البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
من حقوق الوالدين: الإحسان إليهما, بأن تتلطف لهما في الكلام, وتجتهد في خدمتهما, ويحرم أن تتأفف وتتذمر منهما, قال -تعالى-: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله رب العالمين, حمدا كثيرا مباركا فيه, يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
لا حقَّ على الإنسان أعظم وأكبر بعد حق الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من حقوق الوالدين؛ حيث أوجب الله الإحسان للوالدين بأقوى صيغة وأبلغ عبارة, وقرنه بتوحيده؛ فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الإسراء: 23], وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله؟, قال: "الصلاة على وقتها", قال: ثم أي؟, قال: "بر الوالدين", قال: ثم أي؟, قال: "الجهاد في سبيل الله".
لذلك فإن الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كثيرة في وجوب بر الوالدين وتحريم عقوقهما, والأم حقها أعظم من الأب, ولن يستطيع الأبناء والبنات أن يعيدوا حق الأم مهما اجتهدوا في برها, فلها ثلاثة أرباع الحق؛ حيث سأل سائل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟, قال: "أمك", قال: ثم من؟, قال: "أمك", قال: ثم من؟, قال: "أمك", قال: ثم من؟, قال: "أبوك"(رواه مسلم).
لكن هل يعني هذا أن يقصر الأولاد في حق الآباء, ليس هذا صحيحاً؛ فإن الأب سبب في وجود الأبناء والبنات في الحياة, الأب شمس الحياة, ومبعث الاستقرار, والأب ملاذ الأولاد بعد الله, والأب سبب في الإنفاق والرعاية منذ الطفولة, ويعلم الأب الأبناء قسوة الحياة حتى يبني الأبناء أنفسهم ويواجهوا مصاعب الحياة, وبالتالي يتعلمون الصبر ومواجهة الحياة.
والأب تراه يعمل ويكدح من أجل تحقيق حياة آمنة للأسرة, فالأب مدرسة للأولاد في خبرته في الحياة, وقد يكون قاسياً بعض الشيء لكن لأجل مصلحة الأبناء مستقبلا, فالمدلل يتعب إن لم يتربَ على تعلم متاعب الحياة.
والأب مصدر القوة والأمان لأولاده الصغار, وهو مصدر للأنس والبركة لأولاده الكبار؛ ولذلك فإن اليتيم من الأولاد يكون بموت الأب قبل بلوغهم, وليس بموت الأم مما يدل على أهمية الأب.
عباد الله: من حقوق الوالدين: الإحسان إليهما, بأن تتلطف لهما في الكلام, وتجتهد في خدمتهما, ويحرم أن تتأفف وتتذمر منهما, قال -تعالى-: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23، 24], وهذه الآية واضحة في تحديد معالم حق الوالدين في التعامل معهم.
ومنها: خفض الجناح لهما؛ أي: التذلل لهما, والابتعاد عن زجرهما, والإصغاء إليهما, والفرح بأوامرهما, والتودد لهما, والجلوس أمامهما بأدب واحترام, والابتعاد عن ما يمكن أن يشعرهما بالإهانة والاستخفاف بهما.
من الحقوق للوالدين: الإنفاق عليهما إذا كانا محتاجين مالاً أو كانا فقراء, فيجب على الأبناء الإنفاق عليهما, ولا يعطيهم من زكاة المال شيئاً؛ بل من ماله الخاص نفقة لهما.
ومن حقوق الوالدين على أبنائهم: الدعاء لهما في حياتهما وبعد وفاتهما؛ (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 24].
ومن حقوقهما: أن تصل أرحامهما, وأن تنفذ وصيتهما بعد وفاتهما.
نسأل الله أن ويوفقنا جميعاً لأداء حقوق والدينا, وغفر الله ذنوبنا جميعا, أقول ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه ومن تبعه.
ذكرنا حقوق الآباء في الخطبة الأولى, وهي: برهما والإحسان إليهما, والصدقة عنهما, والدعاء لهما أحياءً وأمواتاً, والإنفاق عليهما إذا احتاجا لذلك.
وأما حقوق الأبناء على آبائهم فإنها تتلخص فيما يلي:
أن يختار لهم أماً صالحة لا يعيرون بها؛ أي: تكون ذات نسب شريف.
ومن حقوق الأبناء: أن تسميهم بأسماء حسنة؛ مثل: عبد الله, عبد الرحمن, وأسماء الأنبياء والرسل- عليهم السلام-, والصالحين من سلف هذه الأمة.
ومنها: غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الأبناء؛ "كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه, أو يمجسانه"(رواه البخاري ومسلم), ويكون غرس العقيدة في نفوس الأبناء من الصغر؛ حتى ينشأ على الإيمان بالله ورسوله والدين الإسلامي الصحيح.
ومن حقوق الأبناء: تعليمهم الفرائض والمحافظة عليها, ومن ذلك توحيد الله والصلاة والصوم والحج, يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر, وفرقوا بينهم في المضاجع"(رواه أو داود), فإذا عودت الأبناء والبنات على الصلاة منذ الصغر؛ تعودوا على الصلاة, ولن يتركوها طوال حياتهم, وإذا تركوها في الصغر لم يؤدوها إذا كبروا؛ لأن الوالدين فرطا في عدم تعويدهم على الصلاة من الصغر.
ومن حقوق الأبناء: تعليمهم الأمور المستحبة في الدين؛ كالأكل باليمين, وتشميت العاطس, والسلام, والكرم, وعدم الاعتداء على الغير, وحسن الأخلاق مع الأقارب خاصة وعموم الناس عامة, وغير ذلك من الآداب التي جاء بها الإسلام.
ومنها: حق الرضاعة والحضانة للأطفال.
ومنها: حق العدل بين الأولاد؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "واتقوا واعدلوا بين أولادكم"(رواه البخاري ومسلم).
ومنها: النفقة عليهم من طعام, وشراب, ولباس بالمعروف.
نسأل الله أن يوفقنا جميعا لأداء الحقوق, وأن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا, وأن يرينا الحق ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.