البحث

عبارات مقترحة:

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

فضائل الأعمال

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحديث الشريف وعلومه
عناصر الخطبة
  1. قراءة الأحاديث النبوية والعناية بها .
  2. أجمع حديث في فضائل الأعمال حديث أبي مالك الأشعري: "الطهور شطر الإيمان..." .
  3. وقفات مع حديث: "الطهور شطر الإيمان... " .
  4. أحسن كتاب أولف في فضائل الأعمال "كفاية المتعبِّد وتحفة المتزهِّد" للحافظ المنذر .

اقتباس

أيها المؤمنون: هذا حديثٌ عظيمٌ جامع لفضائل الأعمال ولأمهات العبادات الدينية والطاعات المقربات إلى الله، جديرٌ بنا أن نحفظ هذا الحديث، وأن نجاهد أنفسنا على العمل بمضامينه العظيمة. الطهور وصفه نبينا -عليه الصلاة والسلام- بأنه شطر الإيمان، والمراد بالإيمان هنا: الصلاة، والطهور شطرها، أي الوضوء؛ لأنه لا صلاة لمن لا وضوء له، فلا تستقيم الصلاة ولا تصح من العامل إلا إذا...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعدُ: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-؛ فإن تقوى الله نجاة، وتحقيقها فلاح، ولأهلها طيب الدنيا وحُسن المآب، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق: 4]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5].

أيها المؤمنون: إن من أعظم ما ينبغي أن تنهض همة المسلم للعناية به، ولاسيما مع كثرة الشواغل، وتعدُّد الصوارف والملهيات: أن يقرأ في أحاديث فضائل الأعمال الثابتة عن الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن قراءتها والتأمل في مضامينها يحرك النفس وينشِّطها لتنهض عاملةً عابدةً مطيعةً لله -جل وعلا- مقبلةً على الأعمال الصالحات والطاعات الزاكيات؛ فتزداد بذلك درجاته، ويعظم ثوابه عند الله -جل وعلا-، ويكفَّر عنه بذلك ما عليه من خطايا وذنوب.

أيها المؤمنون: إن من أجمع الأحاديث عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- ذكرًا لفضائل الأعمال؛ ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ -أَوْ تَمْلأُ- مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو؛ فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".

أيها المؤمنون: هذا حديثٌ عظيمٌ جامع لفضائل الأعمال ولأمهات العبادات الدينية والطاعات المقربات إلى الله -جل في علاه-، جديرٌ بنا -عباد الله- أن نحفظ هذا الحديث، وأن نجاهد أنفسنا على العمل بمضامينه العظيمة.

الطهور -عباد الله- وصفه نبينا -عليه الصلاة والسلام- بأنه شطر الإيمان، والمراد بالإيمان هنا: الصلاة، والطهور شطرها أي الوضوء؛ لأنه لا صلاة لمن لا وضوء له، فلا تستقيم الصلاة ولا تصح من العامل إلا إذا تطهر، وفي الطهارة للصلاة -عباد الله- أجور عظيمة، وثواب جزيل، وتكفيرٌ للذنوب والخطايا.

والحمد لله -عباد الله- تملأ الميزان؛ حيث إن الأعمال يوم القيامة ينصب لها ميزان توزن به أعمال العباد: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7-8]، وهذا الحمد كما أخبر نبينا -عليه الصلاة والسلام- يملأ الميزان يوم القيامة؛ فجدير بالعبد الناصح لنفسه أن يكثر من حمد مولاه -سبحانه وتعالى- ليرى ذلك يوم القيامة يملأ ميزانه يوم يقف بين يدي ربه -جل في علاه-.

أيها المؤمنون: و "سبحان الله"، و "الحمد لله" هاتان الكلمتان إحداهما تنزيه لله عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله، وتنزيه له عن مماثلة المخلوقات، و "الحمد لله" ثناء على الله بعظيم صفاته، وكمال نعوته، وجزيل مننه وعطاياه.

هاتان الكلمتان "سبحان الله" و "الحمد لله" تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض؛ انظر هذا الأثر العظيم والامتداد للثواب والأجر لهاتين الكلمتين العظيمتين المشتملتين على التنزيه لله والثناء عليه جل في علاه.

