البحث

عبارات مقترحة:

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

حكم رد الأكفاء وأثره على المرأة والمجتمع

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات النكاح - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. تأسيس الأسرة الصالحة من مقاصد الزواج .
  2. اختيار الزوجين أول خطوات الزواج الناجح .
  3. التحذير من رد الخاطب الكفؤ .
  4. أضرار رد الخاطب الصالح على المجتمع .
  5. أضرار رد الخاطب الصالح على المرأة .
  6. نصيحة للفتيات وتحذير لهن. .

اقتباس

فالأفلام والمسلسلات وما تبثه من سموم فكرية حول الزواج؛ أدى إلى انتشار ظاهرة عزوف الفتيات عن الزواج؛ فمنهنَّ من تنتظر فارس أحلامها الذي ترسم له صفاتاً محددة؛ شكلاً ومظهراً ووظيفةً وتعليماً!, وتريد أن تعيش معه قصص الحب الزائفة التي تدندن حولها المسلسلات...

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الزَّوَاجَ مِنَ الْفِطْرَةِ, وَهُوَ سُنَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَمِنَّةٌ إِلَهِيَّةٌ امْتَنَّ اللهُ -تَعَالَى- بِهِ عَلَى عِبَادِهِ, قَالَ -تَعَالَى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21]؛ فَالزَّوَاجُ مِنْ نِعَمِ اللهِ -سُبْحَانَهُ- عَلَى عِبَادِهِ، وَبِهِ تَتَحَقَّقُ السَّكِينَةُ وَالِاطْمِئْنَانُ وَالِاسْتِقْرَارُ النَّفْسِيُّ, وَبِهِ تَتَكَوَّنُ الْأُسْرَةُ, يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)[النحل: 72].

 

وَإِنَّ الزَّوَاجَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُشْرَعْ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالشَّهْوَةِ فَحَسْبُ، بَلْ شُرِعَ لِمَقَاصِدَ أُخْرَى عَظِيمَةٍ مَعَهَا, يَنْبَغِي لِلْمُقْبِلِ عَلَى الزَّوَاجِ أَنْ يَضَعَهَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ؛ لِيُحَقِّقَ أَمْرَ الشَّرْعِ لَهُ فِي الزَّوَاجِ, وَلِيَكُونَ زَوَاجُهُ مُبَارَكًا عَلَيْهِ وَعَلَى أُسْرَتِهِ, وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ وَالْأَهْدَافِ تَأْسِيسَ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ, وَهِيَ نَوَاةٌ لِبِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ, وَإِسْهَامٌ فِي إِصْلَاحِهِ, قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَقَاصِدِ الزَّوَاجِ: "وَأَنْ يَنْوِيَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نِيَّةَ الْوَلَدِ، وَأَنْ يَتَعَوَّذَ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَيَنْوِيَ فِي الْوَلَدِ أَنَّ اللهَ يَرْزُقَهُ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَيُوَحِّدُهُ، وَيَجْرِي عَلَى يَدَيْهِ صَلَاحُ الْخَلْقِ، وَإِقَامَةُ الْحَقِّ، وَتَأْيِيدُ الصِّدْقِ، وَمَنْفَعَةُ الْعِبَادِ، وَعِمَارَةُ الْبِلَادِ".

 

وَمِنْ هُنَا؛ فَإِنَّ اخْتِيَارَ الزَّوْجَيْنِ هُوَ أَوَّلُ الْخُطُوَاتِ وَأَهَمُّهَا فِي تَكْوِينِ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ, وَبِنَاءِ الْبَيْتِ الْمُسْلِمِ, وَعَلَيْهَا يَتَوَقَّفُ مُسْتَقْبَلُ هَذِهِ الْأُسْرَةِ، بَلْ إِنَّ مَعَالِمَ هَذِهِ الْأُسْرَةِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةَ وَتَرْبِيَتَهَا لِأَوْلَادِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الْمُهِمَّةِ وَالْخَطِيرَةِ!؛ لِذَلِكَ حَثَّ الشَّرْعُ عَلَى حُسْنِ الِاخْتِيَارِ لِلزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ, قَالَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا, وَلِحَسَبِهَا, وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"(رواه مسلم).

