البحث

عبارات مقترحة:

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

أم حسبتم أن تدخلوا الجنة

العربية

المؤلف هلال الهاجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم يصبكم ما أصاب أتباع الأنبياء والرسل .
  2. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم يصبكم الفقر والبأساء .
  3. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم يصبكم ألم وضراء .
  4. النصر يبذل بالتضحيات والابتلاءات .

اقتباس

كيفَ تُريدُ أن تدخلَ الجنَّةَ وما أصابَك زلزالُ الإيمانِ؟، عندما يُحاطُ بالدِّينِ من كلِّ جانبٍ ومكانٍ، ويُحاربُ الإسلامُ بأيدي العدوِّ الظاهرِ من الكافرينَ، وتُغيِّرُ الأحكامُ بأيدي العدوِّ الباطنِ من المنافقينَ، ويظهرُ الباطلُ على سطحِ الواقعِ، وتنتشرُ...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسـولُه.

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102], (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1], (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد:

أيُّها المؤمنونَ: وأنتم تسيرونَ في طريقِكم إلى الجنَّةِ بِخُطىً واثِقاتٍ، لا بُدَّ أن تمرُّوا على علاماتٍ ومحطاتٍ، قد مرَّ عليها قَبلَكم السَّائرونَ والسَّائراتُ، فسقطَ من سقطَ, وبقيَ أهلُ الثَّباتِ، يقولُ -سُبحانَه وتعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)[البقرة:214]؛ ومعنى الآيةِ: هل تظنُّونَ -يا أهلَ الجنَّةِ- أن تدخلوها ولم يُصبْكم مِثلُ ما أصابَ أتباعَ الأنبياءِ والرُّسلِ مِن الأخيارِ، من الشَّدائدِ والمِحنِ والاختبارِ؛ فقد أصابتهم البأساءُ وهي شِدَّةُ الحَاجةِ والفَقرِ والفَاقةِ، وأصابتهم الضَّراءُ وهي شِدَّةُ الأمراضِ والأسقامِ والآلامِ، وزُلزِلوا زِلزالاً شَديداً من أعدائهم، وامتُحِنوا امتحاناً عظيماً، حتى استبطأَ القومُ نصرَ اللهِ، فقالوا: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ؟! وانتبه إلى السُّؤالِ: (مَتَى نَصْرُ اللَّهِ)، ولم يسألوا سؤالَ الشَّاكِ: أينَ نصرُ اللهِ؟، فهم يعلمونَ عِلمَ يقينٍ أنَّ نصرَ اللهِ -تعالى- موجودٌ وأنَّه قادمٌ، ولكن لا يعلمونَ أبعيدٌ هو أم قريبٌ؟ فجاءتهم الإجابةُ من اللهِ: (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).

مَا بين غَمضَةِ عَينٍ وانتباهَتِها

يُغيِّرُ اللهُ مِن حَالٍ إلى حالِ

وهكذا هو طريقُ الجنَّةِ محفوفٌ بالأخطارِ والتَّعبِ، مَليءٌ بالابتلاءاتِ والنَّصبِ، قَالَ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ"؛ فطريقُ الجنَّةِ ليسَ سَهلاً مُمهَّداً مفروشاً بالورودِ، بل هو طريقٌ يُحتاجُ فيه إلى صبرِ أيوبَ, وشُكرِ داوودَ، فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟، أَلَا تَدْعُو لَنَا؟، فَقَالَ: "قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"؛ ضَربَ لهم مِثالاً بسيطاً لِما كانَ يحدثُ لأهلِ الجنةِ وهم في طريقِهم إليها.

كيفَ تُريدُ أن تدخلَ الجنَّةَ ولم تَذُقْ طعمَ الفقرِ والبأساءِ، كما أصابَ الصَّالحونَ والأولياءَ من العَناءِ؟! واسمعْ إلى حالِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- كما وَصفتْهُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- لِعُرْوَةَ بنِ الزُّبيرِ، فقالتْ: "ابْنَ أُخْتِي! إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ، ثُمَّ الهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَارٌ"، فَقَالَ: يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟، قَالَتْ: "الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ".

بل اسمعْ لهذه القِصَّةِ لثلاثةٍ من أهلِ الجنَّةِ النُّبلاءِ، كيفَ أصابَتهم المخمصةُ والجوعُ والبأساءُ، قَالَ أَبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: "مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟!"، قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا"، هذا القائدُ ووزيراهُ، وتخيَّلْ ما مَدى الجوعُ الذي يُخرجُكَ من بيتِكَ؟.

فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَلمَّا نَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبَيْهِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ"، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ".

وكيفَ تُريدُ أن تدخلَ الجنَّةَ ولم يُصبْكَ يوماً ألمٌ وضَراءُ؟! وإنما يُبتلى النَّاسُ على قدرِ دينِهم وأشدُّهم بلاءً الأنبياءُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مَوْعُوكٌ -أيْ: أصابتْه الحُمَّى-، عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَوَجَدَ حَرَارَتَهَا فَوْقَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ: مَا أَشَدَّ حُمَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!, قَالَ: "إِنَّا كَذَلِكَ، يَشْتَدُّ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ، وَيُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟، قَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، وَقَدْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ إِلَّا الْعَبَاءَةَ يَجُوبُهَا -أيْ يقطَعُها- فَيَلْبَسُهَا، وَيُبْتَلَى بِالْقُمَّلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ، وَلَأَحَدُهُمْ كَانَ أَشَدَّ فَرَحًا بِالْبَلَاءِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِالْعَطَاءِ"؛ فلماذا فَرحَ الأنبياءُ والصَّالحونَ بالبلاءِ؟؛ لأنَّهم علموا أنَّهم على طريقِ جنَّةِ السَّماءِ.

واسمعْ إلى رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وهو يُخيُّرُ امرأةً بينَ العافيةِ وبينَ الصبرِ على البلاءِ والجنةِ، يقولُ عطاءُ بنُ أبي رباحٍ، قالَ لي ابنُ عباسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-: ألا أُريك امرأةً من أهلِ الجنة؟، قلتُ: بلى، قال: هذه المرأةُ السوداءُ، أتتِ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: إني أُصْرَعُ، وإني أتكشَّفُ، فادعُ اللهَ لي، قالَ: "إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ اللهَ أن يعافيكِ"، قالتْ: أصبرُ، قالتْ: فإني أتكشَّفُ، فادعُ اللهَ أن لا أتكشَّفُ فدعا لها.

وماذا على البائسِ في هذه الدُّنيا إن كانَ من أهلِ الجنَّةِ؟! فإنما هي أيامٌ ثُمَّ سينسى ما كانَ فيه من الشِّدةِ والشَّقاءِ؛ كما جاءَ في الحديثِ: "يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ: لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ! هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟، هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟، فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ"؛ يُقسمُ أمامَ الحيِّ القيومِ، أنَّه ما التقى مع البؤسِ في يومٍ.

هَوِّنْ عَلَيْك فَكُلُّ الْأَمْرِ مُنْقَطِعٌ

وَخَلِّ عَنْك عَنَانَ الْهَمِّ يَنْقَشِعُ

فَكُلُّ هَمٍّ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَرَجٌ

وَكُلُّ أَمْرٍ إذَا مَا ضَاقَ يَتَّسِعُ

إنَّ الْبَلَاءَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِهِ

فَالْمَوْتُ يَقْطَعُهُ أَوْ سَوْفَ يَنْقَطِعُ

بارَكَ الله لي ولكم في الكتابِ والسنةِ، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ والمسلماتِ من جميع الخَطيئاتِ، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّ ربي لغفورٌ رَحيمٌ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ القويِّ العزيزِ؛ فلا قوةَ إلا به -سبحانه-، ولا عِزَّ إلا في دينِه، ولا نصرَ إلا باتِّباعِ شريعتِه، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد:7]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له؛ وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه؛ صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه إلى يومِ الدِّينِ.

أما بعد: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)[البقرة:214]؛ فكيفَ تُريدُ أن تدخلَ الجنَّةَ وما أصابَك زلزالُ الإيمانِ؟!، عندما يُحاطُ بالدِّينِ من كلِّ جانبٍ ومكانٍ، ويُحاربُ الإسلامُ بأيدي العدوِّ الظاهرِ من الكافرينَ، وتُغيِّرُ الأحكامُ بأيدي العدوِّ الباطنِ من المنافقينَ، ويظهرُ الباطلُ على سطحِ الواقعِ، وتنتشرُ المعاصي الانتشارَ الواسعَ، فيظنُّ أهلُ الفسادِ أنَّهم انتصروا انتصاراً مجيداً، ويُبْتَلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَيُزَلْزَلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا، حينَها يعلمُ أهلُ الإيمانِ حقَّاً أنَّهم على طريقِ الجنَّةِ المحفوفِ بالزلازلِ، ويقولونَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا، وينتظرونَ وعدَ اللهِ القائلِ: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الروم:47].

وهكذا لا تجدُ في سُنَّةِ اللهِ أبداً أن النصرَ يُبذلُ من غيرِ تَضحياتٍ وابتلاءاتٍ، بل ولا يستحقُه إلا الذينَ يثبتونَ حتى النِّهاياتِ؛ فيا أيُّها المؤمنُ باللهِ ربِّ العالمينَ: اصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.

إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى اليَأْسِ القُلُوبُ

وضَاقَ لما بهِ الصَّدْرُ الرَّحِيبُ

وَلَمْ تَرَ لانْكِشافِ الضُّرِّ وَجْهًا

ولَا أغْنَى بِحِيلَتِه الأَرِيبُ

أَتَاكَ على قُنُوطٍ مِنْكَ غَوْثٌ

يَمُنُّ بهِ اللَّطِيفُ المسْتَجِيبُ

وكُلُّ الحادِثَاتِ وَإِنْ تَنَاهَتْ

فمَوْصُولٌ بها الفَرَجُ القَرِيبُ

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشِّركَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدينِ، وانصر عبادَك الموحدينَ، اللهم انصر الدِّينَ ومن نصرَ الدينَ، وأذلَّ الكفرةَ والمشركينَ، اللهم انصر أنصارَ الدينِ، وقوي عزائمَهم يا ربَّ العالمينَ، اللهم انصر دينَك وكتابَك وعبادَك الموحدينَ، اللهم أظهر الهدى ودينَ الحقِّ الذي بعثتَ به نبيك محمداً -صلى اللهُ عليه وسلمَ- على الدِّينِ كلِّه يا ربَّ العالمينَ.

اللهم آمنا في أوطانِنا، واستعمل علينا خيارَنا، اللهم أصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعلهم هداةً مهتدينَ؛ يقولون بالحقِّ وبه يَعدلونَ.

اللهم أصلح من في صلاحِه خيرٌ للإسلامِ والمسلمينَ، ودَمِّرْ من في بقائه ضررٌ على الإسلامِ والمسلمينَ يا ربَّ العالمينَ، اللهم من أرادَنا وأرادَ الإسلامَ والمسلمينَ بشَرٍّ فأشغله في نفسِه، واردد كيدَه في نحرِه.

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النَّارِ، اللهمَّ آتِ نفوسَنا تقواها وزكِّها أنتَ خيرُ من زكاها، أنتَ وليُّها ومولاها، وأنتَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ.