الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
العربية
المؤلف | ماجد بلال |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إذا مات الميِّت فإنَّه يجب على أقاربه خصوصًا، وعلى إخوانه المسلمين عمومًا، أن يلتزموا بشَرْع الله، وأن يقوموا بفِعل ما أوْجب الشرع عليهم فعله تجاهه، وأن يحذروا مِن الميل والانحراف عن شَرْع الله، وذلك بارتِكاب مخالفات شرعيَّة منكَرة، وأخطاء فادِحة...
الخطبة الأولى:
أمَّا بعدُ: فإذا مات الميِّت فإنَّه يجب على أقاربه خصوصًا، وعلى إخوانه المسلمين عمومًا، أن يلتزموا بشَرْع الله، وأن يقوموا بفِعل ما أوْجب الشرع عليهم فعله تجاهه، وأن يحذروا مِن الميل والانحراف عن شَرْع الله، وذلك بارتِكاب مخالفات شرعيَّة منكَرة، وأخطاء فادِحة، ومِن هذه المخالَفات والأخطاء ما يأتي:
أولاً: عدم الإسراع في تجهيز الجنازة، وتأخير دفنها لغير ضرورة؛ ففي ذلك مخالفةٌ لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإسراع في تجهيزِ الجنازة؛ فعَن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "أسْرِعوا بالجنازة؛ فإنْ تكُ صالحةً فخير تقدِّمونها، وإن يكُ سِوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رِقابكم"(رواه البخاري: 1315).
قال ابن عثيمين -رحمه الله-: "الإسراع في الجنازة يشمَل الإسراعَ في تجهيزها، والإسراع في تشييعها، والإسراع في دفْنها، وذلك أنَّ الميِّت إذا مات، فإمَّا أن يكون صالحًا، وإما أن يكون سِوى ذلك، فإنْ كان صالحًا فإنَّ حبْسَه حيلولة بينه وبين ما أعدَّه له الله مِن النعيم في قبره؛ لأنَّه ينتقل من الدُّنيا إلى خير منها، وإلى أفْضل؛ لأنَّه حين احتضاره ومنازعته الموت يُبَشَّر، يقال لرُوحه: أبشري برحمةٍ مِن الله ورضوان، فيشتاق لهذه البُشرى، فيجب أن يتعجَّل، وأن يعجل به، فإذا حُبِسَ كان في هذا شيءٌ مِن الجناية عليه والحيلولة بيْنه وبين ما أعدَّه الله له مِن النعيم.
وإنْ كان غيرَ صالح -والعياذ بالله-؛ فإنَّه لا ينبغي أن يكون بينَنا، ويَنبغي أن نسارِع بالتخلُّص منه؛ ولهذا قال النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "أسْرِعوا بالجنازة"، أسرعوا بها في تجهيزها وتشييعها ودفْنها، لا تؤخِّروها، "فإنْ تكُ صالحةً فخير تقدِّمونها إليه"؛ يعني: خير ممَّا انتقلت منه تقدِّمونها إليه؛ لأنَّها تقدم -جعلنا الله وإيَّاكم منهم- إلى رحمة الله ونعيم وسرور ونور، فتقدمونها إلى خير، "وإن تكُ سوى ذلك"؛ يعني: ليست صالحة "فشرٌّ تضعونه عن رِقابكم" تسلمون منه؛ لأنَّ ما لا خيرَ فيه لا خير في بقائه.
إذًا يُستفاد من هذا الحديث أنَّه يُسنُّ الإسراع بالجنازة وألا تؤخَّر، وما يفعله بعضُ الناس اليوم إذا مات الميِّت، قالوا: انتظروا حتى يقدم أهله من كل فجٍّ، وبعضهم ربما كان في أوروبا أو في أمريكا، وربما طال ذلك يومًا أو يومين، فهذا جناية على الميِّت وعصيان لأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أسْرِعوا بالجنازة".
والمتأخر من أهله إذا جاؤوا وقد دُفِن، يصلُّون على قبره، الأمْر واسعٌ والحمد لله، وهو إذا تأخَّر دفنُه حتى يأتوا ماذا ينفعه من ذلك؟ إنَّه لا ينفعه إلا الدعاءُ له بالصلاة عليه، وهذا حاصلٌ إذا صلوا عليه في قبرِه، ولا وجه لهذا الحبْس إطلاقًا، فإنْ قال قائل: أليس النبي -صلى الله عليه وسلم- ماتَ يوم الاثنين ولم يُدفن إلا ليلةَ الأربعاء؟ قلنا: بلى، لكن الصحابة -رضي الله عنهم- أرادوا ألاَّ يَدفِنوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى يُقيموا خليفةً على عباد الله بعدَه؛ لئلاَّ تخلوَ الأرض عن خليفة لله فيها، ولهذا لما تمَّت مبايعةُ أبي بكر -رضي الله عنه- دَفَنوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذه عِلَّةٌ ظاهرة واضحة"(شرح رياض الصالحين: 4/546-548).
ولم يثبت تأخير أحد من الصحابة والتابعين؛ فكان ذلك إجماعاً منهم، بل إن التأخير لا يكون إلا عقوبة بعد الموت كمن يُقتل ويصلب فيعلق أياماً بالسوق حتى يراه الناس ليتعظوا ولا يفعلوا فعله، فالإبقاء للميت قبل الدفن نوع من العقوبة عليه.
