الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | محمد ابراهيم السبر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أركان الإيمان |
ومن ذلك: عناية الأسرة بالسيرة النّبويّة الشريفة؛ وذلك من خلال قراءتها، وأخذ العبرة والفائدة من مواقفها، والسعي لربط البيت المسلم بها, قال علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: "كنا نعلَّمُ مغازي النبي وسراياه كما نعلَّمُ السورةَ من القرآن...
الْخُطبَةُ الْأُولَى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله رحمة للعالمين، وهداية للناس أجمعين، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، السراجُ المنير، والهادي البشير، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
معاشر المؤمنين والمؤمنات: يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الفتح: 8، 9]؛ يقول ابن تيمية -رحمه الله- وهو يبين تكريم الله -تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم: "ومن ذلك: أنَّ الله أمر بتعزيره وتوقيره فقال: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)، والتعزير: اسم جامع لنصرته وتأييده, ومنعه من كل ما يؤذيه، والتَّوقير: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يُعامل من التَّشريف والتَّكريم والتَّعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار".
وقد علَّق الله -تعالى- الفلاح بنصرة نبيه ورسوله؛ فقال -تعالى-: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف: 157]؛ يقول ابن عباس -رضي الله عنه-: "(وَعَزَّرُوهُ)؛ حموه ووقَّروه", ويقول مجاهد: "(وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) عزروه: سدَّدوا أمره، وأعانوا رسوله", ويقول الطبري: "وقوله: (نَصَرُوهُ) أعانوه على أعداء الله وأعدائه، بجهادهم ونصب الحرب لهم، (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) يعني القرآن والإسلام، (أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) يقول: الذين يفعلون هذه الأفعال التي وصف بها -جل ثناؤه- أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- هم المنجحون المدركون, ما طلبوا ورجوا بفعلهم ذلك". أهـ.
والله -سبحانه وتعالى- جعل نصرتَه -صلى الله عليه وسلم- من علامات صدق الإيمان، قال -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحشر: 8].
عباد الله: وسائل نصرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- متعددة على جميع المستويات، بداية من الفرد المسلم ومرورا بالأسرة, ووصولا إلى المجتمع بأسره، فهناك العديد من الأمور التي توضّح دور الأسرة في نصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، منها ما يأتي:
غرس محبّته في نفوس الأبناء, وحثّهم على الاقتداء به والعمل بسنته؛ فنصرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- واجبة على المسلمين بالمفهوم العام للنصرة، فالنصرة إحدى مقتضيات اتِّباعه وحبِّه, وتقديمه على النَّفس والمال والولد، وعلى كل أحد، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "يا رسول الله! لأنت أحب إليَّ من كل شيءٍ إلا من نفسي"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك", فقال له عمر: "فإنَّه الآن -والله- لأنت أحبَّ إليَّ من نفسي"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "الآن يا عمر".
ومن مقتضيات محبته: نصرتُه -عليه الصلاة والسلام-، وهو ما كان الصحابة -رضي الله عنهم- يترجمونه بأفعالهم وأقوالهم في حياته وبعد مماته.
ومن ذلك: تربية النشء المسلم على التوحيد والعقيدة الصحيحة؛ كما قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان: 13], وقال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوما، فقال: "يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام, وجفت الصحف"(رواه الترمذي وأحمد).
ومن ذلك: عناية الأسرة بالسيرة النّبويّة الشريفة؛ وذلك من خلال قراءتها، وأخذ العبرة والفائدة من مواقفها، والسعي لربط البيت المسلم بها, قال علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: "كنا نعلَّمُ مغازي النبي وسراياه كما نعلَّمُ السورةَ من القرآن"(الفتح)؛ والمراد بالمغازي: ما وقع من قصد النبي -صلى الله عليه وسلم- الكفارَ بنفسه, أو بجيشٍ من قبله.
تعريف الأبناء بشمائل النبي -صلى الله عليه وسلم- الكريمة وأخلاقه النبيلة، ويمكن أن يستفيد المربي والوالدان من كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم, ومختصره للشيخ محمد بن عبد الوهاب, والفصول في سيرة الرسول لابن كثير، والرحيق المختوم للمباركفوري.
حثهم على حفظ الأذكار الشرعية والأوراد النبويّة؛ فهي حصن وحزر لحفظ الأبناء من الشرور والشياطين.
وحثهم على كتاب الله قراءة وتدبرا وحفظا, وبذل الجهد في بثّ روح الحماسة لدى الأبناء؛ لحفظ القرآن الكريم ومراجعته, قال -عليه الصلاة والسلام-: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
حثهم على حفظ أحاديث رسول الله مثل: الأربعين النووية وشرحها لابن رجب، وكتاب عمدة الأحكام وبلوغ المرام, وكلها في أحاديث الأحكام, ومكافأتهم وتشجيعهم على ذلك, قال ابراهيم بن أدهم: "قال لي أبي: يا بني! اطلبِ الحديث، فكلما سمعت حديثاً وحفظته فلك درهم؛ فطلبت الحديث على هذا".
وفي سير العلماء والصالحين عبرة, في صحيح البخاري في باب تعليم الصبيان القرآن عَنْ سعيد بن جبير, قَالَ: "إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ المُفَصَّلَ هُوَ المُحْكَمُ", قَالَ: وَقَالَ ابن عباس: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَدْ قَرَأْتُ المُحْكَمَ"، يقول الشافعي -رحمه الله-: "حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر".
تعويد الأبناء عل استخدام الأمثال والحِكَم النبويّة في الحديث؛ كقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً", "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، "يسروا ولا تعسروا".
تعليم الصغير آداب الأكل والشراب وغيرها من الآداب الشرعية؛ فعن عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنهما- قال: "كنت غلامًا في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا غلام! سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك", فما زالت تلك طُعمتي بعد"(متفق عليه)؛ ففي هذا الحديث الشريف مشروعية تربية الصغار على الآداب الشرعية، وأن الصغير يتأثر بذلك، وينطبع هذا في ذهنه، وأنه يسهُلُ عليه تعويد نفسه على الخير إذا عُوِّد عليه من الصغر، فهذا راوي الحديث عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنهما- يقول بعد أن علَّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الأدب: "فما زالت تلك طُعْمتي بعد".
ومن الوسائل العملية: حثّ الأبناء على كفالة اليتيم, ومساعدة الفقير والمسكين؛ عملاً بالأحاديث التي تحثّ على ذلك, واقتداءً برسول الله.
حسن العشرة بين الزوجين, وبر الوالدين, والمعاملة الحسنة مع أهل البيت, وحسن الجوار؛ اقتداء في ذلك برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الحرص على عمران البيوت بالطاعات والذكر والصلوات, وتنقيتها من المنكرات والمخالفات كالمعازف والأغاني, وشرب الشيشة والدخان, وهي أمام الأبناء أشنع.
حسن معاملة الخدم والعمال والأجراء, والرفق بهم واعانتهم؛ اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
تربية البنات على الحياء والعفاف والتزام الحجاب, والستر والجلباب, ومجانبة التبرج والسفور؛ فهذا يحفظ للمرأة والفتاة قدرها وكرامتها الذي شرعه الله لها وسنه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتعميق ذلك بالاقتداء بزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين, والصحابيات في عبادتهن وأخلاقهن.
الاستفادة من البرامج والوسائط الحديثة المرئية والمسموعة, المتضمنة أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنته, بما يناسب الأطفال والفتيان والفتيات, بشرط معرفة مصدرها وسلامتها, وخلوها من المحاذير الشرعية.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة, أقول قولي هذا واستغفر الله فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى, وسمع الله لمن دعا، وبعد:
فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، وعلموا أولادكم محبة رسول الله والاهتداء بهديه, وكثرة الصلاة والسلام عليه؛ ففيها الأجور الوفيرة، قال -بأبي هو وأمي, صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي صلاة؛ صلى الله عليه بها عشرا"(رواه مسلم).
اللهم أحينا على سنته, وأمتنا على ملته, واحشرنا في زمرته وتحت لوائه, مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي, وسائر الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-.