الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
إن المقصود بالتكافل الذي نتحدث عنه هو أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له أن عليه واجبات للآخرين، وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمر بالتكافل والتعاون، ونهى عن التقاعس والتخاذل، وحث عباده على التعاضد والتناصر. والصلاة والسلام على من تكفل الله بحمايته ورعايته، وأنزل عليه الكتاب تبياناً لكل شيء، وتفصيلاً لكل عبادة ومعاملة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
عباد الله: يقول ربنا -تبارك وتعالى- في كتابه العظيم: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة : 2]. إن هذه الآية الكريمة فيها نداء للمؤمنين بوجوب التعاون وأهمية التكافل، وأفضلية التآزر والتكاتف، وأن يكون الجميع إخواناً متعاونين يآزر بعضهم بعضاً، ويقوم كل واحد منهم مقام الآخر.
إن التكافل مطلب مهم، وغاية محمودة، ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في القرآن فقال:(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [آل عمران : 44]. إن هذه الآية تعلمنا أهمية التكافل وتحثنا في نفس الوقت على الاعتناء بكفالة الأخيار والصالحين والاهتمام بهم والسعي لهم والتكفل بهم. فمريم -عليها السلام- لما ذهبت بها أمها إلى من لهم الأمر على بيت المقدس، فتشاحوا وتخاصموا أيهم يكفل مريم ويحضنها، فاقترعوا عليها بأن ألقوا أقلامهم في النهر، فأيهم لم يجر قلمه مع الماء فله كفالتها، فوقع ذلك لزكريا -عليه الصلاة والسلام-.
إن المقصود بالتكافل الذي نتحدث عنه هو أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له أن عليه واجبات للآخرين، وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة، وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم.
إن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" [مسلم (2586)]. وهذا الحديث صَرِيح فِي تَعْظِيم حقُوق المسلمين، وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم وَالْمُلاَطَفَة وَالتَّعَاضُد، كما يحثهم على التكافل، وإعانة بعضهم بعضًا اجتماعيا واقتصادياً ومادياً ومعنوياً. بل شبه النبي -صلى الله عليه وسلم- تكافل المجتمع وتماسكه بأنه كالجسد الواحد الذي إذا تألم عضو من أعضائه تألم الجسد كله، وإذا مرض عضو فيه اشتكت كل الأعضاء.
أيها المسلمون: إن مفهوم التكافل مفهوم عظيم ومصطلح كبير يبدأ من داخل الإنسان نفسه، حيث يجب على كل فرد منا أن يصون نفسه ويكفلها ويعتني بها، ويحفظها من الوقوع في الأدران والأرجاس. يقول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [المائدة : 105]، ويقول –سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم : 6].
ثم يكون التكافل في محيط الأسرة وداخلها من الزوجين أنفسهما بتحمل المسؤولية المشتركة في القيام بواجبات الأسرة ومتطلباتها، كل بحسب وظيفته الفطرية التي فطره الله عليها، وتوزيع المسؤوليات داخل البيت بين الرجل والمرأة بما يضمن قيام الأسس المادية والمعنوية التي تقوم عليها الأسرة المتكافلة المتعاضدة. يقول الله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم : 21]. ويقول الله تعالى حاثاً على التكافل داخل محيط الأسرة الواحدة: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق : 7]. ويقول: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة : 233].
ثم تتسع دائرة التكافل لتشمل الجماعة المسلمة بأسرها، والتعاون بين أبناء المجتمع الإسلامي الواحد، وهذا ما حث الله عليه وأكده كثيراً في القرآن فقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة : 71]. وقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة : 2].
وقد صور الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه الصورة التكافلية في مثال رائع بقوله: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا"[البخاري (2493)].
وأما التكافل بين جميع المجتمعات الإنسانية فهو الذي ترسم ملامحه هذه الآية الكريمة التي يقول الله فيها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات : 13]. فهي تعلن المبادئ العامة للتكافل الدولي الذي بموجبه تنتظم كافة المجتمعات الإنسانية في رباط عالمي هدفه النهائي والحقيقي إقامة مصالح العالمين، ودفع المفاسد عنهم، وتبادل المنافع فيما بينهم.
بل أشاع الله روح التكافل بين الناس جميعاً من مضى منهم ومن سيأتي فقال: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر : 10]. فجيل الحاضر كما تأمر الآية عليه أن يترحم على الجيل الماضي ويدعو له، ويحمل له في نفسه أرق المشاعر، ولا يكون في نفسه غلاً ولا حسداً ولا حقداً عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
أيها المسلمون: من صور التكافل التي أمر الإسلام بها وحث عليها: كفالة كبار السن ورعايتهم، والاهتمام بهم.
فلقد وجهنا ديننا الحنيف بالاعتناء الكبير بالكبار، وأمر بتوقيرهم واحترامهم، واعتبرهم مستحقين للرعاية والعناية، مقابل ما بذلوه من تضحيات، وما قدموه من جهود جبارة، وعلى رأسهم الوالدين. يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان : 14].
والرعاية لهم والتكفل بهم لا يقف عند الجانب المادي، بل يدخل فيه أيضاً الجانب النفسي والعاطفي الذي هم في أشد الحاجة إليه عند الكبر: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء 23: 24]. ويقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا" [ أحمد (6937)].
ومن صور التكافل التي أمرنا بها التكفل بالصغار، والأيتام، والمستضعفين، والبر بهم وإعانتهم. يقول الله: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) [البقرة : 177]. ويقول: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة : 215].
حتى الغنيمة لم ينساهم الله منها وجعل لهم حظاً فيها فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنفال : 41] وقال: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر : 7].
ومن صور التكافل: التكفل بالجار، والاعتناء التام به، وحفظه من كل الوجوه ومن جميع الجوانب. يقول الله: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) [النساء : 36]. ويكفينا في ذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ" [البخاري(6019) مسلم (47)]. وقوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر -رضي الله عنه-: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ" [مسلم (2625)].
وهناك أيضاً صور كثيرة من صور التكافل التي أمرنا بها كالسعي في خدمة الناس وإعانتهم، والاهتمام بمرضاهم وزيارتهم، والاعتناء بالأخيار والصالحين، والتقرب إلى الله بالسعي لهم وخدمتهم.
فمن للفقراء المسلمين الذين لا يملكون قوت يومهم ولا كسوة عيدهم؟ ومن للمشردين والمبعدين واللاجئين إن لم نقم بهم؟ ومن للأرامل والمستضعفات والعانسات؟ ومن ليتامى المسلمين يرعاهم ويحفظهم؟ من لهؤلاء كلهم بعد الله إن لم يقم المسلمون بواجب الإخاء، والعطف، والرحمة، والتكافل، ونحوها من المبادئ الإسلامية الحقة؟.
النَّاسُ للنَّاسِ مِنْ بَدْوٍ وحَاضِرةٍ | بعضٌ لبعضٍ وإنْ لم يَشْعُروا خَدَمُ |
روى الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ" [المعجم الأوسط (6026)].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على هذا النبي العظيم الذي أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللهم ارزقنا التكافل والتراحم والتناصر وجنبنا الفرقة والتدابر والتقاطع.