الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
أيها المؤمنون: إنَّ من أعظم ما ينبغي على كل مسلم أن يعنى به عنايةً عظيمة: أن يكون عمله وتعبُّده مشكورًا عند الله مرضيًا عنده جل في علاه؛ وهذا مطلب عظيم يجب على كل مسلم أن يعنى به عناية عظيمة. والعمل لا يكون مشكورًا عند الله مرضيا عنده جل في علاه إلا إذا قام على ركائز عظيمة، وأسسٍ متينة، لا يكون العمل مشكورًا مرضيًا إلا بها، وهي...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينُه على وحيه؛ ومبلِّغ الناس شرعه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون: إنَّ من أعظم ما ينبغي على كل مسلم أن يعنى به عنايةً عظيمة: أن يكون عمله وتعبُّده مشكورًا عند الله مرضيًا عنده جل في علاه؛ وهذا مطلب عظيم يجب على كل مسلم أن يعنى به عناية عظيمة.
والعمل لا يكون مشكورًا عند الله مرضيا عنده جل في علاه إلا إذا قام على ركائز عظيمة، وأسسٍ متينة، لا يكون العمل مشكورًا مرضيًا إلا بها، وهي ثلاثة ركائز جمعها الله -سبحانه وتعالى- في آية واحدة من سورة الإسراء، وهي قول الله -جل وعلا-: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا)[الإسراء: 19].
تأمل -رعاك الله ووفقك لهداه- في هذه الركائز العظيمة، وجاهد نفسك على تحقيقها في كل أعمالك، وجميع طاعاتك: الركيزة الأولى: أن يراد بالعمل الدار الآخرة؛ بمعنى أن يكون العمل خالصًا لا يراد به إلا وجه الله -عز وجل- وثوابه الذي أعدّه لعباده في الدار الآخرة، بمعنى أن لا يعمل لأجل مصالح دنيوية ومقاصد آنيَّة من شهرةٍ أو سمعةٍ أو إرادةٍ للدنيا بالعمل أو غير ذلك من خوارم النية المبطلة لها المفسدة للعمل.
وهذا أمر يحتاج إلى مجاهدةٍ تامة، ولهذا قال الأوزاعي -رحمه الله-: "ما عالجتُ شيئًا أشد عليَّ من نيتي"، فالنية تتفلت وهي تحتاج من العبد إلى معالجة دائمة مستمرة ليصفو العمل وليكون خالصًا لا يبتغى به إلا الله -جل في علاه-، والدار الآخرة التي هي دار الثواب والجزاء على الأعمال.
الركيزة الثانية -أيها المؤمنون-: في قوله جل وعلا: (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا)، وليس كل سعي يصلح ولا كل عمل ينفع، وإنما النافع من العمل -عباد الله- والمفيد من السعي هو سعي الآخرة؛ أي الذي رضيه الله لعباده ودعاهم إلى فعله بواسطة رسله الكرام، ولهذا -عباد الله- العمل يتوقف في قبوله على صحة اتباع العامل فيه للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولهذا صح في الحديث عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" أي مردود على صاحبه غير مقبول منه، وكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب الناس يوم الجمعة، قال صلوات الله وسلامه عليه: "إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهدَى هُدَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ".
أيها المؤمنون: والركيزة الثالثة لقبول العمل وشكره عند الله -جل في علاه-: أن يكون قائمًا على الإيمان، قال: (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي: مؤمن بالله وبكلِّ ما أمره سبحانه وتعالى بالإيمان به.
ولهذا ينبغي أن يُعلم -معاشر العباد- أن الأعمال كلها لا تصح ولا تكون مقبولة إلا إذا كانت قائمة على إيمانٍ صحيح وعقيدة راسخة في القلب، ولهذا قال الله -عز وجل-: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[المائدة: 5]، وترى في آيات كثيرة يُقيَّد قبول العمل وترتب الثواب عليه بوجود الإيمان؛ كقوله سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي بهذا القيد (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
معاشر المؤمنين: هذه ركائز ثلاثة عظيمة الشأن جليلة القدر رفيعة المقام؛ ينبغي على كل مسلم أن يُعنى بها عناية تامة في كل طاعاته، وجميع عباداته، والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له.
نسأله جل في علاه أن يوفقنا لكل خير، وأن ييسِّرنا لليسرى، وأن يجنِّبنا العسرى، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمَّا بعد: أيها المؤمنون: اتّقوا الله -تعالى-.
عباد الله: يقول الله -عز وجل-: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الملك: 2] ولم يقل "أكثر عملا"؛ وهذا فيه تنبيه إلى مقام عظيم لابد من العناية به؛ ألا وهو -أيها العباد-: أن يتأمل المرء في كل أعماله بأن تكون حسنة، فليست العبرة بكثرة العمل، وإنما العبرة بحُسن العمل، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى- في قوله جل وعلا: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الملك: 2] قيل له: ما معنى ذلك؟ قال: "أخلصه وأصوبه" قيل : يا أبا علي وما أخلصه وأصوبه؟ قال: "إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة".
وكان من دعاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "اللهم اجعل أعمالنا لك خالصة، ولسنَّة نبيك -صلى الله عليه وسلم- موافقة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئا".
واعلموا -رعاكم الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديِّين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم وفِّق وانصر إخواننا المرابطين على حدود البلاد، اللهم أيِّدهم بتأييدك واحفظهم بحفظك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، اللهم سدده في أقواله وأعماله يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّقه وولي عهده لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال، وصالح الأعمال.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقَّه وجلَّه، أوله وآخره، علانيته وسرَّه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف: 23].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.