الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات |
من فوائدِ الشِّتَاءِ أنَّهُ يُذكِّركَ بِحجمِ النِّعمةِ التي مَنَّ الله علينا بها, من لِباسٍ كَافٍ, ومَسكَنٍ آمِنٍ ودَافِئٍ, فَفِي بُيُوتِنا بِحَمْدِ اللهِ -تَعالى- كُلَّ ما يَقِي من شِدَّة البَردِ، فلْنُحِبَّ لإخوانِنا ما نُحبُّه لأنفُسِنا، فَإخوانٌ لنا جائِعُونَ ومن البردِ يَشتَكونَ، وإلى المولى يَجأرونَ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ، وَأَشْهَدُ ألَّا إله إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله وَرَسُولُهُ، صلَّى اللهُ وَبَاركَ عَليهِ وَعلَى آلِه وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابعينَ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحْسَانٍ وإيمانٍ وسلَّم تَسْلِيماً مَزِيدًا.
أَمَّا بعدُ: فَأَوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، وَالتَّفَكُّرِ فِي تَقَلُّبِ الأَجْوَاءِ, فالتَّفَكُّرُ يزيدُ الإيمانَ، ويجعلُكَ مُذعِنَاً للواحدِ الدَّيَّانِ.
عَبَادَ اللهِ: في تَقلُّباتِ الأَجْوَاءِ عِبَرٌ، وَفِي شِدَّةِ البَردِ مُدَّكرٌ. يقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلا-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار)[آل عمران: 190- 191].
فَسُبحانَ من خَصَّ كُلَّ مَوسِمٍ بِما يُنَاسِبُه, من الزُّروعِ والثِّمارِ ونوَّعَها لِنَتَفَكَّرَ في بَدِيعِ صُنعِ ربِّنا -جَلَّ وَعَلا-، فشِدَّةُ البَرْدِ مِن زَمْهَرِيرِ النَّار؛ ففي الصَّحيحِ عن أبي هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِير".
عبادَ اللهِ: وفي الشِّتَاءِ فَوَائِدُ وَأَحْكَامُ، فَفِي حَدِيثٍ رَواهُ الإمَامُ أحْمَدُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ قَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَ وَطَالَ لَيْلُهُ فَقَامَ". وكانَ ابنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: "مَرْحباً بالشِّتَاء تَنْزِلُ فيه البَرَكَةُ, وَيَطُولُ فيه الَّليلُ لِلقِيامِ وَيَقْصُر فيهِ النَّهارُ للصَّيامِ".
اللهُ أكبَرُ يا كِرامُ: هذهِ نَظْرَةُ رَسُولِنَا وَسَلَفِنا لِلشِّتاءِ، وَحَالُ بَعْضِنَا أَضْحَى الشِّتَاءُ سِمَةً لِلنَّومِ والتَّخلُّفِ عن صلاةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، وَنَسُوا أنَّ رَسُولَنا اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-كَمَا فِي الصَّحِيحَينِ قَالَ: "إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا". ألَمْ يَعْلَمُوا كَذَلِكَ أنَّ: "مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ"(رَوَاهُ الإمَامُ مُسْلِمٌ)، فَأَبْشِرُوا يا من تُجاهدونَ أنفُسَكُم لِلقيامِ وتَمشونَ في الظُّلَمِ والبَردِ للصَّلواتِ فَلَكمُ النُّورُ التَّامُ يومَ القيامَةِ.
أيُّها المُؤمِنُونَ: وَمِنْ غَنَائِمِ الشِّتَاءِ أنَّهُ فُرصةٌ للإكثارِ من الصِّيامِ؛ فَقَد سَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الغَنِيمةُ البَارِدَةُ". وَقَالَ: "وَمَنْ صَامَ يَومَاً فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"(رَواهُ البُخَارِيُّ).
وَمِنْ أَحْكَامِ الشِّتَاءِ أَنْ نَتَذَكَّرَ فَضِيلَةَ وَأَهمِّيَةَ إسبَاغِ الوُضُوءِ خَاصَّةً مَعَ كَثْرَةِ المَلابسِ عَلى اليَدَينِ وَالذِّرَاعَينِ, وَأَنْ نُخْرِجَ كَامِلِ فُرُوضِ الوُضُوءِ وَنَغْسِلَها كَمَا أَمَرَنَا نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم- فَقَد رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّؤونَ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ فَقَالَ: "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
الخطبةُ الثَّانيةُ:
الحَمْدُ للهِ وَعَدَ الْمُنفقينَ مَغفرَةً وفَضَلاً، أَشهد ألَّا إله إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وَأَشهدُ أنَّ نبيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أكملُ الخلقِ جُوداً وبِرّاً, الَّلهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَبَارِكْ عَليهِ، وَعلى آلِه وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ.
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ: (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُون)[البقرة: 272]. شَدَّةُ البَرْدِ تُذَكِّرُكَ بِإخْوانٍ لَكَ في الإسْلامِ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ والضَّرَّاءُ، فَهُمْ بِأشَدِّ مَا يَكُونُونَ إليكَ فَأنْفِقْ يَا عَبْدَاللهِ يُنْفِقِ اللهُ عَليكَ وَيَخْلِفُ لَكَ خَيْراً مِمَّا أنْفَقْتَ: "فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
عبادَ اللهِ: وَمِنْ حِكَمِ الشِّتَاءِ أَنْ نَتَذَكَّر يُسرَ الشَّريعةِ بِالمَسْحِ عَلى الخُفينِ، وأَنْ نَعْمَلَ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا -صلى الله عليه وسلم-, فعَنْ عُرْوَةَ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ -رضي اللهُ عنهما- قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ, فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا"(رَواهُ البُخَارِيُّ).
قَالَ الشَّيخُ ابنُ العُثَيمِينَ -رَحْمَةُ اللهِ عَليهِ-: وَالْمَسْحُ على الخُفَينِ إذا كانَ الإنْسَانُ قَد لَبِسَهُمَا على طَهَارَةٍ أَفْضَلُ مِن خَلْعِهِمَا وَغَسْلِ الرِّجْلِ؛ أَخْذاً مِن هذا الحَدِيثِ.
قَالَ العُلَمَاءُ: وَمِنْ أَحْكَامِ المَسْحِ على الخُفينِ, أنْ يَتِمَّ لُبسُهمَا على طَهَارَةٍ. وألَّا يكونَا نَجِسَيْنِ, وَأَنْ يَكونَ المَسحُ في الحَدَثِ الأَصْغَرِ، أمَّا الحَدثُ الأكبرُ فَيَجِبُ نَزْعُهُما وَغَسْلُهُما. وَأَنْ يكونَ المَسحُ في الوقتِ المُحَدَّدِ شَرْعاً وهو يومٌ وليلةٌ للمُقِيمِ وثلاثَةُ أيَّامٍ بليالِيهِنَّ للمُسافِرِ.
ولا عِبْرَةَ بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ، بَلْ العِبْرَةُ بِالزَّمَنِ، وَهُوَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً لِلمُقِيمِ، وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَاعَةً لِلمُسَافِرِ. لَكِنْ مَتى تَبتَدِئُ هَذهِ المُدَّةُ؟ الجَوابُ: تَبْتَدِئُ مِن أَوَّلِ مَرَّةِ مَسَحَ فِيها، وَلَيسَ مِنْ لُبْسِ الخُفِّ وَلا مِن الحَدَثِ بَعْدَ الُّلبْسِ؛ بَلْ مِن أَوَّلِ مَرَّةِ مَسَحَ فِيها.
وصفةُ المسحِ أنْ يَبُلَّ أصَابِعَ يَديهِ بالمَاءِ وَيَضَعُهُما مُفَرَّجَتَي الأصَابِعِ على مُقَدِّمَةِ رِجلَيهِ ثُمَّ يُمرِّهُمَا إلى بِدايَةِ سَاقَيهِ، اليُمنى على اليمنى، واليُسرى على اليُسرى، وإنْ صلَّى بِمسحٍ زَائِدٍ على المُدَّةِ أعادَ صَلاتَهُ بِوضُوءِ جَديدِ يَغسلُ فيه القَدَمَينِ. وَعَلينَا أَنْ نَهتَمَّ بِنَظافَةِ الجَورَبَينِ حتى لا يكونَا مصدراً لِلرَّوائِحِ الكريهةِ وأذى المُصلِّينَ.
أيُّها المؤمنُ: من فوائدِ الشِّتَاءِ أنَّهُ يُذكِّركَ بِحجمِ النِّعمةِ التي مَنَّ الله علينا بها, من لِباسٍ كَافٍ, ومَسكَنٍ آمِنٍ ودَافِئٍ, فَفِي بُيُوتِنا بِحَمْدِ اللهِ -تَعالى- كُلَّ ما يَقِي من شِدَّة البَردِ، فلْنُحِبَّ لإخوانِنا ما نُحبُّه لأنفُسِنا، فَإخوانٌ لنا جائِعُونَ ومن البردِ يَشتَكونَ، وإلى المولى يَجأرونَ، والأموالُ عِنْدَنَا مُتَيَسِّرَةٌ, والثِّيابُ مُكَدَّسةٌ, فَأنفِقُوا على إخوانِكم واكسُوهُم وواسُوهُم وأَدفِئُوهم: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39]. وَصَدَقَ المَولى: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[النحل:34]. وَقَدْ سَخَّرَ اللهُ لَنا جَمْعِيَّاتٍ خَيْرِيَّةٍ تَجْمَعُ الفَائِضَ مِن الِّلبَاسِ وَتَنْفِقُهُ على المُحْتَاجِينَ فجَزَاهُمُ اللهُ خَيراً.
أَيُّهَا الكِرَامُ: لَقدْ حَرصَتْ حُكُومَتُنَا على تَأمينِ الَّلقَاحِ ضِدَّ كُورُونَا, وَأكَّدُوا عَلى أَمَانِهِ بِإذْنِ اللهِ -تَعَالى-, بَل وَبَادَروا بِأخْذِ التَّطْعِيمَاتِ, فَلا تَلْتَفِتُوا لِكُلِّ مُتَحَدِّثٍ إنَّمَا ثِقُوا بِوَزَارَةِ الصِّحَّةِ, والهَيئَةِ العَامَّةِ لِلغِذَاءِ والدَّواء. نَسْألُ اللهَ أَنْ يَكْشِفَ الغُمَّةَ عَنَّا وَعنِ المُسْلِمِينَ,
الَّلهُمَّ وفِّقنا جَميعاً لِما تُحبُّ وترضى, وزيِّنا بزينة الإيمان والتقوى, واجعلنا هداة مهتدين, واغفرْ لنا ولوالدينا والمُسلمينَ أجمعينَ. اللهم وفِّق ولاةَ أمورنا لما تحبُّ وترضى وأصلح لهم البِطانةَ وأعنهم على أداء الأمانةِ.
اللهم وفِّق وسدِّد الآمرينَ بالمعروف والناهينَ عن المنكر وقوِّى عزائِمَهم وأهدهم سبل السلام. اللهم أصلح شبابَ المسلمين واحفظهم من كلِّ سوءٍ ومكروهٍ. اللهم احفظ نسائنا من كلِّ سوءٍ وارزقهنَّ الحشمة والحياءِ.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:10].
عباد الله: اذكروا الله العظيمَ يذكركم، واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.