الخلاق
كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن علي النهابي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لقد تعالت الأصوات، وزمجرت الأبواقُ بِدَعَواتٍ يطلقها أقوام من جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا، ينادون بتسوية المرأة بالرجل، وخروجها إلى ميادين العمل؛ لتجلس إلى جانب الرجل في المكاتب والمتجر والعمل، وتشارك الرجال في إقامة الندوات، والمحاضرات والمؤتمرات، ولا يزال المسلمون ..
الحمد لله الحليم، واسع الألطاف، خلق الخَلْق وجعل منهم الزوجين الذكر والأنثى، على طبقات وأصناف، وفرَّق بينهم في الطبائع والأحوال والأوصاف، وركَّب لكل وظيفة يقوم بها من دون تعدٍّ ولا انحراف، فجَعَل للرجل القوامة والولاية وتحصيل الكفاف، وجعل للمرأة التربية والرعاية، وألزمها القرار في البيت والحشمة والعفاف، أحمده على ما شرعه وقدره وأولاه من النعم والألطاف، وأشكره على ما منَّ به علينا من النعم على مختلف الأصناف.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العليا من دون تحريف ولا تأويل ولا اختلاف، وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسوله أفضلُ من تعبد لله، وصلى، وزكى، وصام، وطاف، صلى الله عليه وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين، المبرئين من الدنس والأرجاف، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان على نهج الأسلاف، وسلم تسليماً.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وقوموا بما أوجب الله عليكم تجاه أنفسكم، وما استرعاه اللهُ عليكم من الأهل والولد، قوموا بما استرعاه الله عليكم من نسائكم، واحفظوهن بالستر والصيانة، ونفذوا فيهن وصية الله، ووصية نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، فقد جعلكم الله قوَّامين عليهن، فقوموا بهذه المهمة خير قيام، استوصوا بهنَّ خيراً، فخيركم -عباد الله- خيركم لأهله.
عباد الله: لقد حثت آيات القرآن، ووصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- على الاهتمام برعاية النساء وحفظهن، وما ذاك إلا للعناية والاهتمام التي يوليها الإسلام للمرأة المسلمة، فمكانتها في الإسلام لا تعدلها مكانة في أي دين من الأديان، وفي أي قانون من القوانين.
لقد حظيت المرأة في ظل الإسلام بكل مقومات حياتها، وأعطيت كامل حقوقها، بحدود طبيعتها وتكوينها الذي جبلها اللهُ عليه.
لقد جعلها الله أمًّا وأساساً للمجتمع، يتخرج على يديها الأبطال، والقادة، والعلماء، والمهندسون، لقد تشرفت المرأة المسلمة بأن تكون راعية لبيتها، ومدبرة لشؤونه، تحت قيادة زوجها الذي جعل الله له مهمة القوامة والإشراف الرئيسي عليها؛ حيث لا تكمل حاجتها بدونه.
لقد جعل الله بحكمته دور المرأة في المجتمع دوراً خاصاً مستقلاً، لا يشاركها فيه الرجل، وجعلها تؤدي عملاً لا يؤديه غيرها؛ كالحمل، والوضع، والإرضاع، والحضانة، وتربية الأطفال، والقيام بتدبير شؤون البيت، وما يتعلق بذلك، فالمرأة لها خصائص وطبائع لا تصلح إلا لها، وفي مقابل ذلك للرجل خصائص وطبائع لا تصلح إلا له، وإن كان يحصل نوع اشتراك في بعض الصفات إلا أن لكل جنسٍ ما يناسبه.
فإذا عرفت -أيها المسلم- ذلك فاعلم أن الله بحكمته جعل أحكامه الخاصة بالمرأة تناسب طبيعتها وتكوينها، وما خُلِقَتْ لَهُ، وجعل دورها العظيم القيام بهذه المهمات، مع الالتزام بما يصون شرفها وكرامتها؛ من: الاحتشام، والعفاف، والطهارة، والنزاهة.
وإذا كان دور المرأة في المجتمع هذا الدور العظيم، وهذه المهمة العالية، والبناء الشامخ، والأساس النابض؛ فهل يكون نصف المجتمع معطلاً عن العمل كما يقوله الناعقون؟ وهل يتصور أصحاب الدعايات المسمومة أن المرأة في المجتمع الإسلامي معدودة من سقط المتاع، أو أنها خُشُبٌ مسنَّدةٌ لا يُستفاد منها، لقد عميت بصائرهم عما تؤديه المرأة من دور وعمل يتناسب مع خلقتها، ويتمشى مع طبيعتها.
أيها المسلمون: لقد تعالت الأصوات، وزمجرت الأبواقُ بِدَعَواتٍ يطلقها أقوام من جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا، ينادون بتسوية المرأة بالرجل، وخروجها إلى ميادين العمل؛ لتجلس إلى جانب الرجل في المكاتب والمتجر والعمل، وتشارك الرجال في إقامة الندوات، والمحاضرات والمؤتمرات، ولا يزال المسلمون يقرؤون في صحفهم اليومية ومجلاتهم نداءات متكررة، تنطق من أفواه مشؤومة مسمومة، وتكتبها أيدٍ مشلولة، تحاول إهدار كرامة المرأة، ونبذ أوامر الله ورسوله في المحافظة على النساء وصيانتهن.
