القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - المعاملات |
أيها المؤمنون: الفتنة في المال تكون من جهات ثلاث؛ من جهة اكتسابه وتحصيله، ومن جهة تموُّله وشغْل النفس به، ومن جهة بذله ووجوه صرفه. أما من جهة اكتساب المال فإن العبد مبتلىً في ذلك، ومن الناس من يتحرى في اكتساب المال وتحصيله الأمانة والصدق والوفاء والحل والبعد عن الحرام والبعد عن الظلم وأنواع الآثام ويُجمل في الطلب ويعلم أنه ليس له من المال إلا ما كتب الله له. ومنهم من لا يبالي في اكتساب المال وتحصيله، ولا يبالي في حِله وحرامه، وحلال المال عنده ما حل في يده؛ ولهذا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريم الرزاق الولي الحميد، يحكم تبارك وتعالى ما يشاء ويفعل ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نديد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه خير العبيد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
أيها المؤمنون: لقد خوّل الله -جل وعلا- بني آدم في هذه الحياة من المال ما تقوم به مصالحهم وتتحقق به منافعهم، وليس لابن آدم في دنياه من المال إلا ما كتب الله -جل وعلا- له، وجعل سبحانه هذا المال فتنة للناس ليتميز المحسن من المسيء، والصادق من الكاذب، والخائن من الأمين، والله -جل وعلا- يقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[الأنفال: 28]، ويقول جل وعلا: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ)[الأنعام: 165]، فالله -عز وجل- أوجد هذا المال وخلقه ابتلاءً وامتحاناً وفتنة.
أيها المؤمنون: والفتنة في المال تكون من جهات ثلاث؛ من جهة اكتسابه وتحصيله، ومن جهة تموُّله وشغْل النفس به، ومن جهة بذله ووجوه صرفه.
أيها المؤمنون: أما من جهة اكتساب المال فإن العبد مبتلىً في ذلك، ومن الناس -عباد الله- من يتحرى في اكتساب المال وتحصيله الأمانة والصدق والوفاء والحل والبعد عن الحرام والبعد عن الظلم وأنواع الآثام ويُجمل في الطلب ويعلم أنه ليس له من المال إلا ما كتب الله له.
ومنهم -عباد الله- من لا يبالي في اكتساب المال وتحصيله، ولا يبالي في حِله وحرامه، وحلال المال عنده ما حل في يده؛ ولهذا لا يبالي في وجوه تحصيل المال أمِن حل أو حرام، أبغشٍ أو خيانةٍ أو كذبٍ، أو غير ذلك، لا يبالي بشيء من ذلك؛ لأن المال أصبح أكبر همه ومبلغ علمه وغاية مناه.
أيها المؤمنون: يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ".
أيها المؤمنون: هكذا يجب أن يكون المؤمن في طلبه للمال؛ يُجمل في الطلب بمعنى أن يتأنى، ولا يكون هلوعاً مسارعاً جشِعاً في طلبه للمال، مستكثراً من المال بغير مبالاة، فيقع في أمواله أموال محرمة هي سحت عليه وضرر عليه في دنياه وأخراه، بينما إذا أجمل في الطلب فإنه يتحرى ويتوقى لماله ولا يأخذ من المال إلا ما حل له وإن قل ماله، فإن العبد ليس له من ماله إلا ما كُتب له.
أيها المؤمنون: وأما من جهة تموّل المال فإن المال في هذا أيضا فتنة، فمن الناس -عباد الله- من يكون المال شغله الشاغل وغاية مناه؛ يقوم لأجل المال ويقعد لأجل المال، ويتحرك لأجل المال وأحلامه في منامه كلها في المال، فللمال يقوم وله يقعد ولأجله يتحرك والمال هو أكبر همه ومبلغ علمه، شغَله ماله عن دينه وعما خلقه الله لأجله، وشغله عن عبادته وصلاته وذكره لربه ومولاه.
ومن الناس -عباد الله- من جعل المال وسيلة، وجعل المال في يده ولم يجعله في قلبه، وأخذ المال من حله وصرفه في حله ولم يكن المال أكبر همه ولا مبلغ علمه.
وفي الحديث -أيها المؤمنون- يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ".
