المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات |
أيها المؤمنون: هذه النعمة هي من أغلى وأثمن ما يملكه الناس، فهو أساس الحياة وعصبها، ولولاه لما كانت هناك حياة لبشر أو حيوان أو نبات. وهو عماد اقتصاد الدول، وبتوافره تتقدم وتزدهر، وبنضوبه وغوره وشح موارده تحل الكوارث والنكبات. وهو غذاء الأرض والكائنات وحياتُها؛ وبفقده تذبل وتموت، فإذا...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي أنشأ وبرا، وخلق الماء والثرى، وأبدع كل شيء وذرا (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)[طه: 5-6]، له الحمد حمدا طيبا يملأ السموات العلا، وأقطارها والأرض والبر والبحرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له منه المبتدأ وعليه المعتمد وإليه المنتهى، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه النبي المصطفى، والقدوة المجتبى، صلَّى اللهُ وسلم عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومن تبعهم بإحسان ومن اهتدى.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ الله- في جميع شؤونكم، وتوكلوا عليه في جميع أموركم وأحوالكم تفوزوا وتفلحوا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ)[النساء: 131].
أيها المؤمنون: من أعظم هبات الخالق -جل وعلا- التي تفضل بها وسخرها سبحانه لجميع خلقه: نعمة الماء، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[النحل: 10-11]، وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون)[الأعراف: 57]، وهذه النعمة هي من أغلى وأثمن ما يملكه الناس، فهو أساس الحياة وعصبها، ولولاه لما كانت هناك حياة لبشر أو حيوان أو نبات، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ..)[الأنبياء: 30]، وهو عماد اقتصاد الدول، وبتوافره تتقدم وتزدهر، وبنضوبه وغوره وشح موارده تحل الكوارث والنكبات، فهو نعمة ومنة من الخالق -جل وعلا- توجب شكرها، والمحافظة عليها، وإذا نقصت أو ذهبت؛ فالله وحده هو الذي يأتي بها، قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ)[الملك: 30].
وهذا الماء هو غذاء الأرض والكائنات وحياتُها؛ وبفقده تذبل وتموت، فإذا نزل عليها اهتزت وربت وتحركت فيها الحياة وتلألأت بالخضرة والنضارة، وصدق الله العظيم: (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)[الروم: 50] فهل استشعرنا حقًّا قدر هذه النعمة عندما نجدها بين أيدينا سهلة ميسرة، تنهال علينا عذبًا فراتًا لأكلنا وشربنا وغسلنا ووضوؤنا وجميع احتياجاتنا؟ هل استشعرنا أهميتها وضروريتها في حياتنا، وأننا لا غنى لنا عنها طرفة عين؟
عباد الله: إن بلادنا تقع في منطقة صحراوية جافة، مرتفعة الحرارة، قليلة الأمطار، وعلى الرغم من ذلك فقد حباها الله -تعالى- بطبقات أرضية سميكة، تحتفظ بماء المطر، وكان هذا الماء يفيض ويتدفق من كثرته، وقد نفع الله -تعالى- بهذا الماء البلاد والعباد، إلا أنه ومع التوسع العمراني والصناعي والزراعي بدأت تلك المياه تستهلك بشكل كبير، وتتناقص بشكل مخيف، على الرغم من أن حكومتنا -وفقها الله لكل خير- وضعت ميزانيات كبيرة وقامت بجهود جبارة، ونفذت الكثير من محطات التحلية لإنتاج المياه وتنقيتها، وإقامة السدود، وشبكات توزيع نقل المياه، إلا أن ذلك لم يسد الحاجة للماء، فاضطرت إلى إقامة مشاريع تحلية مياه البحر لتغطية احتياجات البلاد والعباد، وعلى الرغم من تلك الجهود والأموال التي أنفقت على توفير الماء إلا أن كثيرا من الناس يفرطون في هدر الماء بشكل كبير سواء بعلم أو بجهل، وهذا كما تعلمون يضر بالبلاد والعباد، فعلينا استشعار أهمية هذه النعمة، وعدم الإسراف فيها وإهدارها، وتحمل المسؤولية في المحافظة عليها، وترشيد استعمالها حسب الحاجة.
عباد الله: إن الإسراف في استعمال الماء من الأمور المذمومة المحرمة، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: "مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟" قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ"(أخرجه ابن ماجه وأحمد واللفظ له، وقال الألباني: "إسناده حسن" كما في السلسلة الصحيحة).
وكان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أشد الناس حرصا في استعماله للماء؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَغسِلُ، أو كانَ يَغتسِلُ بِالصَّاعِ، إلى خَمسةِ أَمدادٍ، ويتوضَّأُ بالمُدِّ"(رواه البخاري ومسلم)، وعن عائشة -رضي الله عنها-: "أنها كانت تغتسل هي والنبي -صلى الله عليه وسلم- في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك"(رواه مسلم)، وروي عن أبي الدَّرْدَاء -رضي الله عنه- أنه قال: "اقْتَصِدْ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ"؛ فإذا كانَ الإسرافُ في استعمالِ الماءِ لِلشُّربِ مَنْهيّاً عنهُ، فإِنَّ استعمالَه بإِسْرافٍ في مجالاتٍ أُخْرَى أَكْثَرُ مَنْعاً، وأشدُّ خَطَراً.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين)[الأعراف: 31].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ أيها المؤمنون، واعلموا أن المحافظة على الماء واجب في حقنا جميعًا، وذلك بِالمحافظة عليه، وحُسْنِ التَّصرُّفِ فيهِ، وحُسْنِ استِغْلاَلِه، والاقتصادِ والتَّرشِيدِ في استِعمالِه، ومن نظر إلى واقع بعض الناس وجدهم يستهلكون كميات كبيرة ومخيفة منه، ويظنون أن أمر تعويضه سهل، وما علموا أن فقد الماء إرهاق وعناء، وغوره إزهاق للحياة وشقاء.
فاتقوا الله -عباد الله- واحرصوا أشد الحرص على حفظ نعمة الماء بجميع الوسائل الممكنة، واجـتهدوا في شكر مسديها يحفظها لكم من التحول والزوال، وتعاونوا مع الجهات المسؤولة في حفظ هذه النعمة، وإياكم والتساهل في التبذير فيها، فهو من أخطر أسباب فقدها ـ أسأل الله تعالى أن يحفظ علينا نعمه وأن يغيث البلاد والعباد.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى، والقدوةِ المجتبى، فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ، فقالَ جلَّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.