البحث

عبارات مقترحة:

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

خطر القنوات الفضائية

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. مسؤولية الآباء عن الأبناء .
  2. سهولة وصول الأفكار الهدامة إلى عقول الشباب .
  3. من الأخطار التي تحملها القنوات .
  4. التحذير من الركون للكفار .
  5. الوصية بالتقوى .

اقتباس

وقد تزايد في هذا الزمن كيد الكفار، مستهدفين ديار المسلمين، يبتغون خلخلة دينهم، وزعزعة إيمانهم، وتدمير أخلاقهم، وإفساد سلوكهم، ونشر الفاحشة والرذيلة بينهم، وإخراجهم من حظيرة الإسلام، ولقد كانوا -سابقًا- يعجزون عن الوصول إلى أفكار الشباب وعقول الناشئة لبثِّ ما لديهم من سموم، وعرض ما عندهم من كفر وإلحاد ومجون، أما الآن -عباد الله- فقد أصبحت تحمل أفكارَهم الرياحُ...

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى، ثم اعلموا -رعاكم الله- أن المسؤولية تجاه النشء عظيمة، والواجب نحوهم كبير؛ فهم أمانة في الأعناق، وكلٌّ مسؤول عمن يعول يوم القيامة.

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن أهله، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته".

وروى الترمذي -بإسناد صحيح- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه؛ أحفظ أم ضيع".

وروى مسلم في صحيحه عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة".

عباد الله: إننا نعيش هذه الأيام زمنًا تكاثرت فيه الشرور، وعظمت فيه الفتن، وصارت بسبب كثرتها يرقِّق بعضها بعضًا، ولعل هذا مصداق لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه الأمة جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، تجيء الفتن يرقق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر".

عباد الله: وقد تزايد في هذا الزمن كيد الكفار، أعداء الله، وأعداء دينه، وأعداء عباده المؤمنين، مستهدفين ديار المسلمين، يبتغون خلخلة دينهم، وزعزعة إيمانهم، وتدمير أخلاقهم، وإفساد سلوكهم، ونشر الفاحشة والرذيلة بينهم، وإخراجهم من حظيرة الإسلام، ولقد كانوا سابقًا يعجزون عن الوصول إلى أفكار الشباب وعقول الناشئة لبثِّ ما لديهم من سموم، وعرض ما عندهم من كفر وإلحاد ومجون، أما الآن -عباد الله- فقد أصبحت تحمل أفكارَهم الرياحُ، إنها رياح مهلكة، بل أعاصير مدمرة، تقصف بالمبادئ والقيم، وتدمر الأديان والأخلاق، وتقتلع جذور الفضيلة والصلاح، وتجتث أصول الحق واليقين.

عباد الله: لقد تمكن أعداء دين الله -من خلال القنوات الفضائية والبث المباشر- من الوصول إلى العقول والأفكار، ومن الدخول إلى المساكن والبيوت، يحملون نتنهم وسمومهم، ويبثون كفرهم وإلحادهم ومجونهم، وينشرون رذائلهم وحقارتهم وفجورهم، في مشاهد زور، ومدارس خنا وفجور، تطبع في نفوس النساء والشباب محبة العشق والفساد والخمور، بل إنها بمثابة شرك الكيد، وحبائل الصيد، تقتنص القلوب الضعيفة، وتصطاد النفوس الغافلة، فتفسد عقائدها، وتحرف أخلاقها، وتوقعها في الافتتان، ولا أشد -عباد الله- من الفتنة التي تغزو الناس في عقر دورهم، ووسط بيوتهم، محمومة مسمومة، محملة بالشر والفساد.

ومن أسفٍٍ -عباد الله-، بل مما يملأ القلب حزنًا وكمدًا، أن أصبح في أبناء المسلمين وبناتهم من يجلس أمام هذه الشاشات المدمرة ساعات طويلة، وأوقاتٍ كثيرة، يصغي بسمعه إلى هؤلاء، وينظر بعينه إلى ما يعرضون، ويقبل بقلبه وقالبه على ما يقدّمون، ومع مر الأيام تتسنن الأفكار الخبيثة، وتتعمق المبادئ الهدّامة، وتغزى العقول والأفكار، ويتحقق للكفار ما يريدون، واستمعوا -عباد الله- إلى الله -جل وعلا- ماذا يقول: (فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم: 9]، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89]، (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ) [البقرة: 109]، (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) [آل عمران: 69].

عباد الله: إن من يتأمل الأضرار والأخطار التي يجنيها من يشاهد ما يبثه هؤلاء، يجدها كثيرة لا تحصى، عديدة لا تستقصى، أضرار عقائدية، وأضرار اجتماعية، وأضرار أخلاقية، وأضرار فكرية ونفسية، فمن الأضرار العقائدية خلخلة عقائد المسلمين والتشكيك فيها؛ ليعيش المسلم في حيرة واضطراب، وشك وارتياب، وإضعاف عقيدة الولاء والبراء، والحب والبغض؛ ليعيش المسلم منصرفًا عن حب الله، وحب دينه، وحب المسلمين، إلى حب زعماء الباطل، ورموز الفساد، ودعاة المجون، إضافة إلى ما فيها من دعوة صريحة إلى تقليد الكفار، إلى تقليد النصارى -وغيرهم من الكفار- في عقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وغير ذلك.

ومن الأضرار الاجتماعية والأخلاقية ما تبثه تلك القنوات الآثمة من الدعوة إلى الجريمة، بعرض مشاهد العنف والقتل والخطف والاغتصاب، والدعوة إلى تكوين العصابات؛ للاعتداء والإجرام، وتعليم السرقة والاحتيال، والاختلاس والتزوير، والدعوة إلى الاختلاط والسفور والتعري، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والدعوة إلى إقامة العلاقات الجنسية الفاسدة؛ لتشيع الفاحشة، وتنتشر الرذيلة، إضافة إلى ما فيها من إكساب النفوس من العنف والشدة، والسطو والإجرام والاعتداء، فضلاً عما تسببه تلك المشاهد من إضاعة للفرائض والواجبات، وإهمال للطاعات والعبادات، ولاسيما الصلوات الخمس، التي هي ركن من أركان الإسلام... إلى غير ذلك من الأضرار الجسيمة، والأخطار العظيمة، التي يصعب حصرها، ويطول عدها: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) [الطارق: 15-17].

عباد الله: هذا بعض ما يقوم به هؤلاء ويسعون إلى الوصول إليه، فما الواجب علينا تجاه ذلك كله؟! أيليق بالمسلم -عباد الله- أن يصغي لكيدهم، ويركن لشرهم، ويستمع لباطلهم؟! أيليق بالمسلم -عباد الله- أن يرضى لنفسه وأبنائه بالجلوس لمشاهدة ما ينشره هؤلاء، والاستماع إلى ما يبثون؟! أيليق بالمسلم -عباد الله- أن يرضى لنفسه بالدنية، ولأهله وبيته بالخزي والعار والرزية؟!

عباد الله: لقد حذّر الله عباده من الركون إلى الكفار، وبين عظم شرهم، وكبر خطرهم، وفداحة كيدهم ومكرهم، وبيّن -سبحانه- لعباده السبيل السوية، التي من سلكها نجا، ومن سار عليها هدي إلى صراط مستقيم؛ إنها -عباد الله- العودة الصادقة لدين الله، والاعتصام الكامل بحبل الله، والسير الحثيث على نهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصبر على ذلك كله إلى حين لقاء الله -جل وعلا-: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 120].

اللهم أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، اللهم اغفر لنا أجمعين، إنك أنت الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-؛ فإن التقوى نعمت العدة للقاء الله -جل وعلا- ونعم الزاد، فاتقوا الله -جل وعلا- في السر والعلانية، والغيب والشهادة، واعلموا -رعاكم الله- أن الله -عز وجل- عليم بخلقه، لا تخفى عليه منهم خافية، بصير بهم، يرى حركاتهم وسكناتهم، وهو -جل وعلا- بهم محيط، ومطلع على ما يعملون، فراقبوا الله في أعمالكم، واتقوه تقوى من يعلم أن ربه يسمعه ويراه، وتذكروا -رعاكم الله- أنكم ستقفون يومًا أمام الله -جل وعلا- ليسألكم فيه عما قدمتم في هذه الحياة؛ فالكيس -عباد الله- من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.

اللهم آمنّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والعافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء، وسوء القضاء، اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا ومن شر ما لم نعمل، ونعوذ بك اللهم من شر ما علمنا ومن شر ما لم نعلم.

اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.