الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | جماز بن عبد الرحمن الجماز |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
معاشر المسلمين: حوادث الطرق، حرب مدمرة، بمعدات ثقيلة تنزف فيها الدماء وتستنزف فيها الثروات، حرب معلنة، ليس فيها إلا كاسب واحد، هو الإهمال، وضعف التربية، ونقص الوعي، والتخلي عن المسؤولية، ما تستقبله المستشفيات والمقابر. وما تحتضنه مراكز التأهيل وملاجئ الأيتام ودور الرعاية الاجتماعية. كل ذلك أو جله، ضحايا التهور وعدم المسؤولية، مركبات متنوعة، ووسائل نقل متعددة، يُساء استخدامها، ويقودها من لا يقدرها حق قدرها...
الخطبة الأولى:
الحمد الله على ما منح من الإنعام وأسدى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، من خطايا وذنوب لا تحصى عدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجوها عنده ذخراً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أعظم به رسولاً، وأكرم به عبداً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، كانوا أمثل طريقة وأقوم وأهدى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: يقول ربنا -تبارك وتعالى-: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)[الأنعام: 82].
بالأمن على الأنفس، والأمن في الأوطان، تتفتح دروب الإنتاج، وتتفتق مهارات الإبداع، ويتحقق -بإذن الله- النماء.
الأمن، هو: الركيزة التي يقوم عليها استقرار المجتمعات، ورخاء الشعوب: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش:3-4].
وفي نظرة فاحصة، يدرك المتأمل، أن الأمم تتعرض في حياتها لمتاعب ومشقات، بعضها هين يسير، وبعضها ثقيل عسير، ولكن الكيان يتزلزل، والرشاد يتخلخل، حين تسترخص الدماء وتزهق الأرواح.
معاشر المسلمين: الحفاظ على المنهج، من أغلى المطالب إن لم يكن أغلاها، والإنسان أكرم المخلوقات على الله، خلقه وكرمه وفضله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[الإسراء: 70].
والنفس الإنسانية، ليست ملكاً لصاحبها، وليست ملكاً لأحد من الناس، وإنما هي ملك لله وحده.
ومن أجل ذلك: حرم سبحانه الاعتداء عليها، حتى من قبل صاحبها: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)[النساء: 29].
ومع وضوح ذلك وجلائه في أصول الديانة، وثباته ورسوخه في فقه الشريعة، إلا أنه مع الأسف، وفي خضم الغفلة والإهمال، وقلة المبالاة من المرء نفسه، وممن حوله من أهله، ومن له سلطان عليه، ترى من يجازف، ثم يمارس أفعالاً وسلوكيات تلقي بالنفس إلى التهلكة، وتوقع الغير في الهلكة، ترى أرواحاً تزهق، ونساء تترمل، وأسراً تفنى، وأطفالاً تيتم، وأمراضاً مزمنة، وإعاقات مستديمة، ترى منشآت تهدم، ومنجزات تتلف، والآن الملايين من الريالات والدراهم تهدر، فواجع تصل إلى حد الهلع، وخسائر تصل إلى حد الإفلاس، أطفال في مستقبل الحياة، وشباب في نفرة العمر، ترى! ما حال البيت وقد فقد عائله؟
ما حال المرأة وقد فقدت من يرعاها وأطفالها؟
ما حال الوالدين وقد زهقت روح شابهما اليافع، وصبيهما الأمل؟
ما حال الأسرة وقد حل بها معاق، علاجه مكلف، والكد عليه مرهق، أصبح مقعداً عاجزاً، عالة على أهله ومجتمعه ودولته، حسرة في القلوب، وعبء على الكاهل، بسبب ماذا كل هذا؟ ومن أجل ماذا كل هذه المعاناة؟
إنه بسبب فعل متهور، وتصرف طائش، وعمل غير مسئول!.
ماذا يبقى إذا هانت الأرواح واسترخصت الدماء؟
إلى أي هاوية هؤلاء ينحدرون؟
لقد فاضت نفوس زكية، ودماء برية، فمتى تفيض دوافع العقلانية؟
متى تستيقظ مشاعر لإحساس بالمسؤولية؟
متى يهتدي الضالون؟ متى يستفيق الغافلون؟
كل هذه المصائب، وجل هذه المآسي، راجعة إلى الإخلال بحق الطريق، والتفريط في آداب المسير، والإهمال في قواعد المرور.
يخيل لفئة من الناس، عن رعونة وجهل واستهتار وإهمال: أن الطريق، هو المكان الذي يتحرر فيه من الضوابط وقواعد التعامل، يتحلل من الآداب والمسؤوليات، ليعطي نفسه حق التصرف كما يريد، والفعل كما يشاء، متجاوزاً الخلق الحسن ومبتعداً عن الذوق الرفيع.
الطرق، هي: مسلك الناس إلى شؤونهم، ومعابرهم إلى قضاء حوائجهم، وهي دروبهم في حركاتهم وفي تحركاتهم وتحصيل منافعهم، هي سبيلهم إلى أسواق التجارة وكسب المعاش.
وهي منافذهم إلى المعاهد والمدارس، ودور العلم والمساجد، والمنتزهات في الأسفار والرحلات، وكل أنواع الحركة والتنقلات.
فواجب على كل مسلم، أن يرعى الطريق، ويؤدي حقه، ويلتزم بأدبه.
معاشر المسلمين: حوادث الطرق، حرب مدمرة، بمعدات ثقيلة تنزف فيها الدماء وتستنزف فيها الثروات، حرب معلنة، ليس فيها إلا كاسب واحد، هو الإهمال، وضعف التربية، ونقص الوعي، والتخلي عن المسؤولية، ما تستقبله المستشفيات والمقابر، وما تحتضنه مراكز التأهيل وملاجئ الأيتام، ودور الرعاية الاجتماعية، كل ذلك أو جله، ضحايا التهور وعدم المسؤولية، مركبات متنوعة، ووسائل نقل متعددة، يُساء استخدامها، ويقودها من لا يقدرها حق قدرها، فتُحصد الأرواح، وتهدر الممتلكات.
نتاجها؛ قطع للأيدي، وبتر للأرجل، وكسر للعظام، هلكى ومعاقون، عجزة ومقعدون، موتى ومشلولون، في صور مأساوية، يصحبها دموع وآهات، وتقلبات وأنات، يهلكون أنفسهم، ويبكون أهاليهم، ويرهقون اقتصادهم، ويبقون عالة على مجتمعهم ودولتهم.
يا أيها المؤمنون: لا بد من التربية والتوجيه، من أجل بناء إرادة قوية، ومسلك صحيح لوقف النزوات الطائشة، يمتزج فيه الرفق مع الصرامة، والعقاب مع التوجيه والتربية مع المحاسبة، جدية من خلال احترام النظام والدقة في تطبيقه، والعدالة في تنفيذه والقدوة في التزامه.
لا بد من معالجة السلوكيات الخاطئة، والمفاهيم المغلوطة، والممارسات المتهورة، يقول تعالى: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً)[الإسراء: 37].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه - تعالى - جواد كريم، ملك بر رؤوف رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشكره على إنعامه وإفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الشافع المشفع في المحشر، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون-: واعلموا أن الحفاظ على الأرواح، وأمن الجماعة، وصيانة الممتلكات، مسؤولية مشتركة، كل مطالب بالقيام بمسؤوليته.
الأمن غاية الجميع، السلامة هدف الجميع، ولن يتم ذلك على وجهه، إلا بالتعاون بين كل فئات المجتمع وطبقاته.
ولم يكن الخلل، ولم تحدث المآسي المفجعة؛ إلا بسبب الإهمال والإتكالية، وعدم المبالاة.
فهذا قد قصر في تبليغ الجهات المسؤولة، ومسؤول قد قصر في التفاعل مع البلاغ، ومبلغ يخشى من تبعات التبليغ، والروتين يصدق ذلك، أو يكذبه.
ومما لا يمكن إغفاله: رعاية الأنظمة وتطبيقها بصرامة وعدالة، عقوبات وزواجر لمن يخالف، وردعاً لمن يريد أن يجازف.
لا بد من الحزم في تنفيذ الجزاءات الرادعة، ولا سيما في حق المتهورين، وغير المبالين، وأصحاب السوابق.
لابد من التزام الناس بالقيادة الحسنة، وفقه الأنظمة، وإدراك التعليمات، وحسن تطبيقها، ودقة الالتزام بها، والله -جل وعلا- يقول: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[لقمان: 18-19].
فالسير الآمن، مقصد من مقاصد الشريعة، وأدب رفيع من أدب القرآن الكريم، حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه، وهدانا صراطه المستقيم.
هذا، وصلوا وسلموا على من بلغ البلاغ المبين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك.