السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | د عبدالله بن مشبب القحطاني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
فَالْمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- رَقِيبُهُ وَشَاهِدُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ فَنَجِدُهُ يُرَاقِبُ حَتَّى أَنْفَاسَهُ، وَيَجْعَلُ عَمَلَهُ خَالِصًا لِرَبِّهِ، وَيُرَاقِبُ اللَّهَ فِي كُلِّ شَيْءٍ.. اسْتَشْعَرَ رِقَابَةَ رَبِّهِ؛ فَبَلَغَ مَقَامَ الْإِحْسَانِ.. قَالَ الْعُلَمَاءُ: مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ: مُرَاقَبَةُ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: مِنْ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ عِنْدَ اللَّهِ: اسْتِشْعَارُ الْمُؤْمِنِ رِقَابَةَ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنَّ اللَّهَ مُرَاقِبُهُ، قَالَ اللَّهُ عَنْ نَفْسِهِ: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، فَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الرَّقِيبُ الْمُطَّلِعُ عَلَى مَا أَكَنَّتْهُ الصُّدُورُ، وَهُوَ الْحَافِظُ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ.
وَرَبُّنَا الْعَالِمُ بِمَا فِي الضَّمَائِرِ، الشَّاهِدُ عَلَى أَكِنَّةِ السَّرَائِرِ وَلَحَظَاتِ الْعُيُونِ، الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، وَرَبُّنَا رَقِيبٌ رَاصِدٌ لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ وَكَسْبِهِمْ.
وَهُوَ رَقِيبٌ حَافِظٌ لَا يَغِيبُ عَمَّا يَحْفَظُ، حَفِظَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَجْرَاهَا عَلَى أَحْسَنِ نِظَامٍ وَأَكْمَلِ تَدْبِيرٍ.
وَهُوَ الرَّقِيبُ عَلَى الْخَوَاطِرِ وَاللَّوَا | حِظِ كَيْفَ بِالْأَفْعَالِ وَالْأَرْكَانِ؟! |
(وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[يُونُسَ: 61]؛ حَالَاتُ الْعَبْدِ وَتَقَلُّبَاتُهُ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ، وَسِرِّهِ وَجَهْرِهِ، وَحَضَرِهِ وَسَفَرِهِ.
فَالرَّقِيبُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يَسْمَعُ وَيَرَى، بَلْ يَعْلَمُ الْمَكْنُونَ فِي الصُّدُورِ قَبْلَ أَنْ تَنْطِقَ الشِّفَاهُ وَتَكْتُبَ الْأَقْلَامُ فِي السُّطُورِ.
أَحَاطَ عِلْمُهُ الْمَطْلَقُ بِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَاطِّلَاعُهُ التَّامُّ عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ؛ فَلَا يَنِدُّ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنِ اطَّلَاعِهِ شَيْءٌ، وَلَا يَفُوتُ عَنْ إِحَاطَتِهِ شَيْءٌ، لَا الْغَائِبُ تَسْتُرُهُ غَيْبَتُهُ عَنِ الرَّقِيبِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَلَا الْخَافِي يَحْجُبُهُ خَفَاؤُهُ عَنِ الْعَظِيمِ، النَّجْوَى عِنْدَهُ جَهْرٌ، وَالسِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ، وَالْخَفَاءُ عِنْدَهُ مَكْشُوفٌ.
آيَةٌ وَاحِدَةٌ تَجْعَلُ الْإِنْسَانَ فَقِيهًا قَرِيبًا مِنْ رَبِّهِ كُلَّمَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَطَبَّقَهَا؛ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1].
جَاءَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ: "أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرِئْنِي سُورَةً جَامِعَةً؟ فَأَقْرَأَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا زُلْزِلَتِ...)[الزَّلْزَلَةِ: 1]، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِ أَبَدًا. ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ).
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ: "أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَرَأَ عَلَيْهِ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزَّلْزَلَةِ: 7-8]، فَقَالَ: "حَسْبِي لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَسْمَعَ غَيْرَهَا"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ).
فَالْمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- رَقِيبُهُ وَشَاهِدُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ فَنَجِدُهُ يُرَاقِبُ حَتَّى أَنْفَاسَهُ، وَيَجْعَلُ عَمَلَهُ خَالِصًا لِرَبِّهِ، وَيُرَاقِبُ اللَّهَ فِي كُلِّ شَيْءٍ.. اسْتَشْعَرَ رِقَابَةَ رَبِّهِ؛ فَبَلَغَ مَقَامَ الْإِحْسَانِ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ: مُرَاقَبَةُ اللَّهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ.
ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "صَفْوَةِ الصَّفْوَةِ" عَنْ أَسْلَمَ قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ يَعُسُّ الْمَدِينَةَ إِذْ أَعْيَا وَاتَّكَأَ عَلَى جَانِبِ جِدَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَإِذَا امْرَأَةٌ تَقُولُ لِابْنَتِهَا: "يَا ابْنَتَاهْ! قُومِي إِلَى ذَلِكَ اللَّبَنِ فَامْذُقِيهِ بِالْمَاءِ"، فَقَالَتْ لَهَا: "يَا أُمَّتَاهْ! وَمَا عَلِمْتِ مَا كَانَ مِنْ عَزْمَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ؟"، قَالَتْ: "وَمَا كَانَ مِنْ عَزْمَتِهِ يَا بُنَيَّةُ؟"، قَالَتْ: "إِنَّهُ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَلَّا يُشَابَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ!"، فَقَالَتْ لَهَا: "يَا بُنَيَّةُ! قُومِي إِلَى اللَّبَنِ فَامْذُقِيهِ بِالْمَاءِ؛ فَإِنَّكِ بِمَوْضِعٍ لَا يَرَاكِ عُمَرُ وَلَا مُنَادِي عُمَرَ"، فَقَالَتِ الصَّبِيَّةُ: "يَا أُمَّتَاهْ! مَا كُنْتُ لِأُطِيعَهُ فِي الْمَلَأِ وَأَعْصِيَهُ فِي الْخَلَاءِ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- مَرَّ بِرَاعِي غَنَمٍ؛ فَقَالَ: يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ، هَلْ مِنْ جَزْرَةٍ (الشَّاةُ الَّتِي تَصْلُحُ لِلذَّبْحِ)؟ قَالَ الرَّاعِي: لَيْسَ هَهُنَا رَبُّهَا! قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَقُولُ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَرَفَعَ الرَّاعِي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ اللَّهُ؟! فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِيَ، وَاشْتَرَى الْغَنَمَ؛ فَأَعْتَقَهُ وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ".
يَا سَعَادَةَ مَنْ كُلُّ حَالِهِ كَرَاعِي الْغَنَمِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: الْعَبْدُ بِقَدْرِ مَعْرِفَتِهِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَالْعَمَلِ بِهَا تَكُونُ سَعَادَتُهُ فِي الدَّارَيْنِ، وَبِقَدْرِ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فِي حَيَاتِكَ؛ تَكُونُ مَعِيَّةُ اللَّهِ لَكَ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ؛ كَانَ عَيْنَكَ الَّتِي تُبْصِرُ بِهَا، وَسَمْعَكَ الَّذِي تَسْمَعُ بِهِ، وَيَدَكَ الَّتِي تَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَكَ الَّتِي تَمْشِي بِهَا. فَرَاقِبْ مَوْلَاكَ قَبْلَ الطَّاعَةِ، وَفِي الطَّاعَةِ، وَعِنْدَ الْمُبَاحَاتِ، وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ.
أَمَّا قَبْلَ الطَّاعَةِ فَتَكُونُ بِمُرَاقَبَةِ النِّـيَّةِ وَإِصْلَاحِهَا؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ)، قَالَ الْحَسَنُ: "رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا وَقَفَ عِنْدَ هَمِّهِ؛ فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ مَضَى، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ تَأَخَّرَ".
وَفِي الطَّاعَاتِ بِأَنْ تُسْتَمَرَّ الْمُرَاقَبَةُ لِلَّهِ، وَتَكُونَ خَالِصَةً لِوَجْهِهِ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الْأَنْعَامِ: 162-163].
وَأَمَّا عِنْدَ الْمُبَاحَاتِ؛ فَتَكُونُ بِمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ، وَالشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ، وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ بِأَلَّا يَكُونَ اللَّهُ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ، فَالْمُؤْمِنُ سَرِيعُ الْعَوْدَةِ إِلَى مَوْلَاهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَالْإِقْلَاعِ: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)[آلِ عِمْرَانَ: 133].
فَإِذَا رَاقَبْتَ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عِنْدَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ كَانَتِ الثَّمَرَةُ انْشِرَاحًا لِلصَّدْرِ، وَقُرَّةً لِلْعَيْنِ. قِيلَ: مَنْ رَاقَبَ اللَّهَ فِي خَوَاطِرِهِ؛ عَصَمَهُ اللَّهُ فِي حَرَكَاتِ جَوَارِحِهِ.
فَمَنْ آمَنَ بِأَنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- رَقِيبٌ عَلَيْهِ، وَمُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَحَفِيظٌ عَلَى عَمَلِهِ -إِنْ كَانَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا- فَأَنَّى لَهُ أَنْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ؟ وَأَنَّى لَهُ أَنْ يَكْذِبَ؟ وَأَنَّى لَهُ أَنْ يُدَلِّسَ؟ وَأَنَّى لَهُ أَنْ يَغُشَّ وَيَحْتَالَ؟ قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: "أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ: مُرَاقَبَةُ الْحَقِّ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ".
وَأَهْمِسُ فِي أُذُنِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا)[الْأَحْزَابِ: 52]؛ فَإِنَّهُ يُخَاطِبُكَ خِطَابًا خَاصًّا، وَيَقُولُ لَكَ: يَا عَبْدِي، أَتَظُنُّ أَنَّكَ إِذَا أَفْلَحْتَ فِي سَتْرِ مَعَاصِيكَ عَنِ النَّاسِ أَنَّكَ تُفْلِحُ فِي النَّجَاةِ مِنِّي؟!
وَاللَّهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَسْأَلُ أَنْ لَا يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الرِّيَاءِ وَالنِّفَاقِ؛ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا؛ فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَبَاءً مَنْثُورًا" قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ؟! قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).
وَيَعُظُمُ هَذَا الِاسْمُ خَاصَّةً فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ الْفِتَنُ، وَسَهُلَ الْوُصُولُ إِلَيْهَا.
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ: *** خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ: عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفُلُ سَاعَةً | وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ |
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الرَّقِيبِ أَنْ تَجْعَلَنَا مِنْ أَوْلِيَائِكَ، وَنَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَالْعَدْلَ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
اللَّهُمَّ افْتَحْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَافْتَحْ لَنَا أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ؛ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.