ومن الأخطاء التي يفعلها الناس اليوم: أن يذهبوا بالميت إلى بيته كي يسلم عليه أهله أو يجلبون النساء إلى إليه في المستشفى وهو ميت، وما يسمى بالنظرة الأخيرة؛ وهذا من عادات النصارى؛ فإنهم يمددون الميت للنظرة الأخيرة، ويأتون لإلقاء النظرة الأخيرة عليه قبل دفنه.
ولم ينظر إلى الميت إلا أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- نظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينظر إليه -صلى الله عليه وسلم- لا فاطمة بنته ولا عائشة ولا أحد من أزواجه فكان إجماعاً من الصحابة.
ومما يحصل عند هذه النظرة الأخيرة:
رابعًا: النياحة: وهي أمرٌ زائدٌ على البُكاء، فيرفع الصوت بتعديدِ شمائل الميِّت، ومحاسن أفعاله، وهو مِن أمر الجاهلية؛ فعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "أربعٌ في أمَّتي مِن أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخْر في الأحساب، والطَّعْن في الأنساب، والاستسقاء بالنُّجوم، والنياحة"، وقال: "النائِحة إذا لم تتُبْ قبل موتها تُقام يومَ القيامة وعليها سِربال مِن قطران ودرْع من جرَب"(رواه مسلم: 934).
ولذلك كان النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يأخُذ على النِّساء عند البَيعة ألا يَنُحْن؛ فعن أمِّ عطية -رضي الله عنها- قالت: "أخَذ علينا النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عندَ البيعة ألا ننوح"(رواه البخاري: 1306).
ومنه: خامسًا: لطم الخدود، وشق الجيوب، والدُّعاء بدعوى الجاهلية: فعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- عنِ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "لَيْس منَّا مَن ضرَب الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعَا بدعوى الجاهلية"(رواه البخاري 1297، ومسلم 103، وهذا لفظ البخاري)؛ وذلك لأنَّ هذه الأفعال تدلُّ على عدم الرِّضا بقضاء الله وقدَره.
ومن الأخطاء: اعتقاد البعض أن المرأة لا يجوز أن يدفنها إلا محارمها، وهذا ليس شرطاً أو أنهم يجعلون على قبرها غطاءً وهي مستورة في الكفن، وهذا مبالغة وتشدّد ليس عليها دليل؛ فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: "شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، أم كلثوم زوج عثمان وَرَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: "هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا. قَالَ: "فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا"؛ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا"(صحيح البخاري:1342).
ومن الأخطاء: المشي على القبر أو الجلوس عليه؛ فعن عُقبةَ بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "لأنْ أمشيَ على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برِجلي، أحبُّ إليَّ مِن أن أمشيَ على قبر مسلِم"(رواه ابن ماجه 1567، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 3564).
وعن أبي هُريرَة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "لأنْ يجلسَ أحدُكم على جمرةٍ فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلدِهِ، خير له مِن أن يجلس على قبر"(رواه مسلم:971).
وعن أبي مَرْثد الغَنوي أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "لا تُصلُّوا إلى القُبور -أي: الفريضة أو النافلة، وليس صلاة الجنازة-، ولا تَجْلِسوا عليها"(رواه مسلم: 972)، ولهذا نهَى النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يُجصَّص القبر، وأن يُبْنَى عليه، وأن يُكْتَب عليه؛ لأنَّ تجصيصه، يعني تفخيمَه، وتعظيمه يؤدِّي إلى الشِّرْك به، وكذلك البناء عليه، فالتجصيصُ حرام، والبناء أشدُّ حرمةً.
و"الكتابة على القبر فيها تفصيل؛ فالكتابة التي لا يُراد بها إلا إثبات الاسم للدَّلالة على القبر، فهذه لا بأس بها، وأمَّا الكتابة التي تشبه ما كانوا يفعلونه في الجاهلية يكتب اسم الشخص، ويُكتب الثناء عليه، وأنَّه فعل كذا وكذا، وغيره من المديح، أو تُكتب الأبيات، فهذا حرام، ومِن هذا ما يفعله بعضُ الجهَّال أنَّه يكتب على الحجَر الموضوع على القبْر سورة الفاتحة مثلاً، أو غيرها مِن الآيات، فكلُّ هذا حرام"(شرح رياض الصالحين:6/ 521-522).
ومن الأخطاء: تعمد الذهاب للتعزية وقت الغداء والعشاء، وتكليف أهل الميت بإقامة الولائم وكأنها مناسبة أو فرح الولائم. يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "أما أن يقوم أهل الميت بصناعة الطعام، وذبح الذبائح، ودعوة الناس، فهذا بدعة ومنكر، ومِن أمر الجاهلية، وهكذا الزغردة والصياح والكلام الفارغ الذي يفعلونه بمناسبة الميت، لا أصل له، وقد قال جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-: "كنا نَعُدّ الاجتماع إلى أهل الميت، وصناعة الطعام بعد الدفن من النياحة".
ومن الملاحظات: الاهتمام بتلييس القبر بالطين، ويتشددون في ذلك، ويتكلفون جهدًا وتعبًا، وهذا لا فائدة منه؛ إذ إن الهدف من الدفن هو ألا تخرج له رائحة، ولا تقدر السباع على نبش القبر، ومثله رشّ الماء على الحصى لا فائدة منه.
وصلوا وسلموا....