الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
متى حققت الأمة الإيمان الكامل بالله -جل وعلا-، حقًّا وصدقًا ظاهرًا وباطنًا، متى سارت على منهج الله في جميع شئونها، ومختلف نشاطات حياتها، فتح الله لهم البركات وعاشوا في رخاء وحياة طيبة، وعيشة هنيئة، لا يشوبها ضيق ولا كدر...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رافع البلوى وكاشف الضراء، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له في الآخرة والأولى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى والعبد المجتبى، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه أهل البر والتقوى.
أما بعدُ فيا أيها الناسُ: فأوصيكم بتقوى الله -جل وعلا-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
عبادَ اللهِ: يُذَكِّرنا الله -جل وعلا- سُنَّتَه في الأمم، فيقول عز شأنه: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)[الْأَعْرَافِ: 94]، والبأساء هو: شَظَفُ المعيشةِ وضيقها. والضراء هو: الضر وسواء الحال من الآلام والأسقام، ويبيِّن اللهُ -جل وعلا- لنا حكمة وقوع ذلك وسببه، وهو إلجاء العباد إلى التضرُّع إلى ربهم، والاستكانة إلى خالقهم، والإنابة إلى إلههم؛ بالإقلاع عمَّا يُغضِبه -جل وعلا-، وبلزوم طاعته والخضوع لإمره والسَّيْر على نَهْج شرعه.
فمِنْ حِكَم الابتلاء بكل ما يُصيب في هذه الحياة من الشدائد والمشاقِّ، والأضرار، أن يرجع الخلق لربهم، وأن ينقادوا إلى أوامره -سبحانه-، ويثوبوا إلى رشدهم، وينزجروا عن الضلال والعناد، والإجرام والإفساد، تصيبهم القوارع لعل القلوب الجامدة أن تلين وتتعظ، فتعود للصلاح والرشاد، والهدى والسداد، قال سبحانه: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)[الْأَنْعَامِ: 42].
فيجب أن يحاسب العباد أنفسهم وهم يرون الابتلاءات تترى، وأن يعودوا بصدقٍ إلى دين الله، ويجدِّدوا توبةً نصوحًا، بتجديد العهد بالسير على الصراط المستقيم.
معاشر المسلمين: من أعظم المصائب أن تمرَّ الابتلاءات بالناس فلا تلينُ بها القلوبُ، ولا تعود بها الجوارحُ إلى ربها؛ قال جل وعلا: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الْأَنْعَامِ: 43].
نعم؛ من أعظم المصائب وأشد صور الشقاء؛ أن تقع الابتلاءات والغافلون مستمرون في غفلتِهم، والتائهون دائبون في سباتهم ولهوهم ومعاصيهم، والفاسدون غارقون في فسادهم وإجرامهم، قال النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: "إنَّ الهلكةَ كلَّ الهلكةِ أَنْ تعملَ السوءَ في زمان البلاء" رواه ابن أبي شيبة، يقول سبحانه محذِّرًا من شأن الكافرين المعانِدينَ: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 76]، أي: ابتليناهم بالمصائب والشدائد فما استكانوا؛ أي: ما خَشَعُوا ولا انكسروا ظاهرًا وباطنًا، بل استمرُّوا في غيِّهم وضلالهم.
عبادَ اللهِ: إن الضرورة إلى التوبة شديدة، والحاجة إلى المحاسَبة أكيدة؛ قال جل وعلا: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)[النِّسَاءِ: 147]، فلا تنقلب المصائبُ نِعَمًا، ولا البأساءُ والضراءُ رخاءً وفَرَجًا، إلا بتوبةِ العبادِ إلى ربهم، والرجوع إلى خالقهم؛ فبذلك يرحمهم -جلَّ وعلا-، ويُنعِم عليهم ويرفع بلواهم، وما حلَّ بهم، الله يمتحن عبادَه بالشدائد والمصائب والسيئات؛ لِيَرْغَبُوا إلى طاعته، ويؤوبوا إلى جنابه، قال جل وعلا: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الرُّومِ: 41]، ويقول سبحانه: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[السَّجْدَةِ: 21]، ويقول سبحانه: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الْأَعْرَافِ: 168].
ذكر المؤرخون أنه عام سبعمائة وتسعة وأربعين للهجرة وقَع بمصر والشام وباءٌ مات بسببه خلق كثير، فاجتمع الناس في المساجد، وتضرعوا إلى ربهم، وتابوا من ذنوبهم، وأقبلوا بأنواع الصدقات والحسنات حتى زال عنهم البلاء عاجلًا، فمن أراد الله بهم خيرًا وتوفيقًا اتخذوا من وقوع المثلات واعظًا ومذكِّرًا، يقول عز شأنه: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الْأَعْرَافِ: 130]؛ أي: يتعظون؛ لأن الشدة ترقِّق القلوبَ وترغِّبها فيما عندَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وفي الرجوع إليه سبحانه.
عبادَ اللهِ: لا تحصيل لمطلوب ترغبه النفوسُ والمجتمعات، ولا نجاة من مرهوب تكرهه القلوبُ إلا بتوبةٍ صادقةٍ إلى الله -جلَّ وعلا-، قال سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النُّورِ: 31]، ورحمة الله بخلقه التي بها تُفرَّج الكروبُ، وتزول الخطوبُ لا تتحقَّق إلا بطاعة مخلصة صادقة لله -جل وعلا-، واتباع شرعه والسير على سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النُّورِ: 56]، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطَّلَاقِ: 2]، وقال عز شأنه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 4]، فأنيبوا إلى الله وأصلحوا القول والعمل، والتزموا بالنهي والأوامر، ترشدوا وتفلحوا؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النَّحْلِ: 97].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا ورسولنا محمد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله.
أما بعدُ: فيا أيها المسلمُون: متى حققت الأمة الإيمان الكامل بالله -جل وعلا-، حقًّا وصدقًا ظاهرًا وباطنًا، متى سارت على منهج الله في جميع شئونها، ومختلف نشاطات حياتها، فتح الله لهم البركات وعاشوا في رخاء وحياة طيبة، وعيشة هنيئة، لا يشوبها ضيق ولا كدر؛ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الْأَعْرَافِ: 96].
عبادَ اللهِ: إن من أفضل الأعمال الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا، وسيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة والآل أجمعين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم أذِلَّ الشرك والمشركين، اللهم من أراد الإسلام وأهله بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميره يا ربَّ العالمينَ، اللهم من أرادنا بسوء فأشغله في نفسه، اللهم واجعل عليه دائرة السوء يا ربَّ العالمينَ، اللهم سلط عليه جندك، اللهم سلط عليه جندك، واجعل عمله في ضلال يا حي يا قيوم، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، سرها وعلانيتها، أولها وآخرها، ظاهرها وباطنها، اللهم ارحم موتى المسلمين، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم إنا نعوذ بك من الوباء والبلا، ومن الغلا ومن الزنا ومن الزلازل والمحن، ومن الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم فرج همنا وهم المسلمين، اللهم فرج هموم المسلمين، اللهم نَفِّسْ كربَاتهم، اللهم نَفِّسْ كربَاتهم، اللهم أرخص أسعارهم، اللهم أغن فقيرهم، اللهم أغن فقيرهم، اللهم أصلح شبابهم، اللهم أصلح حياتهم، اللهم ارزقهم حياة طيبة وعيشة هنيئة يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة أن تجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن ترفع ما أصابهم من البلواء واللأواء والضيق والضنك، يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفقه وولي عهده لما تحبه وترضاه، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين، اللهم اجعلهم رحمة على رعاياهم، يا ربَّ العالمينَ.
اللهم أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغث بلادنا وبلاد المسلمين، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، يا رزاق يا غني يا حميد، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مباركا نافعا غير ضار، يا ذا الجلال والإكرام.
عبادَ اللهِ: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 41-42]، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.