المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | سعد بن تركي الخثلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
عباد الله: إن التفكر في خلق الله -تعالى- ليزيد الإيمان في القلب ويقويه، ويرسخ اليقين، ويجلب الخشية لله -تعالى- وتعظيمه، وكلما كان الإنسان أكثر تفكراً وتأملاً في خلق الله، وأكثر علماً بالله -تعالى- وعظمته، كان أعظم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحاط بكل شيء علمًا وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فقد خلق الله الإنسان وخلق له عقلًا، يدرك به الأمور، ويميز به بين النافع والضار، والصالح والفاسد، والخير والشر، وجعل مناط التكليف على وجود هذا العقل، فإذا اختل العقل ارتفع التكليف عنه.
وقد أمر الله -تعالى- الإنسان أن يستخدم هذا العقل، الذي أنعم به عليه فيما يعود عليه بالنفع، يستخدمه في التفكر فيما حوله من المخلوقات العظيمة من أمامه، ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، بل يتفكر في خلق نفسه، فانقسم الناس في ذلك إلى أقسام، وخير هذه الأقسام من وصفهم الله بقوله سبحانه: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـاذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191].
وشر هذه الأقسام من قال الله فيهم: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَـائِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَـائِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [ الأعراف: 179] فيتبين بهذا أن التفكر في خلق الله -تعالى- من صفات المؤمنين الصادقين، أولي الألباب، وأصحاب العقول السليمة الراشدة، فينبغي للمسلم أن يعتني به، فإن الإنسان مع طول الزمن والغفلة قد يتبلد إحساسه، فيغفل عن النظر والتفكر فيما حوله من المخلوقات العظيمة في هذا الكون.
عباد الله: إن التفكر في خلق الله -تعالى- ليزيد الإيمان في القلب ويقويه ويرسخ اليقين، ويجلب الخشية لله -تعالى- وتعظيمه، وكلما كان الإنسان أكثر تفكراً وتأملاً في خلق الله وأكثر علماً بالله -تعالى- وعظمته كان أعظم خشية لله -تعالى- كما قال سبحانه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].
ولهذا كان السلف الصالح على جانب عظيم من هذا الأمر، فكانوا يتفكرون في خلق الله، ويتدبرون آياته، ويحثون على ذلك، يقول أحدهم: "ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِمَ، ولا فهم إلا علم، ولا علم إلا عمل".
ويقول الآخر: "لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه".
عباد الله: إذا نظر العبد إلى ما خلق الله -تعالى- في هذا الكون من المخلوقات العظيمة، والآيات الكبيرة، فإن في كل شيء له آية تدل على أنه سبحانه إله واحد، كامل العلم والقدرة والرحمة، فمن آياته: خلق السماوات والأرض، فمن نظر إلى السماء في حسنها وكمالها وارتفاعها وعظمتها، عرف بذلك تمام قدرته سبحانه: (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا) [النازعات: 27-28].
(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: 47].
(أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ) [ق: 6].
أخرج أبو داود وغيره عن العباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تَدرونَ كم بينَ السَّماءِ والأرضِ؟" قلنا: "الله ورسوله أعلم"، قال: "بينهما مسيرةُ خمسِمائةِ سنةٍ، ومن كلِّ سماءٍ إلى سماءٍ مسيرةُ خَمسِمائةِ سنةٍ، وكِثَفُ كلِّ سماءٍ مسيرةُ خمسِمائةِ سنةٍ، وبين السماءِ السابعةِ، والعرشِ بحرٌ بين أسفلِه وأعلاه كما بين السماءِ والأرضِ، واللهُ -سبحانه وتعالى- فوقَ ذلك، وليس يخفى عليه شيءٌ من أعمالِ بني آدمَ" [شرح كتاب التوحيد، لابن باز: 390].
ومن آياته: خلق الأرض، وما جعل الله -تعالى- فيها من الرواسي والأقوات، والخلق الذي لا يحصيه إلا الله -تبارك وتعالى-.
