذن الله -تعالى-.
اللهم إنا نرفع إليك أكف الضراعة؛ فافتح لدعائنا أبواب القبول والإجابة، واجعلنا من أهل الحوض والشفاعة، وآمن روعنا يوم تقوم الساعة.