الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
ولا غرابة أن يكون خير وصف وُصِفَ به خير رسول الخُلُق العظيم المفسر إجمالاً -فيما سمعتم- والذي كماله وجماله وجماعه؛ في أن يرتسم المرء في جميع أمره تعاليم الشريعة الغراء، فيمشي معها حيث مشت، ويقف حيث وقفت، فهذا الخلق أساس الاستقامة المطلوبة، وقطب رحى دين الإسلام الذي تدور عليه؛ فلا دين لمن لا خلق له بهذا المعنى، ولا خلق لمن لا دين له
الخطبة الأولى:
الحمد لله الملك الخلاق، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فليس له من دونه من ولي ولا واق. أحمده تعالى وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى كل من تخلق بأخلاقه واهتدى بهداه إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون: لقد جاء دين الإسلام الحنيف بأمثل الأخلاق، وأتم السجايا وأكرمها، جاء بها متمثلة في أخلاق وآداب، وأفعال وأوامر، وترك نواهي ذي الخلق الكامل والأدب الرفيع محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه- الذي أدبه ربه؛ فأحسن تأديبه، وهذبه؛ فأحسن تهذيبه، وجعله بهذا الأدب الأمثل والخلق الكامل؛ مثالاً يحتذى، وإماماً يقتدى بقوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21] وقوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7].
والخلق الذي جاء به ووصف به في قول الله سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4] جاء مفسراً فيما رواه الإمام مسلم -رحمه الله- قالت زوجه عائشة -رضي الله عنها- في تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) قالت: "كان خلقه القرآن"، ومعنى ذلكم أنه متأدب بآداب القرآن، ممتثل أوامره، متجنب نواهيه.
وقالت زوجه الأولى خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- لما جاءها يرجف لما رأى جبريل أول مرة نزل عليه بالوحي، ولم يكن يعهد ذلك من قبل يقول: "دثروني" قالت: "كلا والله، لا يخزيك الله أبداً، إنك لتقري الضيف، وتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق".
ولا غرابة -أيها الأخوة- أن يكون خير وصف وُصِفَ به خير رسول الخُلُق العظيم المفسر إجمالاً فيما سمعتم، والذي كماله وجماله وجماعه؛ في أن يرتسم المرء في جميع أمره تعاليم الشريعة الغراء، فيمشي معها حيث مشت، ويقف حيث وقفت، فهذا الخلق أساس الاستقامة المطلوبة، وقطب رحى دين الإسلام الذي تدور عليه؛ فلا دين لمن لا خلق له بهذا المعنى، ولا خلق لمن لا دين له.
فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وتحلوا بأكرم الأخلاق، فما أنتم إلا بدينكم، ولا دين إلا بالتحلي بالأخلاق الفاضلة والشمائل الإسلامية، فما -وأيم الله- سادت الأمة الإسلامية سلفاً، وما رفعت لواء الإسلام عالياً خفاقاً، ولا امتد لها سلطان، ولا قبل لها دعوة بطواعية ورضى؛ إلا بتمسكها بأخلاق نبيها، وآداب دينها.
وما هُدَّ عرش، وما أزيل من سلطان، وما فرق من مجتمع، وما تجرئ على أمر ذي بال؛ إلا بضياع تلكم الأخلاق الإسلامية من نفوس أهلها، وانغماسهم في الشر والفساد وقديماً قيل:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت | فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا |
وقال قبل ذلكم خير قائل وأصدق قائل -عز شأنه-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء:16] يقول -عليه الصلاة والسلام-: "البر حسن الخلق" رواه مسلم.
ويقول: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" [السلسلة 45]. ويقول: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً" متفق عليه. ويقول: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن" [رواه أحمد].
فاتّقوا الله وتخلّقوا بأخلاق رسول الله أمثال ما سبق، وما وصفه به ربه سبحانه في قوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128]، وما وصف به أتباعه من أنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم، وأنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.
نسألك اللهم أن تهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأن تصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي العزة والجلال، الحمد لله الكبير المتعال، وأحمده تعالى وأشكره، وأعوذ به من سيء الأقوال وفاحش الأعمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وعلى كل من تخلق بخلقه واهتدى بهديه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281] ، واعلموا أن دين الإسلام اليسر الكريم كما دعا إلى أمثل السجايا وأكرم الأخلاق؛ فقد نهى أشد النهي عن رديء الأخلاق وساقطها، وفاحشها وبذيئها.
فالقرآن الذي هو خلق ذي الخلق الكامل -صلوات الله وسلامه عليه- كما دعا إلى الأخلاق الكريمة والشيم العالية، فقد نهى أشد النهي عن الأخلاق الذميمة والصفات السافلة، يقول -سبحانه وتعالى-: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) [الأنعام:151].
ونموذج تلكم الفواحش الذميمة والأخلاق السافلة؛ مبين وموضح في كتاب الله -عز وجل- في مثل قوله: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام:151]، وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) [الحجرات:11] إلى قوله سبحانه: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات:12] وقوله: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) السورة [الهمزة:1]
وقوله: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) السورة [الماعون:1] وقوله: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ* أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ) [القلم:10-14]
هذه -أيها المسلمون- نماذج للأخلاق السافلة والصفات الذميمة التي لا يجوز أن يرتكبها متأدب بآداب الدين ومتخلق بأخلاق سيد المرسلين، نعم لا يجوز أن يرتكبها من يطمع في شفاعة القرآن ومجادلة القرآن عنه، في أحرج الظروف وأضيقها في يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
نعم والله، لا يجوز أن يرتكبها من يطمع في ذلكم، من يطمع في النجاة من نار وقودها الناس والحجارة، فهي مناهٍ وحرمات من حرمات الله.
وأسوأ الأخلاق وأحط الأخلاق وأشرها وأرذلها؛ انتهاك حرمات الله وإضاعة حقوقه، فمن انتهك حرمات الله؛ فقد انتهك حرمة خلقه، حرمة قدره، حرمة عرضه، حرمة مركزه وحصانته، وقيمته في الوسط الذي يعيش فيه؛ حرمة نفسه وعرضها لعذاب النار والذل قبل ذلكم في الدنيا والهوان والصغار، ومن يهن الله فما له من مكرم.
فاتقوا الله -عباد الله-، وتجنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتخلقوا بالأخلاق الفاضلة؛ تحترموا في الدنيا وتجزون في الآخرة الجزاء الأوفى الذي وعد به صادق الوعد من تخلقوا بالأخلاق الكريمة في قوله: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) [الفرقان:63] إلى قوله: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) [الفرقان:75-76].