الحليم
كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...
العربية
المؤلف | راشد البداح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - أهل السنة والجماعة |
ثمة أناسٌ في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِ يَنشرونَ كلَّ شيءٍ، فلا مِنَ الإشاعاتِ يتحرزُونَ، ولا مِن أهلِ الاختصاصِ يتأكدُونَ، وقد بُلِينا بهم منذُ بدأتْ كورونا، وآخِرُ بلائِهمْ تحذيرُهم بلا برهانٍ مِن أخذِ لِقاحِ فيروسِ كورونا..
الخطبة الأولى:
الْحمدُ لِلَّهِ؛ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ.
مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللهَ ورسولَه فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعدُ: فإنّ المتأملَ يَعترِفُ أن وسائلَ التواصلِ الاجتماعيِ صارتْ مصدَرَ أخبارِنا ومعلوماتِنا، والموجّه لانفعالاتِنا واهتماماتِنا، ولكنَّ المصداقيةَ في بعضِها غيرُ متوفرةٍ، فتَتَلقفُها قلوبُ الطيبينَ على أنها حقائقُ لا تَقبلُ الشكَّ، ثم يَتبينُ لهم وَهْمُهُمْ، فيقولونَ بعد فواتِ الأوانِ: إنْ هذا إلا اختلاقٌ.
فيا مُرسِلاً كَذِبًا وأنتَ تحسَبهُ صِدقًا: لا يُعفِيكَ أن تقولَ: ما دَرَيتُ! ولا يُقبَلُ منكَ أنْ تعتذِرَ بقولِ: أنا مجردُ ناقلٍ! أو تُذَيِلَ الرسالةَ بكلمةِ (منقولٌ)؛ كلُّ هذهِ اعتذاراتٌ واهياتٌ، وناقلُ الكَذِبِ قد يكونُ أحدَ الكاذِبِينَ.
ألا وإنَ أعظمَ الكذبِ إرسالُ الأحاديثِ النبويةِ المكذوبةِ المختلَقةِ على النبيِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اتَّقُوا الحَدِيثَ عَنِّي إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ"(سنن الترمذي 2951، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ)، "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ"(صحيح مسلم: 4).
فلا يجوزُ نشرُ أحاديثَ دونَ التثبُتِ من صِحَّتِها، ويُخشَى أن يَدخلَ ناشرُها تحتَ وعيدِ قولهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"(صحيح البخاري 110، وصحيح مسلم:4). فإنهم وإن لم يَتعمدُوا الكذبَ مباشرةً، إلا أنهم نشروُهُ ولم يتثبّتُوا عن طريقِ سؤالِ أهلِ العلمِ أو بالبحثِ الالكترونيِ. وما أيسرَه وما أطوَرَه!.
قَالَ الدَّارِمِيُّ: "إِذَا رَوَى الرَّجُلُ حَدِيثًا، وَلاَ يُعْرَفُ لِذَلِكَ الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْلٌ، فَحَدَّثَ بِهِ، فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الحَدِيثِ"(سنن الترمذي: 4/334).
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: "لَوْلَا أَنْ أَخْشَى أَنْ أُخْطِئَ لَحَدَّثْتُكُمْ بِأَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَكِنَّهُ قَالَ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"(مسند أحمد: 12764)، وحُقَّ لأنسٍ أن يَخافَ، فهذا الحديثُ مُخيفٌ حقًّا.
أيُها المؤمنونَ: إليكمُ الآنَ طائفةً منَ الأحاديثِ المشتهرةِ على ألسنةِ الناسِ، ولكنَّها مَكذوبةٌ، لا تصِحُ عن النبيِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-؛ فمنها:
- "مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلاَّ بُعْداً: باطلٌ برغمِ اشتهارِهِ على الألسنةِ"(سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/54). وردَّه ابنُ تيميةَ قائلاً: "فَالصَّلَاةُ لَا تَزِيدُ صَاحِبَهَا بُعْدًا، بَلْ الَّذِي يُصَلِّي خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُصَلِّي"( مجموع الفتاوى:22/6).
- حديثُ: "مَن تهاوَنَ في الصلاةِ عاقَبَه اللهُ بخمسَ عشرةَ عقوبةً"؛ مكذوبٌ.
- حديثُ: "اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ". لا أصلَ لهُ، ولا زمامَ ولا خطامَ. ثم إن معناهُ مستنكَرٌ؛ لأنه لو كانَ الاختلافُ رحمةً لكانَ الاتفاقُ عذابًا، وهذا ما لا يقولُه مسلمٌ(سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/141).
- "الدينُ المعامَلةُ": كَذِبٌ على النبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-. (سلسلة الأحاديث الضعيفة 5/11).
- مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ: موضوعٌ (السلسلة الضعيفة: 1/ 479).
- "الأَقْرَبُونَ أَوْلَى بِالْمَعْرُوفِ: لا أصلَ له. وبعضُهم يتوهمُ أنه آيةٌ، وإنما في القرآنِ قولُه تعالى: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة:180](السلسلة الضعيفة 1/ 555).
- "شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ"، ومثلُهُ: "أَخِّرُوهُنَّ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ"(السلسلة الضعيفة 3/ 319). عبارتانِ تَحتقرانِ شأنَ المرأةِ؛ لمْ يَقُلْهُما النبيُ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: ثم ألَمْ يُشاوِرْ أمَ سلمةَ في عمرةِ الحديبيةِ؟
- وقصةٌ سخيفةٌ، يزعمونَ أن النبيَ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أكلَ عِنبًا مُرًا؛ مجاملةً لمن أهداهُ.
- النظافةُ منَ الإيمانِ - أجرؤُكمْ على الفُتيا أجرؤُكمْ على النارِ - خيرُ البرِ عاجلُه. كلُها عباراتٌ لم يَقُلْهنَّ النبيُ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- وإن كانَ معناها صحيحًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله..
أما بعدُ: فثمة أناسٌ في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِ يَنشرونَ كلَّ شيءٍ، فلا مِنَ الإشاعاتِ يتحرزُونَ، ولا مِن أهلِ الاختصاصِ يتأكدُونَ، وقد بُلِينا بهم منذُ بدأتْ كورونا، وآخِرُ بلائِهمْ تحذيرُهم بلا برهانٍ مِن أخذِ لِقاحِ فيروسِ كورونا.
ويا عجبًا لهم! ألا يَرونَ الجهودَ الحثيثةَ التي بذلَتْها الجهاتُ المعنيةُ منذُ بدءِ الأزمةِ، بتوجيهاتٍ مِن وُلاةِ الأمرِ -سددهُمُ اللهُ- حرصًا على صحةِ وسلامةِ الإنسانِ عمومًا، حتى وإن كانَ مُتخلِفًا نظامًا؟! ثم دأبُهمْ لتأمينِ لِقاحِ الفيروسِ؛ ثم التأكدُ من سلامةِ اللِقاحِ ومأمونيتِهِ. فالحمدُ للهِ الذي لطَفَ عند البلاءِ، والحمدُ للهِ على تيسُّرِ دواءِ الداءِ.
ألا فلتأخذُوا المعلوماتِ المتعلقةَ بالجوانبِ الصحيةِ من مصادِرِها المعتمدةِ، كوزارةِ الصحةِ، والهيئةِ العامةِ للغذاءِ والدواءِ، واحذرُوا تضليلَ الناسِ بالمعلوماتِ الخاطئةِ، والمكذوبةِ، وإياكُم وتلقيَ الإشاعاتِ ونشرَها؛ فإن النظامَ يُعاقِبُ ناشرَها.
فاللهم أعنا على أنْ نشكرَكَ على لطفِكَ في بلائِكَ، وأن علمتَنا سبيلَ دفعهِ، ورفعهِ.
اللَّهُمَّ ارفعْ وباءَنا، وادفعْ بلاءَنا، وانفعْ بلقاحهِ، وحققْ لنجاحهِ.
اللهم ويسرّ الدفءَ لكل مَقْرُورٍ. واجبرْ كسْرَ كلِ مقهورٍ.
اللهمَ إنا عاجِزونَ عن شُكرك، فنُحيلُ إلى علمِكَ وفضلِكَ، فلكَ الحمدُ بكلِ نعمةٍ أنعمتَ بها علينا في قديمٍ أو حديثٍ.
اللهمَ باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، وحسِّنْ أخلاقَنا، وبارِكْ أرزاقَنا.
اللهمَ احفظْ أولادَنا في إجازتِهم من فتنِ الشبهاتِ والشهواتِ، واجعلهُم من مقيمِي الصلواتِ.
اللهمَ وآمنْ أوطانَنا، واحفظْ وسددْ إمامَنا، ووليَ عهدِ إمامِنا. وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على نبيِنا محمدٍ.