فانظر كيف مهدها الله، وسلك لنا فيها سبلاً، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها، ويسرها لعباده فجعلها لهم ذلولاً يمشون في مناكبها، ويأكلون من رزقه، وانظر كيف جعلها الله -تعالى- قرارًا للخلق لا تضطرب ولا تزلزل بهم إلا بإذن الله -تعالى-: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ) [الذاريات: 20].
ولقد أخبرنا الله -تعالى- في كتابه أنه خلق هذه السماوات العظيمة وهذه الأرض وما بينهما في ستة أيام، ابتدأ خلق الأرض في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها، وهيأها لما تصلح له من الأقوات في يومين آخرين، فتلك أربعة أيام، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها، فتلك ستة أيام.
وهو سبحانه لو شاء لخلق السماوات والأرض وما بينهما في لحظة: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [يس: 82].
ولكنه سبحانه حكيم يقدر الأمور بأسبابها، حكى الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أنه سُئل أحد الأعراب فقيل له: "ما الدليل على وجود الرب -تعالى-؟" فقال: "يا سبحان الله! إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!".
ومن آياته: ما بث في السماوات والأرض من دابة، ففي السماء ملائكة لا يحصيهم إلا الله -تعالى-، أخرج الترمذي وابن ماجة وأحمد بسند حسن عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَطَتْ السماءُ وحق لها أن تَئِطَّ؛ ما فيها موضِعُ أربعِ أصابِعَ إلا ومَلَكٌ واضِعٌ جبهَتَهُ لله ساجدًا" [سنن الترمذي: 2312].
جاء في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "البيتُ المعمورُ، يصلي فيه كلَّ يومٍ سبعون ألفَ ملَكٍ، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخِرَ ما عليهم" [صحيح البخاري: 3207].
وروى أبو داود وغيره بسند صحيح عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أُذِنَ لي أنْ أُحدِّثَ عن ملَكٍ من ملائكةِ اللهِ -تعالى- حملةُ العرشِ، ما بين شحْمَةِ أُذُنِه إلى عاتِقِه مسيرةَ سبعَمائةِ سنةٍ" [صحيح الجامع: 854].
وفي الأرض من أجناس الدواب وأنواعها ما لا يحصى أجناسه، فضلاً عن أنواعه وأفراده، فانظروا أولاً كم على هذه الأرض من البشر من بني آدم، ليسوا بالآلاف ولا حتى بالملايين، بل بالمليارات آلاف الملايين، ومع ذلك فألسنتهم وألوانهم مختلفة فلا تجد شخصين متشابهين من جميع الوجوه كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ? إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) [الروم: 22].
قال ابن كثير -رحمه الله-: "فجميع أهل الأرض بل أهل الدنيا منذ أن خلق الله آدم إلى قيام الساعة، كل له عينان وحاجبان وأنف وجبين وفم وخدان، وليس يشبه واحد منهم الآخر، بل لا بد أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام ظاهراً كان أو خفياً يظهر بالتأمل، ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو قبح لا بد من فارق بين كل منهم وبين الآخر" ا. هـ.
ثم انظر ما على هذه الأرض من أصناف الحيوانات التي لا يحصيها إلا الله -تعالى-! كم على اليابسة فقط من أصناف هذه الحيوانات؟ وكم في هذه البحار والمحيطات من أصناف الحيوانات؟ وهي مع ذلك مختلفة الأجناس والأشكال والأحوال، فمنها النافع للعباد الذي يعرفون به كمال نعمة الله عليهم، ومنها الضار الذي يعرف به الإنسان قدر نفسه وضعفه أمام خلق الله، وهذه الدواب المنتشرة في البراري والبحار تسبح بحمد الله، وتقدس له، وتشهد بتوحيده وربوبيته: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء: 44].
وكل دابة من هذه الدواب، وكل صنف من هذه الحيوانات، خلق لحكمة بالغة، فلم يخلق شيء من هذا الكون عبثا قطعاً: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ? ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص: 27].
وقد تكفل الله برزق هذه الدواب ويعلم مستقرها ومستودعها: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [هود: 6].
