البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن علي النهابي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
هذه صورة مختصرة مما يقوم به أعداء الإسلام، وأعداء الإنسانية من الإجرام والفساد في حق البشرية، وفي عصرنا الحاضر يشتد العداء، ويزيد البلاء من قبل هؤلاء، ويحيكون المخططات، ويعقدون المؤتمرات؛ للوصول إلى أغراضهم، وجرِّ العالم لينصهر في محيطهم، وفي أفكارهم، وتبقى حياة الشعوب على نهجهم ..
الحمد لله الذي جعل المرأة في الإسلام محل عناية وإكرام، ورفع شأنها وأزال عنها الظلم والاحتقار والآثام، ووفيت حقوقها على أكمل الوجوه، وغاية الكمال والتمام، أحمده -سبحانه- فهو المستحق للحمد في كل مقام، وأشكره على وافر نِعَمِهِ على الدوام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى كل الأنام، صلى الله عليه وآله وأصحابه الأئمة الأعلام، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان على الإيمان والإسلام، وسلم تسليماً.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله -تعالى- حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: اثبتوا على دينكم، وحققوا توحيدكم، واصبروا وصابروا على ما تلاقون وما تواجهون من كيد أعداء الإسلام؛ الذين ما فتئوا يسعون لكي يصدوكم عن دينكم وقيمكم ومبادئكم العظيمة وثوابتكم الراسخة في ظل شرعكم الحكيم، المنزل عليكم من عليم خبير، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
عباد الله: إنكم في وسط عالم متلاطم، يموج في فتن كأمواج البحر، يتزعمه ويتولى كبره أئمة الكفر، وأساطين الباطل، يعملون جاهدين بمكر دقيق، وخبث ظاهر؛ لتوجيه الأنظار إليهم، ولحمل الناس على اتباع باطلهم، ولصرفهم عن كل فضيلة وخير، وإيقاعهم فيما وقعوا فيه من الضلال والكفر، وهذا دأبهم في كل زمان ومكان، فقد أخبر الله عنهم؛ فقال: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً...) [النساء:89].
وإذا كان الأمر كذلك فلا غرابة أن يقوم هؤلاء بتمييع قضايا الأمم والشعوب، وإيقاد الفتن، وبث الفرقة والخلاف بين الجماعات والدول، وأن يكون لهم نصيب الأسد في استغلال الثروات والخيرات، ثم ردّ تلك الأمم والشعوب عن مبادئها وقيمها، وبث الشبهات وتلفيق الافتراءات؛ لزعزعة الناس، والتشكيك فيها، ثم عملوا جاهدين من عدة اتجاهات وقنوات؛ ففي الجانب الحياتي السياسي فصلوا الدين عن شؤون الحياة، وزعموا عدم إمكانية تسيير شؤون الحياة مع تعاليم الدين.
وفي الجانب الاقتصادي نشروا الفوضى الاقتصادية، والمعاملات الربوية، والاحتكارات الذاتية، وإيجاد الطبقية بين الشعوب، حيث الفقر والجوع يخيم على غالب الشعوب، بينما هناك ثلة من تلك الشعوب تكتنز المال، وتسيطر عليه، فأثاروا بذلك الأحقاد، وأوجدوا العداوات.
وفي الجانب الأخلاقي تعدوا على المثل والأخلاق، ونشروا المنكرات، ونشروا الفساد في كل الوسائل، فأصبحت الشعوب تحت طائلة الفوضى الإباحية والأخلاقية.
عباد الله: هذه صورة مختصرة مما يقوم به أعداء الإسلام، وأعداء الإنسانية من الإجرام والفساد في حق البشرية، وفي عصرنا الحاضر يشتد العداء، ويزيد البلاء من قبل هؤلاء، ويحيكون المخططات، ويعقدون المؤتمرات؛ للوصول إلى أغراضهم، وجرِّ العالم لينصهر في محيطهم، وفي أفكارهم، وتبقى حياة الشعوب على نهجهم.
ولما كانت المرأة لبنة المجتمع، وقاعدته، وهي أم الرجال، ومربية الأجيال جعلها الله - سبحانه - لوظائف خاصة، وميزها عن الرجل بميزات وطبائع تختلف عنه؛ من حيث التكوين، والطبع، تلك المرأة التي هي الأم، والأخت، والزوجة، والبنت التي حارت عندها الأقدام، ووقفت من أجلها الأقلام، قد أعزها الله، وشرفها بالإسلام، وجعلها محل عناية وإكرام، ووفَّى حقوقها بالتمام، وخلصها من رق الجاهلية، وطهرها وزكاها من الآثام، فكانت في الإسلام محل عناية واهتمام، فكانت النساء شقائق الرجال في الثواب والعقاب، وصالح الأعمال.
تلك المرأة التي أكرمها دين الإسلام أيما إكرام، ففي كونها أمًّا جعل حقها من أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى، قال -سبحانه-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا...) [الإسراء:23]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل حين سأله من أحق الناس بحسن صحابتي، قال: "أمك"، قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات.
وفي كونها بنتاً عني الإسلام بولايتها ورعايتها، وجعل من أفضل الأعمال القيام على البنات بحسن التربية والرعاية.
وفي كونها زوجة أوصى بالاهتمام بها، وإكرامها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، ثم جعل الإسلام لها حقوقاً وافية في المعاملة والعلاقات الزوجية؛ يقول سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ...) [البقرة:228]، وحرم الإضرار والمساس بحقوقها، قال سبحانه: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ...) [البقرة:231].
تلك نماذج قليلة من عناية الإٍسلام بالمرأة، وإكرامها.
عباد الله: إن ألْسِنَة قد تكلمت، وأقلاماً قد كتبت، ومؤتمرات قد عقدت حول قضايا تتعلق بالمرأة، تشم من رائحتها السم في العسل، والغث في السمين تنعق بحقوق المرأة، وتطالب بمساواتها، وحريتها، وتزعم أنها في قيد، وكبْتٍ، وظلم في ظل الإسلام، وتنادي بإطلاق حريتها في غير حد ولا ضابط، وبمساواتها بالرجل في كل الظروف والأحوال.
وتقف الزعامات والقيادات النسائية المغلوبة على أمرها؛ لتعلن ذلك، وترفع به رأساً في تلك المؤتمرات النسائية الأربعة المعقودة من أجل المرأة، والذي يعقد آخرها هذه الأيام في الصين، في مدينة بكين، ذلك المؤتمر الذي أُعِدَّ له إعداداً دقيقاً من قبل هيئة الأمم المتحدة، والذي تحمل وثائقه الخروج على المبادئ والقيم والأخلاق، تحمل وثائقه الدعوة الصريحة للإباحية والشذوذ، تروج وثائقه للفساد الجنسي المأمون؛ يعني: المأمون صحياً من الأمراض المعدية؛ كالإيدز، والسيلان، والهربس وغيرها، وتطالب بحق المراهقين في خصوصياتهم السرية الجنسية، تلغي وثائقه الفروقات بين الرجل والمرأة، وتجعلهما من نوع واحد، وخلق واحد، فتخرج المرأة من طبيعتها، ومن طورها، وما هيئت له.
هذه - عباد الله - ملامح عامة حول ما يجري في هذا المؤتمر، وما يناقش فيه، وهو موجه إلى المرأة المسلمة خاصة، هذا المؤتمر يناهض الإسلام، ويرفض قيمه، ويحتقرها، ويدعو المرأة إلى خلعها، والتخلص منها.
هذا المؤتمر يُلزم المشاركين فيه بإنفاذ قراراته عند التوقيع عليها.
وبعد: فإن هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات التي يقصد بها الخروج عن القيم والمبادئ لهو من الأضرار البشرية، ومن الخطر على الأمة الإسلامية.
لقد أنكرته اللجان والهيئات الإسلامية، محذرةً الأمة الإسلامية من خطره، ومغبة تبني أفكاره.
وهنا في المملكة العربية السعودية حذرت هيئة كبار العلماء من خطر مثل هذا المؤتمر الذي يخالف القيم الإسلامية، ويصادم الفطر الربانية.
عباد الله: إننا تكلمنا عن هذا الموضوع وإن كنا لم نعطِهِ حقه في الكلام؛ لأنه موضوع حساس، يهمنا جميعاً، والكل قد يقرأ، أو يسمع، أو يرى ما يناقش في هذا المؤتمر فيلتبس عليه الوضع، أو يحلله تحليلات خاطئة، وقد تقرأ النساء عنه كثيراً فيقع في قلوبهن شيء من الريب والشك، فيدخلهن الشيطان من مداخله، (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) [الحج:53].
فاتقوا الله عباد الله، واتقوا الفتن، واعتصموا بالله هو مولاكم، فنعم المولى ونعم النصير.
وفقني الله وإياكم إلى هدى كتابه، وسلك بنا طريقة أحبابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.