البحث

عبارات مقترحة:

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. معنى قوله تعالى: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) .
  2. إن لم تتبع الكتاب والسنة فستبتدع لا محالة .
  3. الاتباع سبيل المعظمين للشريعة والابتداع سبيل أهل الأهواء والضلالة .
  4. الانقياد للشريعة واجب حتمي لا حرية لأحد في ذلك .

اقتباس

معاشر العباد: أدبٌ عظيم أدَّب الله به عباده وهو باقٍ إلى يوم القيامة: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أي: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة"، فهما طريقان لا ثالث لهما؛ إما الاتِّباع وإما الابتداع، إما أن يكون المرء متبعًا دين الله وما أنزل على عباده على هدى من الله، أو يكون متبعًا لهواه. إنَّ مَن ضعُف قدر الشرع عنده ولم يعظم...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الكريم الوهاب، أحمده سبحانه على نعمه العظيمة ومنَنه الجسيمة وآلائه التي لا تُعد ولا تحصى، أحمده جل وعلا حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى- فإن تقواه خير زاد، وهي خير عُدة يُعدُّها المرء ليوم المعاد.

أيها المؤمنون: يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الحجرات: 1].

معاشر العباد: هذا أدبٌ عظيم أدَّب الله به عباده وهو باقٍ إلى يوم القيامة، والمعنى كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أي: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة".

أيها المؤمنون: هما طريقان لا ثالث لهما؛ إما الاتِّباع وإما الابتداع، إما أن يكون المرء متبعًا دين الله وما أنزل على عباده على هدى من الله، أو يكون متبعًا لهواه.

وليحذر كل ناصحٍ لنفسه من أن يكون متبعًا لهواه على غير هدى من الله، يقول الله -تعالى-: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[القصص: 50]، وقال الله -عز وجل-: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[الأعراف: 3]، وقال الله -تعالى-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ *  إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا)[الجاثية: 18-19]، ويقول الله -تعالى-: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)[ص: 26]، ويقول الله -تبارك وتعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

أيها المؤمنون: يجب على كل مسلم أن يكون ناصحًا لنفسه بأن يزمَّها بزمام الشرع، وأن يلزمها هدي الله -جل في علاه- ووحيه المنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يحذر من الأهواء المحدثات والبدع المتبعات التي ما أنزل الله -تبارك وتعالى- بها من سلطان.

أيها المؤمنون: إنَّ مَن ضعُف قدر الشرع عنده ولم يعظم كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- لا يبالي بالصدود والإعراض عن الحق والهدى، ولا يبالي بالأهواء التي يقترفها والبدع التي يرتكبها، وذلك لضعف ديانته، ورقة دينه.

أما من يعظم شرع الله -تعالى- فإنه لا يقدِّم بين يدي الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- قول أحد كائنًا من كان، ولا يقدِّم هوى مهما عظم في نفسه، بل هو ملزِم نفسه بالحق والهدى الوحي المنزل من الله رب العالمين، قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْي فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ أَعْيَتْهُمُ الأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا فَقَالُوا بِالرَّأْي فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "مَنْ أَحْدَثَ رَأْيًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ وَلَمْ يَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَدْرِ عَلَى مَا هُوَ مِنْهُ إِذَا لَقِيَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-"، ويقول علي -رضي الله عنه-: "لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْي لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ"، والآثار عن السلف في هذا المعنى كثيرة.

أيها المؤمنون: جاء عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أثرًا عظيم الموقع كبير الأثر دالًا على إمامته وعظيم فضله وتعظيمه لكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال الحميدي -رحمه الله-: سأل رجلٌ الشافعي -رحمه الله- عن مسألة فقال: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا" أي في هذه المسألة، فقال رجل في المجلس: وما تقول أنت؟ فغضب رضي الله عنه ورحمه وقال: "ذكر الشافعي حديثا فقال له رجل: تأخذ به يا أبا عبد الله؟ فقال: أفي الكنيسة أنا! أو ترى على وسطي زنارا! نعم أقول به، وكل ما بلغني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قلت به".

أيها المؤمنون -عباد الله-: ما أعظم أن يوقر العبد سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نفسه وأن يُلزم نفسه باتباعها، وأن يحذر أشد الحذر مما أحدثه الناس من أنواع الضلالات، وصنوف الأباطيل.

أيها المؤمنون: وفي هذا المقام قد يقول بعض الناس "وماذا عن حرية الرأي؟" فيقال: أما غير المسلم فإنه لا قيد عنده يقيِّد رأيه فهو لا يخاف من لقاء الله ولا يُعد لذلك اليوم عدةً؟ وأما المسلم فإنه يتهم رأيه في الدين، ولا يعارض برأيه شرع رب العالمين، وإذا رأى رأيا ووجد أنه مخالفًا شرع الله اطَّرحه وتركه واتبع هدى رب العالمين.

وأما من يُعمل رأيه ويهمل شرع ربه فهذا في الحقيقة ليس حرية وإنما هو اتباع وعبودية للأهواء: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ)[القصص: 50].

نسأل الله -عز وجل- أن يعيذنا أجمعين من منكرات الأهواء والأدواء والأخلاق، وأن يعيننا أجمعين على اتباع هدي نبينا الكريم وصراطه المستقيم، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا بمنِّه وكرمه إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الخطبة الثانية:

الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-.

عباد الله: قال بعض السلف: "ما من فعلة وإن صغُرت إلا ويُنشر لها يوم القيامة ديوانان: في الأول لِم؟ وفي الثاني كيف؟" أي لم فعلت؟ وكيف فعلت؟ السؤال الأول سؤالٌ عن الإخلاص لله -جل في علاه-. والسؤال الثاني سؤالٌ عن المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ولا نجاة في ذلك اليوم إلا بالإخلاص للمعبود والاتباع للرسول -صلى الله عليه وسلم-.

جعل الله أعمالنا أجمعين لله خالصة، ولهدي نبيه -صلى الله عليه وسلم- موافقة.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦].

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.

اللهم وفقه وولي عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم اغفر لنا ووالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا، هنيئًا مريئا، سحًّا طبقا، نافعًا غير ضار.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.