إن تلك الأصوات المشبوهة، والدعاية المسمومة، تريد أن تكون المرأة المسلمة مثلَ المرأة الكافرة، تخرج إلى العمل مع الرجل الأجنبي، جنباً إلى جنبٍ وهي حاسرةُ الرأسِ والوجه، قد كشفت عن ساقيها وذراعيها، وربما فخذيها وعضديها، تريد أن تخرج من حشمتها وطهارتها، تنازل الرجال في الشوارع، وتعاملهم في الأسواق، وتشاركهم جنباً إلى جنب في المصانع، وتخدمهم في المطاعم والطائرات.
تريد تلك النداءات أن تكون المرأة ألعوبة بتقاذفها شياطين الجن والإنس، ولقمة سائغة يفترسها ذئاب البشر، تريد هذه الدعايات المسمومة أن تصل المرأة المسلمة في هذه البلاد إلى ما وصلت إليه المرأة في المجتمعات الكافرة، وبعض المجتمعات العربية والإسلامية؛ إلى التبرج السافل، الذي لا ينتهي إلى حد، فأصبحت المرأة في تل المجتمعات في شقاء وتعاسة، وانخلعت من معاني الشرف والكرامة إلى التفسخ والتحلل والعهارة، نسبت الهلاك لنفسها ولمجتمعها، فما أشد الشرر! وما أعظم الخطر!.
عباد الله: أيها المسلمون، أيها المؤمنون بالله واليوم الآخر، إنه من المؤسف أن تقوم في هذه البلاد مجموعة من النساء يقمن بمسيرة توزع من خلالها المنشورات، تطالب بقيادة المرأة للسيارة، ورفع الحجاب، وسحق المبادئ، وتخلط السم في الدَّسم، وتظهر الباطل بمظهر الحق، وتدعي المبررات الكاذبة، والحجج الواهية.
إن المظاهرات والمسيرات التي تسمع في العالم الإسلامي دخيلة على المسلمين، وبدعة اختلقها وغذاها الاستعمار، وأعداء الإسلام؛ لقصد بلبلة الشعوب.
إن الحرية في الإسلام ليست سلعة مستوردة من ثقافة الغرب وحضارته، الذين تعاطوا الحرية بمعيار منحل، وبكأس مسمومة؛ بل إنها حرية في إطار هذا الدين الحنيف، مضمونها: المناصحة، والحجة، والإقناع.
ثم إن عمل المنشورات ونشرها بين الناس لا يجوز بدون إذن ولي الأمر، أو من له التصريح بنشر ذلك ؛ لما فيه من الإثارة، وإيقاد الأحقاد، وإشعال الفتن، وبلبلة الأفكار.
عباد الله: لقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما تركتُ بعدي فتنةً أضرّ على الرجال من النساء"، لقد حذَّر رسولكم الكريم -صلى الله عليه وسلم- من فتنة النساء، وبيَّن ضررها البالغ، وأنها أعظم من غيرها على المجتمع.
وأنتم -عباد الله- اليوم في مهاوى فِتَنٍ تترى، فتن تتوالى الواحدة تلوَ الأخرى كقطع الليل المظلم، فتن قد انفتح بابها، وانعقدت أسبابها، فتن تنفُذُ السمع، وتعمي البصر، يرقِّق بعضها بعضاً، ويهوِّن آخرها أولها.
أيها المسلمون: إننا نقول كما قال علماؤنا: لا يجوز للمرأة أن تضاهي الرجال في اللباس، والهيئة، والأصوات، ولا تشاركهم فيما يختصون به، وإن قيادة المرأة للسيارة عمل لا يجوز؛ لأنه يترتب عليه مخاطر؛ منها: كشف الحجاب، والاختلاط، وعدم الاحتشام، وخروج عما أراد الله للمرأة، وليس هناك ضرورة تدعو إلى قيادة المرأة للسيارة؛ لوجود الرجال الذين يقومون بذلك.
وما يحدث من استقدام السائقين، ووجود الأضرار منهم ما هو إلا بسبب المستقدمين لهم، وبتعريض أعراضهم لمثل هذه المخاطر، وقد قرر الإسلام: ( عدم الخلوة بالأجنبي )، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخولَ على النساء!".
عباد الله: إن تبرير الباطل بمسوِّغات لا مُستنَد لها، وبمبررات داحضة ما هو إلا من فكر الحاقدين المضللين، وما رأيت في المنشور المطالب به قيادة المرأة للسيارة ما هو إلا من هذا القبيل.
فاتقوا الله عباد الله! أما يكفي زاجراً ما وقعت فيه المجتمعات التي تخلت عن تعاليم الإسلام من تردٍّ في مهاوي الرذيلة حينما تركت نساؤها الصيانة، فصرنَ يخرجن متبرجات، عاريات الأجسام، وقد نزع الله من رجالها صفة الرجولة، والغيرة على حريمهم، فصارت مجتمعات بهيمية؟.
إن هذه الطغمة التي تدعو بهذه الدعوى المضلِّلة يجب الأخذ على يديها، وإسكات أصواتها، وتحطيم أفلامها؛ لأننا -ولله الحمد- على بصيرة من أمرنا، وعلى ثقة بديننا، لا تستخفنا دعوات المضللين، وعواء المغرضين، ولنا في تجربة الآخرين خير عبرة، فاعتبروا -عباد الله- وتضرعوا إلى الله أن يكشف ما بكم من بلاء وغمَّة؛ يقول -سبحانه-: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) [المؤمنون:76-77].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسلك بنا طريق أحبابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.