الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
أيها المؤمنون: لله -جلَّ وعلا- من الناس أهلون شرَّفهم الله -عزَّ وجل-، وأعلى مقامهم، ورفع قدرهم، وأضافهم إلى نفسه، هذه الإضافة المشتملة على التعلية والتشريف، والرفع لمقدارهم، وبيان عِظم مكانتهم عند الله، كما في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ"، فانظر هذا الشرف ما أعلاه، والفضل ما أسناه! والمكانة ما أرفعها! وجاهد نفسك بأن تكون في هذه الدنيا من أهل هذا الشرف العظيم، والمكانة السنية الرفيعة، ومتى...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسِنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه جلَّ في علاه في سركم وجهركم وجميع شؤونكم مراقبةَ من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: لله -جلَّ وعلا- من الناس أهلون شرَّفهم الله -عزَّ وجل-، وأعلى مقامهم، ورفع قدرهم، وأضافهم إلى نفسه، هذه الإضافة المشتملة على التعلية والتشريف، والرفع لمقدارهم، وبيان عِظم مكانتهم عند الله، روى ابن ماجه في سننه والإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ".
وتأمل مليًّا -رعاك الله- في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ" فانظر هذا الشرف ما أعلاه، والفضل ما أسناه، والمكانة ما أرفعها، وجاهد نفسك -يا عبد الله- بأن تكون في هذه الدنيا من أهل هذا الشرف العظيم، والمكانة السنية الرفيعة.
أيها المؤمنون: ومتى يكون العبد من أهل هذا الشرف أهل القرآن؛ أهل الله وخاصته؟
عباد الله: إن هذا لا يُنال بمجرد التلاوة للقرآن، ولا ينال أيضا بمجرد الحفظ لحروفه، بل لابد من فهم معانيه والعمل بهداياته؛ فإن القرآن أُنزل ليُعمل به، فلا يكون المرء من أهله إلا إذا كان من أهل العمل بالقرآن، فأهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته هم العالمون بالقرآن، العامِلون به، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ)[البقرة: 121]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) أي يتِّبعونه حق اتباعه، ثم تلا: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا)[الشمس: 2] أي تبِعها. فلا يكون تاليًا للقرآن حقًا إلا إذا اتَّبع القرآن، وعمل بما فيه.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ" هكذا قال عليه الصلاة والسلام "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا"، وروى مسلم عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ" قال لأصحابه؛ انظر هذه الصُّحبة ما أعظمها، فازوا بشرفها في هذه الحياة؛ صحِبوا كتاب الله -عز وجل- قراءةً وتدبرًا واهتداءً بهدايات القرآن، وعملًا به حتى كانوا بذلك من أهل القرآن حقًا وصدقا.
عباد الله: والأنموذج الأعلى في هذا الباب تجده في السؤال الكبير الذي وُجِّه لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، حيث قيل لها: كيف كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ".
أيها المؤمنون: على العبد المؤمن أن يكون ناصحًا لنفسه، وأن يعظِّم كلام ربه -جل في علاه-، وأن يجاهد نفسه تمام المجاهدة على العناية بهذا القرآن تلاوةً وقراءة، فهمًا وتدبرا، عملًا واتِّباعا؛ ليكون من أهل القرآن أهل الله وخاصته.
اللهم يا ربنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تجعلنا أجمعين من أهل القرآن أهل الله وخاصته، وأن ترزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنَّا، وأن تذكِّرنا منه ما نُسِّينا، وأن تعلِّمنا منه ما جهلنا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة.
أيها المؤمنون -عباد الله-: عودًا على قول نبينا -عليه الصلاة والسلام- في أهل القرآن، وأنهم أهلُ الله وخاصته الفائزون بهذا الشرف العظيم والمرتبة العلية، وأن هذا -عباد الله- لا يُنال إلا بالعلم بالقرآن، والعمل به، فبهذا يكون العبد من أهل القرآن حقًا وصدقا.
في هذا المعنى يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمُ الْعَالِمُونَ بِهِ وَالْعَامِلُونَ بِمَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَأَمَّا مَنْ حَفِظَهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ أَقَامَ حُرُوفَهُ إِقَامَةَ السَّهْمِ"، وقال رحمه الله: "فتِلاوة الْقُرْآن تتَنَاوَل تِلَاوَة لَفظه وَمَعْنَاهُ، وتِلاوةُ الْمَعْنى أشْرَفُ مِن مُجَرّد تِلَاوَة اللَّفْظ، وَأَهْلهَا هُم أهْلُ الْقُرْآن الَّذين لَهُم الثَّنَاءُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَة"، وفي هذا المعنى يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ؛ فاتخذ الناس قراءته عملا".
أيها المؤمنون: عظِّموا كتاب الله، وأعلوا من شأنه في قلوبكم، وجاهدوا النفس على تلاوة القرآن، تلاوته حق التلاوة قراءةً وفهمًا وتدبرا، وسلوا الله الكريم العظيم أن يجعلكم من أهل القرآن أهل الله وخاصته، حقق الله لنا أجمعين ذلك.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعِينا وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلُك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم ورُدَّ عنا كيد الكائدين وبغي الباغين وعدوان المعتدين يا رب العالمين، اللهم واحفظ حدودنا، وأمِّن جنودنا، ووفقنا أجمعين لما تحبه وترضاه يا حي يا قيوم.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم ووفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنَّا نسألك الهدى والتقى والعفَّة والغنى.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.