ومن آياته: هذه الرياح اللطيفة التي يرسلها الله -تعالى-، فتحمل السحب الثقيلة المحملة بالمياه الكثيرة، ويسوق الله هذا السحاب ثم يؤلف بينه فيجمعه حتى يتراكم كالجبال، فيحجب نور الشمس لكثافته، وتظلم الأرض من سواده وتراكمه، وتراه يتجمع وينضم بعضه إلى بعض سريع بإذن الله، وإذا شاء أن يفرقه سريعاً أصبحت السماء صحواً، وفي ذلك أعظم الدلالة على عظمة خالقها ومصرفها ومدبرها، ولذلك فقد أقسم سبحانه، وهو سبحانه إذا أقسم بشيء من مخلوقاته دل ذلك على عظمة المقسم به، كما قال سبحانه: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) [الذاريات: 1].
ومعنى: "الذاريات" أي الرياح.
(فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا) [الذاريات: 2] أي: السحاب التي تحمل وقرها من الماء.
وهذه الرياح وهذا السحاب مسخر بأمر الله -تعالى- لا يتجاوز ما أمره به خالقه ومنشئه سبحانه وتعالى، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس -رضي الله عنه- قال: "أصابت الناس سَنة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-" -أي شدة وجهد من الجدب وعدم نزول المطر- قال: "فبينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في يوم الجمعة قام أعرابي، فقال: "يا رسول الله: هلك المال، وجاع العيال، وانقطعت السبل فادع الله لنا؟" فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يديه" يقول أنس: "وما نرى في السماء قزعة" -أي قطعة سحاب- يقول: "فو الذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم".
سبحان الله العظيم! صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- المنبر وما في السماء من قزعة سحاب وما نزل إلا والمطر يتحادر من لحيته!
فسبحان الله! إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.
يقول أنس -رضي الله عنه-: "مطرنا يومنا ذلك، ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو قال غيره، فقال: "يا رسول الله! تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا؟" فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر".
يقول أنس -رضي الله عنه-: "فما يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، فتمزق السحاب فما نرى منه شيئاً على المدينة وسال الوادي شهراً ولم يجئ أحد من ناحيته إلا حدَّث بالجود" [الضياء اللامع: 339].
(اللَّـهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّـهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الروم: 48 -50].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أقرت له بالربوبية جميع مخلوقاته، وأقرت له بالألوهية جميع مصنوعاته، وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
عباد الله: وإذا نظر الإنسان إلى عالم النبات، وجد العجب العجاب في ذلك، وقد أشار الله -تعالى- إلى شيء من ذلك في محكم كتابه، فقال: (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 99].
(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ) [ق: 7-10].
وفي هذا المعنى يقول القائل:
تأمل في نبات الأرض وانظر | إلى آثار ما صنع المليك |
عيون من لجين شاخصات | بأحداث هي الذهب السبيك |
على كثب الزبرجد شاهدات | بأن الله ليس له شريك |
عباد الله: ثم ليتأمل الإنسان في خلق نفسه، كما قال عز وجل: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21].
فإذا نظر الإنسان إلى نفسه ومبدئه ومنتهاه، وأنه قد خُلِقَ من نطفة من ماء مهين كُوّن منها اللحم والعظام والعروق والأعصاب، وأحيطت هذه الأشياء بجلد متين، وجُعِلَ في هذا الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً، ما بين كبير وصغير، وثخين ورقيق، وجعل في جسمه أبواب متعددة: بابان للسمع، وبابان للبصر، وبابان للشم، وبابان للطعام والشراب والنفس، وبابان لخروج الفضلات المؤذية، وقد عجز الطب الحديث بآلاته الدقيقة، وأجهزته المتطورة، من الإحاطة بدقائق خلق الإنسان، فسبحان الخلاق العظيم، وتبارك (اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 14].
فوا عجبا كيف يعصى الإله | أم كيف يجحده الجاحد؟ |
ولله في كل تحريكة | وتسكينة أبدا شاهد |
وفي كل شيء له آية | تدل على أنه واحد |
عباد الله: إن لله من العظمة والجلال ما يبهر العقول، ولله من القدرة وعظيم الخلق ما يعجز العقل البشري عن تصوره، فسبحانه أحاط بكل شيء علماً: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [يس: 82].
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير.