الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | محمد بن سليمان المهوس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - التوحيد |
وَمِنْ مُقْتَضَى شَهَادَةِ أَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ: أَنْ تَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ مَا قِيلَ فِي حَقِّ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مِمَّنِ انْحَرَفَ عَنِ الْحَقِّ وَأَسَاءَ لِلْخَالِقِ؛ كَالنَّصَارَى الَّذِينَ سَبُّوا اللهَ مَسَبَّةً لَمْ يَسُبَّهُ بِهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، حَيْثُ تَعَدَّدَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي الْمَسِيحِ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-! حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ عِيسَى ابْنٌ للهِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ".
فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ بَيَانُ فَضْلِ التَّوْحِيدِ، وَمَا يُكَفِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ؛ فَـ"مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ"؛ أَيْ: تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ عَنْ عِلْمٍ وَيَقِينٍ، وَقَبُولٍ وَانْقِيَادٍ، وَصِدْقٍ وَإِخْلاَصٍ وَمَحَبَّةٍ أَنْ لاَ إِلَهَ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ -تَعَالَى- أَبَدًا, لاَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:21].
وَقَوْلُهُ: "وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"؛ أَيْ: يَشْهَدُ عَنْ عِلْمٍ وَيَقِينٍ وَصِدْقٍ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ, خَتَمَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ كُلَّ الرِّسَالاَتِ، وَنَسَخَ دِينُهُ كُلَّ الدِّيَانَاتِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَأَنَّ مُقْتَضَى شَهَادَةِ أَنَّهُ عَبْدٌ للهِ وَرَسُولِهِ تَتَمَثَّلُ فِي طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ، وَاجْتِنَابِ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ، وَأَلاَّ يُعْبَدَ اللهُ إِلاَّ بِمَا شَرَعَ.
وَقَوْلُهُ: "وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"؛ أَيْ: يَشْهَدُ عَنْ عِلْمٍ وَيَقِينٍ وَصِدْقٍ أَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ اللهَ خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ! كَمَا خَلَقَ آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلاَ أُمٍّ؛ كمَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)[آل عمران:59-60], وَقَوْلُهُ: "وَكَلِمَتُهُ"؛ أَيْ: كَلِمَةُ اللهِ -تَعَالَى- الْكَوْنِيَّةُ الْقَدَرِيَّةُ، وَأَنَّهُ بِهَا كَانَ؛ فَلَيْسَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- نَفْسَ الْكَلِمَةِ! وَإِنَّمَا بِالْكَلِمَةِ كَانَ؛ أَيْ: كُنْ فَكَانَ "أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ"؛ أَيْ أَنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا -وَهِيَ الْفَتْحَةُ عِنْدَ الْعُنُقِ-، فَحَمَلَتْ بِعِيسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بِأَمْرِ اللهِ -تَعَالَى-، "وَرُوحٌ مِنْهُ"؛ أَيْ: خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ وَكَائِنٌ مِنْهُ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)[آل عمران:45].
وَمِنْ مُقْتَضَى شَهَادَةِ أَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ: أَنْ تَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ مَا قِيلَ فِي حَقِّ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مِمَّنِ انْحَرَفَ عَنِ الْحَقِّ وَأَسَاءَ لِلْخَالِقِ؛ كَالنَّصَارَى الَّذِينَ سَبُّوا اللهَ مَسَبَّةً لَمْ يَسُبَّهُ بِهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، حَيْثُ تَعَدَّدَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي الْمَسِيحِ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-! حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ عِيسَى ابْنٌ للهِ -تَعَالَى-! فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)[الكهف:4-5].
وَقَالُوا: إِنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللهُ، فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة:72], وَقَالُوا: إِنَّهُ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ، أَيْ: يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ شَرِيكَيْنِ هُمَا مَرْيَمُ وَعِيسَى -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ-، فَيَأْتِي الرَّدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- بِقَوْلِهِ: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[المائدة: 73].
وَقَوْلُهُ -عليه الصلاة والسلام-: "وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ"؛ أَيْ: يَشْهَدُ يَقِينًا أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ الَّلاتِي أَخْبَرَ بِهِمَا اللهُ -تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ ثَابِتَتَيْنِ لاَ شَكَّ فِيهِمَا، وَأَنَّهُ أَعَدَّ الْجَنَّةَ لِلْمُتَّقِينَ، وَالنَّارَ لِلْكَافِرِينَ.
قَالَ: "أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ"؛ أَيْ: وَلَوْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ؛ فَإِنَّ فَضْلَ تَوْحِيدِهِ للهِ، وَشَهَادَتِهِ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَلِنَبِيِّهِ بِالرِّسَالَةِ، وَنَفْيِ إِشْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ بِعِيسَى: أَنْ يُدْخِلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ وَلَوْ كَانَ مُقَصِّرًا.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاحْرِصُوا عَلَى تَوْحِيدِكُمْ؛ فَهُوَ أَغْلَى مَا يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ، وَمَنْ هَدَاهُ اللهُ إِلَيْهِ فَلْيَعَضَّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ، وَلْيَصُنْهُ مِمَّا يُنَاقِضُهُ أَوْ يَقْدَحُ فِيهِ أَوْ يُنقِصُهُ.
حَفِظَ اللهُ لَنَا تَوْحِيدَنَا، وَبَاعَدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشِّرْكِ كَمَا بَاعَدَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ؛ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهُ -تَعَالَى- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنْ دِينِكُمْ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاحْرِصُوا عَلَى تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ للهِ -تَعَالَى-، وَنَبْذِ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ وَالَّذِين مِنْهُمُ النَّصَارَى، وَسَمِعْتُمْ بَعْضًا مِنْ عَقَائِدِهِمُ الْكُفْرِيَّةِ بِعِيسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-؛ فَلاَ يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُشَارِكَهُمْ بِاحْتِفَالاَتِهِمُ الْكُفْرِيَّةِ، أَوْ تَهْنِئَتِهِمْ بِهَا، أَوْ مُمَارَسَةِ بَعْضٍ مِنْ طُقُوسِهِمْ؛ وَهَذَا لاَ يَعْنِي إِهَانَتَهُمْ أَوْ إِيذَاءَهُمْ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنَ الأَذَى طَالَمَا أَنَّهُمْ مُعَاهَدُونَ أَوْ أَهْلُ ذِمَّةٍ، أَوْ مُسْتَأمَنُونَ دَخَلُوا بِلاَدَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمَانٍ؛ فَدِينُنَا دِينُ الْوَسَطِيَّةِ وَالاِعْتِدَالِ لاَ دِينَ التَّطَرُّفِ وَالاِنْحِلاَلِ.
حَفِظَنَا اللهُ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ، وَأَحْسَنَ خَوَاتِمَنَا، وَرَزَقَنَا الْجَنَّةَ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].