والصلاة -عباد الله- نور له يضيء له طريقه، نعم -عباد الله- العبد بدون الصلاة في ظلمة، وبالصلاة في نور وضياء. الصلاة تنير للعبد طريقه فتهديه إلى الطاعات، وتعينه على أنواع العبادات، وتكفُّه عن المعاصي والآثام والخطيئات، يقول الله -جل وعلا-: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[البقرة: 153]، ويقول جل وعلا: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: 45].

ثم هي -عباد الله- نور للعبد في قبره، ويوم حشره، ولقاء ربه، ذُكرت الصلاة عند النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا فقال: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ".

أيها المؤمنون: "والصدقة برهان" أي حجة لصاحبها، ودليل على صحة إيمانه، وعظم ثقته بربه، وحسن توكله عليه جل في علاه، وهي أيضا برهان ساطع على وقايته من الشح وسلامته من البخل: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر: 9].

أيها المؤمنون -عباد الله-: "والصبر ضياء" وهو أنواع ثلاثة: صبرٌ على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبرٌ على أقدار الله المؤلمة.

والعبد المؤمن لا غنى له عن الصبر بأنواعه؛ فالطاعات -عباد الله- لا قدرة للعبد على القيام بها إلا بالصبر، والمعاصي لا قدرة للعبد على الانكفاف عنها إلا بالصبر، وما يصيب المرء من أقدار مؤلمة في هذه الحياة لا يمكن أن يتخطى ذلك إلا بالتحلي بالصبر؛ فالصبر يضيء للمرء طريقه في باب الطاعات، وباب الانكفاف عن المعاصي والخطيئات، وفي باب الأقدار المؤلمات.

أيها المؤمنون: "والقرآن" جعلنا الله أجمعين من أهله "حجة لك أو عليك" حجة لك -أيها العبد المؤمن- إن تلوته حق تلاوته، متفهمًا معانيه، عاملًا بهداياته: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)[الإسراء: 9].

أما من يقرأ القرآن ويعرِض عن العمل بالقرآن فإن القرآن حينئذٍ حجة عليه لا له، وفي الحديث: "إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْقُرْآنِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَمن قرأ القرآن متدبرًا هداياته عاملًا بإرشاداته كان من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، ومن أعرض عن العمل بالقرآن وهداياته كان القرآن حجة عليه.

عباد الله: والناس كلهم في سير وسعي؛ كما قال الله -جل وعلا-: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)[الليل: 4]، يقول عليه الصلاة والسلام في خاتمة هذا الحديث: "كل الناس يغدو" أي كلهم في سعي، وكلهم في عمل، لكنهم على اتجاهات، وعلى وجهات مختلفات؛ سعيهم شتى، وطرائقهم في العمل مختلفة، يقول عليه الصلاة والسلام: "كل الناس يغدو فبائع نفسه" أي بائعها لله -جل في علاه- طاعةً له، وعبادةً وقيامًا بما يرضيه، "ومهلكها أو موبقها" أي ببيعها للهوى والشيطان في اتباعهما، وارتكاب ما يدعوان إليه من المعاصي والذنوب.

نسأل الله -جل في علاه- أن يعيننا أجمعين على العمل بطاعته وما يرضيه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد -عباد الله-: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. وتقوى الله: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

أيها المؤمنون: في باب فضائل الأعمال كتب أهل العلم كتابات عديدة ومؤلفات كثيرة، لكن أحسن هذه المؤلفات في نظري -والله تعالى أعلم- كتاب "كفاية المتعبِّد وتحفة المتزهِّد" للحافظ المنذري -رحمه الله-، جمع فيه تسعين حديثًا كلها صحاح ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أرى أن هذا الكتاب القيم النافع جديرٌ بأن نعتني به في بيوتنا وفي مساجدنا وفي مدارسنا؛ لما حواه من خير عظيم وجمعٍ نافع مفيد لأحاديث الفضائل الثابتة عن الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، مع إجادةٍ وإحسان في التبويب والترتيب.

نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا أجمعين لكل خير، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ الصديق، وعمرَ الفاروق، وعثمانَ ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعِينا وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال. اللهم وفِّقه وولي عهده وسدِّدهما يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقَّه وجلَّه، أوله وآخره، علانيته وسره.

اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر.

اللهم يا رب العالمين نسألك سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.