أيها المؤمنون: أما فتنة المال من جهة وجوه صرفه وبذله وإنفاقه فإن من الناس -عباد الله- من لا يبالي في صرف الأموال في وجوه الحرام، وصنوف الباطل، والملذات المحرمة، ينفق في إسراف وبذخ ورياء وسمعة وكأنه لن يُسأل عن هذا المال، ولن يقف بين يدي الله -جل وعلا-، ويسأله عما أنفق، فهو مبذِّرٌ يبذخ في صرف الأموال في وجوه الحرام، وصنوف الباطل.
ومن الناس -عباد الله- من هو شحيح بخيل يُقتِّر على نفسه ويُقتِّر على من تجب عليه النفقة تجاههم، فيكون بخيلاً مقترا.
ومن الناس -عباد الله- من يبذل المال بسخاوة نفسٍ وطيب قلب في الوجوه المباحات وأصناف الأمور المباحات؛ فينفق على نفسه وينفق على أهله وولده ويبذل في أنواع الخير ووجوه البر، وهذا خير عباد الله، وهو من عباد الرحمن الذين قال الله عنهم: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان: 67].
أيها المؤمنون: إن صاحب المال -قلّ ماله أو كثر- لن يبقى لماله ولن يبقى له ماله، وكما أنه خرج إلى هذه الدنيا بلا مال فإنه كذلكم سيخرج منها بلا مال، وليس للعبد من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأبقى، وما سوى ذلكم من ماله فهو ليس له وإنما هو للورثة، فللورثة غُنْم ماله، وعلى مورِّثهم غُرمه.
ألا فلنتق الله -عباد الله- في أموالنا؛ في طرق كسبها، وفي سبل تمولها، وفي وجوه بذلها، ولنعلم أن الله -جل وعلا- سائلنا عن ذلك، ولن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.
اللهم وفقنا لهداك وأعنا على طاعتك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
أقولُ هذا القول، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنب فاستغفروهُ يغفِر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-.
عباد الله: ثمة مقدمتان عظيمتان في اكتساب المال لابد من مراعاتهما: الأولى -عباد الله-: أن يتوكل العبد في اكتسابه للمال على الله -جل وعلا-، وأن تكون ثقته بكفاية الله له عظيمة، وأن لا يكون في اكتسابه على ثقةٍ بنفسه وحرفته وحِذْقه؛ وإنما تكون الثقة بالله -جلا وعلا-، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: "لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا"، والله -جل وعلا- يقول: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[العنكبوت: 17].
والمقدمة الثانية -عباد الله-: أن الواجب على العبد في أخذه للمال قل المال أو كثر أن يأخذه بسخاوة نفسٍ لا أن يأخذه بإشراف نفسٍ وهلع؛ بل تكون نفسه قنوعةً بما كتب الله -تبارك وتعالى- له من مال، فمن كان كذلكم -عباد الله- بارك الله له -جل وعلا- فيما أعطاه.
اللهم بارك لنا أجمعين فيما رزقتنا يا كريم.
اللهم بارك لنا أجمعين فيما رزقتنا يا كريم.
اللهم بارك لنا أجمعين فيما رزقتنا يا كريم.
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعِنه على طاعتك، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك. اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم يا حي يا قيوم. اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم يا حي يا قيوم. اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم يا حي يا قيوم، اللهم، وجنبهم شرارهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، إليك أوّاهين منيبين، لك مخبتين، لك مطيعين، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبِّت حجتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد. اللهم إنا نسألك قلوباً سليمة، وألسنةً صادقة. اللهم إنا نسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك. اللهم إنا نسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك مما تعلم إنك أنت علام الغيوب.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دِقه وجِله، أوله وآخره، سره وعلنه. اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدِّم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين واكتب الصحة والعافية والسلامة لعموم المسلمين.
اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا من وسعت كل شيء رحمة وعلما أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم إنا خلق من خلقك وعباد من عبادك اللهم فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك. اللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين. اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثا، هنيئاً مريئا، سَحًا طبقا، عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر. اللهم إنا نسألك سقيا رحمة، اللهم إنا نسألك سقيا رحمة، اللهم إنا نسألك سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلّى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.