 

وَالْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَ حُسْنِ اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ الصَّالِحَةِ فَقَطْ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ صَالِحًا -أَيْضًا-؛ لِأَنَّ الزَّوَاجَ عَقْدٌ يَجْمَعُ بَيْنَ طَرَفَيْنِ, وَالْبَيْتُ كَالطَّائِرِ لَهُ جَنَاحَانِ؛ هُمَا: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ, وَصَلَاحُ الدِّينِ هُوَ الْمَطْلَبُ الشَّرْعِيُّ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ, وَقِيَامُ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى صَلَاحِ الزَّوْجَيْنِ مَعًا, قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ؛ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(رواه الترمذي وحسنه الألباني)؛ قال السندي: "أَيْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوا مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ وَتَرْغَبُوا فِي ذِي الْحَسَبِ وَالْمَالِ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَفَسَادٌ؛ لِأَنَّ الْحَسَبَ وَالْمَالَ يَجْلُبَانِ إِلَى الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ عَادَةً, وَقِيلَ: إِذَا نَظَرْتُمْ إِلَى صَاحِبِ الْمَالِ وَالْجَاهِ يَبْقَى أكْثَرُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِلَا تَزَوُّجٍ؛ فَيَكْثُرُ الزِّنَا, وَيَلْحَقُ الْعَارُ وَالْغَيْرَةُ بِالْأَوْلِيَاءِ؛ فَيَقَعُ الْقَتْلُ وَتَهِيجُ الْفِتْنَةُ, وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ تَعْظِيمَ الْجَاهِ وَالْمَالِ وَإِيثَارَهُ عَلَى الدِّينِ يُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَةِ"(حاشية السندي على ابن ماجه).

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ كُلَّ مُخَالَفَةٍ لِلشَّرْعِ لَهَا ضَرَرُهَا وَآثَارُهَا السَّيِّئَةُ؛ فَاللهُ -تَعَالَى- يَقُولُ عَنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ نَبِيِّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور: 63], وَقَدْ حَذَّرَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَرَاحَةً مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ فِي رَدِّ الْخَاطِبِ الصَّالِحِ بِفَسَادٍ كَبِيرٍ فِي الْمُجْتَمَعِ!.

 

إِنَّ انْتِشَارَ الزِّنَا وَالْفَوَاحِشِ فِي الْمُجْتَمَعِ هُوَ الضَّرَرُ الْأَكْبَرُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى رَدِّ الصَّالِحِينَ مِنَ الْخُطَّابِ, وَكَفَى بِهِ مِنْ ضَرَرٍ وَفَسَادٍ عَظِيمٍ, قال مظهر الدين الزَّيْدَانيُّ: "لو لم تزوِّجوا نساء أقاربكم إلا من معروفٍ صاحبِ مال وجاه, وغير ذلك من الصفات التي يميل إليها أبناء الدنيا، يبقى أكثر نساءكم بلا زوج، ويبقى أكثر الرجال بلا زوجة؛ وحينئذ يميل الرجال إلى النساء، والنساء إلى الرجال، ويكثر الزنا"(المفاتيح في شرح المصابيح), وإذا فشا الزنا حلت العقوبات؛ قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الزِّنَا وَالرِّبَا؛ إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَابَ اللهِ"(رواه أحمد وحسنه الألباني).

 

وَمِنْ أَضْرَارِ رَدِّ الصَّالِحِينَ عَلَى الْمُجْتَمَعِ: عُزُوفُ الشَّبَابِ عَنِ الزَّوَاجِ مِنْ بَنَاتِ بَلَدِهِمْ, وَاتِّجَاهُهُمْ إِلَى الزَّوَاجِ مِنْ بُلْدَانٍ أُخْرَى, وَهَذَا الْأَمْرُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ جَمَّةٌ؛ مِنْهَا: "أَنَّهُ إِذَا تَقَلَّصَ النِّكَاحُ مِنْ بَنَاتِ الْبَلَدِ؛ فَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ تَحْتَاجُ إِلَى نِكَاحٍ, وَيَكُونُ هَذَا سَبَبًا لِلزِّنَا وَالْعُهْرِ, وَالْعِيَاذُ بِاللهِ!.. وَأَنَّ هَذِهِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا مِنَ الْخَارِجِ رُبَّمَا يَكُونُ لَهَا عَادَاتٌ وَأَخْلَاقٌ وَدِيَانَةٌ؛ تُفْسِدُ الزَّوْجَ وَأَوْلَادَهَا".

 

وَحِينَهَا يُصْبِحُ الْمُجْتَمَعُ مَرْتَعًا لِلثَّقَافَاتِ وَالْعَادَاتِ الدَّخِيلَةِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ حِينَ يَكْثُرُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الزَّوَاجِ, وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْعَادَاتُ وَالثَّقَافَاتُ سَيِّئَةً؛ فَيَحْمِلُهَا الْأَبْنَاءُ عَنْ أُمَّهَاتِهِمْ وَيَنْشُرُونَهَا فِي مُجْتَمَعِهِمْ؛ فَتَصِيرُ مِنْ عَادَاتِهِ!.

 

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32].

 

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ, وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِه الْمُصْطَفَى, وَالْآلِ وَالصَّحْبِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ وَاقْتَفَى, وَبَعْدُ:

 

عِبَادَ اللهِ: وَلِرَدِّ الصَّالِحِينَ وَعَدَمِ تَزْوِيجِهِمْ أَضْرَارٌ عَلَى الْمَرْأَةِ نَفْسِهَا؛ فَمِنْ أَضْرَارِهِ:

صَدُّ حَظِّ الْبِنْتِ فِي الزَّوَاجِ, فَكُلَّمَا تَقَدَّمَ لَهَا خَاطِبٌ رَدُّوهُ, لَا لِعَيْبٍ شَرْعِيٍّ فِيهِ، وَلَكِنْ لِأَنَّ هَذَا الْخَاطِبَ فَقِيرٌ, أَوْ لَيْسَ ذَا وَظِيفَةٍ مَرْمُوقَةٍ, أَوْ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِ النَّسَبِ وَالْمَكَانَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ, وَهَكَذَا يَنْتَظِرُونَ لِخِطْبَةِ ابْنَتِهِمْ مَنْ قَدْ رَسَمُوا لَهُ فِي عُقُولِهِمْ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْمِيزَاتِ الْخَاصَّةِ, حَتَّى يَعْزِفَ الْخُطَّابُ وَيُغْلَقَ الْبَابُ؛ فَيَتَسَبَّبُونَ فِي عُنُوسَةِ ابْنَتِهِمْ! وَكَمْ مِنْ نَادِمٍ مِنَ الآبَاءِ عَلَى رَدِّ الْخُطَّابِ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا, وَلَكِنْ لَا يَنْفَعُ نَدَمٌ, وَقَدْ مَضَى الْأَمْرُ وَقُضِيَ!.

 

وَمِنَ الْأَضْرَارِ: الْأَثَرُ النَّفْسِيُّ عَلَى الْبِنْتِ الَّتِي يَرُدُّ أَبُوهَا كُلَّ خَاطِبٍ تَقَدَّمَ لَهَا, وَرُبَّمَا أُصِيبَتْ بِأَمْرَاضٍ نَفْسِيَّةٍ؛ نَتِيجَةً لِضَعْفِهَا، وَوَحْدَتِهَا، وَشِدَّةِ عَاطِفَتِهَا, وَتَكْرَارِ تَفْكِيرِهَا فِي هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي يُؤْلِمُهَا, مَعَ شَوْقِهَا الشَّدِيدِ إِلَى الزَّوَاجِ وَالْأُمُومَةِ, خُصُوصًا حِينَ تَرَى صَدِيقَاتِهَا قَدْ تَزَوَّجْنَ وَأَنْجَبْنَ أَوْلَادًا؛ فَأَحْيَانًا لَا تُفْصِحُ الْبِنْتُ عَمَّا بِدَاخِلِهَا؛ فَتَظَلُّ تَكْظِمُ أُمْنِيَاتِهَا وَغَيْظَهَا مِنْ أُسْرَتِهَا؛ حَتَّى تُصَابَ بِعُقَدٍ نَفْسِيَّةٍ أَوِ اكْتِئَابٍ مُزْمِنٍ, وَلِلْأَسَفِ فَالْوَاقِعُ مَلِيءٌ بِقِصَصٍ مِنْهَا, وَكَمْ مِنْ آبَاءٍ وَأُمَّهَاتٍ عَضُّوا أَصَابِعَ النَّدَمِ عَلَى بَنَاتِهِمْ؛ لِمَا رَأَوْا مَا وَصَلْنَ إِلَيْهِ مِنْ أَحْوَالٍ نَفْسِيَّةٍ, لَكِنْ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَوَانِ!.

 

وَمِنْ أَضْرَارِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ: تَسَاهُلُ الْآبَاءِ وَالْفَتَيَاتِ فِي اخْتِيَارِ الزَّوْجِ؛ فَقَدْ تُوَافِقُ الْأُسْرَةُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى الْعَاصِي وَالْفَاجِرِ؛ إِذَا قَلَّ الْخُطَّابُ بَعْدَ رَدِّهِمْ لِلصَّالِحِينَ, فَيَخْشَوْنَ أَنْ يَفُوتَ الْبِنْتَ قِطَارُ الزَّوَاجِ؛ فَيُوَافِقُونَ عَلَى مَنْ يَطْرُقُ بَابَهُمْ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ حَالِهِ؛ بِسَبَبِ الضُّغُوطِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي يَتَعَرَّضُونَ لَهَا!, وَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ الْجِنَايَةُ فِي دِينِهَا؛ فَرُبَّمَا انْحَرَفَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ صَالِحَةً طَائِعَةً؛ فَأَثَّرَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا، وَ"الصَّاحِبُ سَاحِبٌ", وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الرَّجُلِ مَنْ لَا يَخْشَوْنَ اللهَ؛ فَيَنْتَشِرُ الْفَسَادُ فِي الْمُجْتَمَعِ, وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا

عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

وَمَا دَانَ الْفَتَى بِحِجًى وَلَكِن

يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبُوهُ

 

فَيَا أَيُّهَا الْآبَاءُ: اتَّقُوا اللهَ فِي بَنَاتِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ, وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- سَائِلُكُمْ عَنْهُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: هَلْ نَصَحْتُمْ لَهُنَّ؟ هَلْ حَفِظْتُمْ أَمْ فَرَّطْتُمْ؟ هَلِ اخْتَرْتُمْ لَهُنَّ الزَّوْجَ الصَّالِحَ؟! قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "ما مِن عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْها بنَصِيحَةٍ؛ إلَّا لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ"(متفق عليه).

 

أيها الأحبة: لقد أثًّر الإعلام كثيراً في عقول كثير من فتياتنا, فالأفلام والمسلسلات وما تبثه من سموم فكرية حول الزواج؛ أدى إلى انتشار ظاهرة عزوف الفتيات عن الزواج؛ فمنهنَّ من تنتظر فارس أحلامها الذي ترسم له صفاتاً محددة؛ شكلاً ومظهراً ووظيفةً وتعليماً!, وتريد أن تعيش معه قصص الحب الزائفة التي تدندن حولها المسلسلات والأفلام؛ وهكذا تنتظر الفتاة ذلك السراب المجهول, وترد لأجله كل خاطبٍ يطرق بابها!.

 

ومنهن من ترد الخاطب لتكمل تعليمها مع أنه لا تصادم بين التعليم والزواج؛ فكم من بنت تزوجت وأكملت تعليمها وهي متزوجة؛ بل شجعها زوجها وساعدها على ذلك, سئل الشيخ بن عثيمين عمن ترفض الزواج بحجة الدراسة؟ فأجاب: "حكم ذلك أنه خلاف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن النبي قال :"إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه"، وقال: "يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج...", وفي الامتناع عن الزواج تفويت لمصالحه، فالذي أنصح به إخواني المسلمين من أولياء النساء وأخواتي المسلمات من النساء أن لا يمتنعن عن الزواج من أجل تكميل الدراسة".

 

وننصح بنات المسلمين أن يتقين الله وأن يقبلن بأصحاب الدين والخلق؛ امتثالا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"(صححه الألباني)؛ فتأخير الزواج فيه ضررٌ كبيرٌ على المرأة, ولعلها تدرك ذلك بعد أن يفوتها قطاره, فتندم حين لا ينفع ندم, وما أكثر من ندمن ولكن بعد فوات الأوان!.

 

لقد عاش آباؤنا وأمهاتنا ومن قبلهم حياة زوجية سعيدة هانئة مستقرة, يخطب الرجل المرأة دون أن يعرفها ويتم الزواج؛ فيجعل الله فيه البركة وتأتي المحبة والمودة بين الزوجين؛ كما قال -تعالى-: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الروم: 21]؛ فلتحذر بناتنا من هذه السموم الفكرية والأوهام التي تبثها القنوات, فما أفسد لحياة المسلم من عصيانه لربه ومخالفته لنبيه!.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، الَّذِي أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].