الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
العربية
المؤلف | سالم بن محمد الغيلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
فأدرك عدو الله أن خروجه من الجنة كان لعدم سجوده لآدم، فخطَّط للانتقام, ودبَّر للوقيعة، وعزَم على الإغواء لآدم وذريته إلى يوم القيامة.. وهنا بدأ الصراع, وأُشعِلت الفتنة، ودارت رحى الحرب, وبدأ بأبي البشر آدم -عليه السلام-، فوسوس له...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة الأحزاب:70]
أما بعد عباد الله: عندما شاء الله أن يجعل في الأرض خليفة ليعمرها وليعبده وحده قال للملائكة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً..)[سورة البقرة: 30], وعندما لم تدرك الملائكة حكمة الله من ذلك قالوا: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)[سورة البقرة: 30], فردَّ عليهم -سبحانه وتعالى-: (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[سورة البقرة: 30].
فخلق آدم -عليه السلام- وتكريمًا له أمر الملائكة بالسجود له, (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)[سورة البقرة: 34], ويسجد الملائكة كلهم إلا إبليس أبى السجود لآدم، وكره الإنسان وحقد عليه من تلك اللحظة, وإبليس وجنوده حقيقة وخلق من خلق الله, وهم مراتب وقبائل وعوائل, ويروننا من حيث لا نراهم, قال الله له: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ...)[سورة الأعراف: 12]، قال: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)[سورة الأعراف: 12].
(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ, قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ)[سورة الحجر: 32-33], وعند ذلك الإصرار على معصية الجبار حُقّ الصغار, وحُقّ عليه الطرد, وحقّت عليه اللعنة وأهبطه الله من الجنة (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)[سورة الأعراف: 13], (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)[سورة الحجر: 34,35].
فأدرك عدو الله أن خروجه من الجنة كان لعدم سجوده لآدم، فخطَّط للانتقام, ودبَّر للوقيعة، وعزَم على الإغواء لآدم وذريته إلى يوم القيامة (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[سورة الحجر: 36], (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[سورة الأعراف:14], ولحكمة يعلمها الله قال: (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)[سورة الحجر: 37-38]، (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[سورة الأعراف: 16-17], فقال الله له: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ)[سورة الأعراف: 18].
وهنا بدأ الصراع, وأُشعِلت الفتنة، ودارت رحى الحرب, وبدأ بأبي البشر آدم -عليه السلام-، فوسوس له، وأقسم له بالله أنه له لمن الناصحين, فأطاعه فأهبط من الجنة, ولكن الله من عليه بالاستغفار والتوبة والندم فاجتباه وتاب عليه, تعرَّض للأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- وكل منهم يفطن إلى كيده ومكره.
ومثال على ذلك ما رواه مسلم عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قَامَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَسَمِعْنَاهُ يقولُ: "أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ"، ثُمَّ قالَ: "ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ" ثَلَاثًا، وبَسَطَ يَدَهُ كَأنَّهُ يَتَنَاوَلُ شيئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، قدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ في الصَّلَاةِ شيئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذلكَ، ورَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ؟، قالَ: "إنَّ عَدُوَّ اللهِ إبْلِيسَ، جَاءَ بشِهَابٍ مِن نَارٍ لِيَجْعَلَهُ في وجْهِي، فَقُلتُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلتُ: ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ التَّامَّةِ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أرَدْتُ أخْذَهُ، واللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أخِينَا سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ به وِلْدَانُ أهْلِ المَدِينَةِ".
وعن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كان يصلِّي فأتاه الشيطانُ فأخذه فصرعَه فخنقَه قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "حتى وجدتُ بردَ لسانِه على يدِي ولولا دعوةُ سليمانَ لأصبحَ مُوثقًا حتى يراه الناسُ"(صحيح على شرط البخاري).
وفرّق أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة, ولا يُولَد مولود من بني آدم إلا وينخسه الشيطان, قال -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطانُ في جَنْبَيْهِ بإصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غيرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ في الحِجابِ"(صحيح البخاري), وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِن بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِن مَسِّ الشَّيْطَانِ، غيرَ مَرْيَمَ وابْنِهَا"، ثُمَّ قرأ أَبُو هُرَيْرَةَ: (وَإنِّي أُعِيذُهَا بكَ وذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[آل عمران: 36](صحيح البخاري).
هذا هو العدو الذي حذَّرنا الله منه في كتابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ...)[سورة النور: 21], يأتي إلى الجاهل بالدِّين الذي لا يعرف الخير من الشر ولا السُّنة من البدعة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)[سورة الكهف: 103-104].
ومن مداخله يأتي إلى الغضبان فيتحكم في عقله وعصبه وسمعه وبصره, ومنن ذلك أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أوْصِنِي، قالَ: "لا تَغْضَبْ" فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: "لا تَغْضَبْ"(صحيح البخاري), وإذا غضب المسلم فعلاجه كما قال -صلى الله عليه وسلم- أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يتوضأ, قال سليمان بن صرد -رضي الله عنه-: كنتُ جالسًا معَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ورجلانِ يَستَبَّانِ، فأحدُهما احمَرَّ وجهُه وانتفخَتْ أوداجُه، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأَعلَمُ كلمةً لو قالها ذهَب عنه ما يَجِدُ، لو قال: أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ، ذهَب عنه ما يَجِدُ"(رواه البخاري).
وأن يجلس إن كان واقفًا "إذا غضبَ أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلسْ، فإن ذهبَ عنه الغضبُ وإلاَّ فلْيَضْطَجِعْ"(صحيح أبي داود للألباني).
ويأتي إلى محب الدنيا، ومن نَشِبَ حبّ الدنيا في قلبه حتى يوالي من أجلها ويعادي, ويحب ويبغض قال عدو الله: (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)[سورة الحجر: 39], قال -صلى الله عليه وسلم-: "تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ"(صحيح البخاري).
يأتي إلى البخيل يَعِد ويخوّف من الفقر حتى لا ينفق الإنسان ويبسط يده في سبيل الله على أهله وذي الحاجة قال الله عنه: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[سورة البقرة: 268], قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(صحيح البخاري).
يأتي إلى المتكبر والمتكبر لا يقبل الحق ولا يقبل النصح ويتمادى في غيه, ويتيه في ضلالته حتى يفجأه الموت وهو على المعصية قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لو أقْسَمَ علَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، ألا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ، جَوّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ"(صحيح البخاري), وقال الله قبل ذلك: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)[سورة غافر: 35].
يأتي إلى مُحِبّ المدح ومَن أحبَّ المدح على عبادته فقد دخل عليه الشيطان, وأفسد عليه عمله وأحبط عليه سعيه, فلنحذر من حب المدح ولنحذر المداحين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا رَأَيْتُمُ المَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا في وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ"(صحيح مسلم), وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والتمادُحَ؛ فإِنَّه الذَّبْحُ"(صحيح الجامع للألباني).
يأتي إلى المرائي ويجعله يعمل من أجل نظر الناس قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ"(صحيح مسلم), وأول مَن تسعّر بهم النار منفق وقاري للقرآن ومجاهد كما في الحديث في صحيح الترمذي للألباني، ولكن أعمالهم من أجل أن يُقال: فقد قيل.
ويأتي إلى صاحب العُجْب؛ فيُعْجِب الإنسان بصحته وبماله وبصورته وبعبادته فيكن من الجاهلين, قال مسروق -رحمه الله-: "كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلاً أن يُعجب بعلمه"(جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1/143), عجب ليرى أنه أفضل من غيره.
ويأتي إلى صاحب الجزع والهلع؛ فعند المصيبة يأخذه الأسف, وشدة الحسرة, فلا يرى من مصابه خلفاً ولا يجد لمفقوده بدلاً، ويهيم مع الشيطان في بحار الأوهام ويترك الصبر والرضى بما قدر الله عليه.
إذا ابتُليتَ فثِقْ باللهِ وارضَ به
إذا قضى اللهُ فاستَسلِم لقُدرته
اليأسُ يَقطع أحيانًا بصاحبِه
يأتي إلى أهل الباطل وأهل المعصية فيزيّنها ويهوّنها ويلمعها حتى يعتادها القلب ويتلذذ بها وربما دافع عنها ودعا إليها.
اللهم أعذنا من الشيطان الرجيم ومن مكره وغوايته وتزيينه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى، أشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
عباد الله: الشيطان يأتي إلى أتْبَاع الهوى، والهوى يصد عن الخير ويضادّ العقل، ويؤدّي بصاحبه إلى أقبح الأخلاق وأسوأ الأفعال فأصحاب المزاجات ضُلَّال, وأصحاب الأهواء عُبَّاد شهوة, قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ...)[سورة القصص: 50], وقال -تعالى-: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)[سورة ص: 26], وقال: (..وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ..)[سورة الأعراف: 176]، وقال -تعالى-: (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[سورة الكهف: 28].
وقال بعض العلماء: "ركَّب الله الملائكة من عقل بلا شهوة، وركَّب البهائم من شهوة بلا عقل، وركب ابن آدم من كليهما, فمن غلّب عقله على شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته على عقله فهو شرّ من البهائم".
يأتي الشيطان إلى من يسيء الظن وسوء الظن بين الناس يفكك المجتمع ويفسد العلاقات ويقطع أواصر المحبة، وفي هذا الجو المظلم يستطيع الشيطان أن يعمل ما شاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا"(صحيح البخاري).
الشيطان يجعل المسلم يحتقر المسلم، وذلك من أعظم الذنوب عند الله -تعالى-، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هاهُنا ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ"(أخرجه البخاري ومسلم).
ويجعل المسلم يحتقر الذنوب فيوسوس الشيطان بأن هذا ذنب صغير وهذا هيّن, واقتراف الصغيرة يجرّ إلى الكبيرة بل إن الصغائر إذا اجتمعت على العبد أهلكته, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم ومُحَقَّراتِ الذنوبِ، فإِنَّما مثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذنوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نزلُوا بَطْنَ وادٍ، فجاءَ ذَا بعودٍ، وجاءَ ذَا بعودٍ، حتى حمَلُوا ما أنضجُوا بِهِ خبزَهُم، وإِنَّ مُحَقَّراتِ الذنوبِ متَى يُؤْخَذْ بِها صاحبُها تُهْلِكْهُ"(صحيح الجامع للألباني), وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشةُ إياكِ ومحقَّراتِ الأعمالِ فإنَّ لها من اللهِ طالبًا"(صحيح ابن ماجه للألباني).
ويجعل العاصي يأمن من مكر الله، والأمن من مكر الله يُورِث الغفلة، والغفلة تورث التهاون، والتهاون سُلّم الشيطان وهو من أسباب الخسران، ومن تهاون في أمرٍ جرَّه الشيطان إلى ما هو أعظم منه, (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[سورة الأعراف: 99].
ويجعل المسلم يقنط من رحمة الله عندما يذنب أو يدعو فَيقنطه الشيطان ويوهمه أن ذنوبه كثيرة، وأنه قد غرق في لُجَجها وأن لا مخرج منها ولا نصيب له في رحمة الله، فإذا استسلم العبد وقنط من رحمة الله قال له الشيطان: تمتع من الدنيا بما شئت وتلذذ بكل معصية قبل الموت فإنك من أهل النار (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[سورة الزمر:53]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا"(صحيح مسلم).
وفي النهاية يتبرأ الشيطان من أتباعه (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ)[سورة الحشر: 16-17].
فاستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم وكونوا منه على حذر حتى لا يفسد عليكم دينكم، حافظوا على ذكر الله وأذكار الصباح وأذكار المساء وتلاوة القرآن؛ حتى لا يفسد عليكم أنفسكم وبيوتكم ودنياكم.
وصلوا وسلموا...