البحث

عبارات مقترحة:

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

رمضان من جديد

العربية

المؤلف أحمد بن عبد العزيز الشاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الزكاة - الصيام
عناصر الخطبة
  1. تذكر أحوال رمضان العام الماضي .
  2. كيفية استقبال شهر رمضان .
  3. اغتنام شهر رمضان في أبواب الخير .
  4. الزكاة شعيرة وشريعة .
  5. أيامًا معدودات. .

اقتباس

جاء رمضان من جديد ليذَكِّرنا كم هي عظيمة نعمة الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، ونعمة الاستقرار النفسي وراحة البال، فما أعظمها من نِعَم، فيا ليتنا نكون لها من الشاكرين وعليها من المحافظين.. جاء رمضان من جديد ليبلوكم أيكم أحسن عملًا، وأصدق لله حبًّا، وأكثر للجنة شوقًا، وليميز الذين يريدون الآخرة والذين يحبون العاجلة، ويذرون وراءهم يومًا ثقيلًا.

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

فيا معشر المسلمين: اتقوا ربكم واحمدوه واشكروا له ولا تكفروه.

في مثل هذه الأيام وقبل عام أدركتنا ليالي شهر الصيام والقيام، ولكن بصورة تجترّ الأحزان وتورث الآلام؛ أدركنا شهر رمضان والوباء قد بلغ أشده قد أغلق مساجدنا، وحصرنا في بيوتنا، وقيَّد حركتنا، وأورثنا أمواتًا ومصابين ومحزونين، يخرج أحدنا خائفًا يترقب ويمشي بحذر .. والشوارع خالية إلا من رجال أمننا الذين يرابطون لينضبط الآخرون.

أدركنا رمضان وبيوت الله قد انطفأت منها المصابيح، وتعطلت فيها الجُمَع والجماعات والتراويح.. نسمع نداء "صلوا في بيوتكم"، فما أقساه من نداء على رجال قلوبهم معلقة بالمساجد! رجال (لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النور:37].

أدركنا قبل عام وصلاتنا لا يقيّدها وقت ولا تربطها جماعة، تفتقد روحانية المساجد وبهاء الجماعات، واليوم يعود لنا رمضان بلا حظر ولا حَجْر، وأسواقنا عامرة وبيوت الله مفتوحة تُقام فيها الجُمَع والجماعات، وتزدان بالتراويح، وتُعْمَر بالذاكرين الله كثيرًا والذاكرات؛ فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين، وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم.

جاء رمضان من جديد ليذَكِّرنا كم هي عظيمة نعمة الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، ونعمة الاستقرار النفسي وراحة البال، فما أعظمها من نِعَم، فيا ليتنا نكون لها من الشاكرين وعليها من المحافظين.

جاء رمضان من جديد ليعلمنا قيمة المساجد وصلاة الجماعة، فهل تستوي صلاة في بيت الله في وقت محدد تأنس فيها برؤية إخوانك وجمال الجماعة ولذة انتظار الصلاة وصلاة في البيوت لا يحدّها وقت، ولا يميزها خشوع، وتفقد فيها معنى التآلف والوحدة بين المسلمين.

جاء رمضان من جديد ليبلوكم أيكم أحسن عملًا، وأصدق لله حبًّا، وأكثر للجنة شوقًا، وليميز الذين يريدون الآخرة والذين يحبون العاجلة، ويذرون وراءهم يومًا ثقيلًا.

كم هي نعمة كبرى أن يَمُنّ الله عليك بإدراك شهر رمضان المبارك لتنعم بأجواء الإيمان  حينما تُفتح أبواب الجنان، وتُغلق أبواب النيران وتقبل القلوب والنفوس إلى طاعة الرحمن.

كم أنت  مميز يوم أن يدركك شهر الصيام وأنت تنعم بأمن في الوطن وصحة في البدن ورغد في العيش واستقرار في السكن (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)[العنكبوت: 67]؛ إن هذا لهو الفضل المبين.

ألا ما أجدرك يوم أن تدلف باب هذا الشهر المبارك آمنًا معافًى أن تعلن شُكْرك لله على نعمته يوم أن بلَّغك شهر رمضان؛ لأنه يريد أن يقودك إلى المغفرة ورفيع الدرجات.. ولأن الكريم يريد أن يسوقك إلى الجنة ولو بالسلاسل.

واجعل مع الشكر سؤالًا لله أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يسخّر لك فعل الخيرات، واجعل مع الشكر والسؤال دعاء لمن حُرِمُوا بلوغ الصيام أو لذته ممن هم تحت الثرى يتمنون لله سجدة أو تسبيحة أو ممن فارقهم النوم والكرى لآلام يعانونها أو ديون يقاسونها أو هموم يصارعونها، أو سجون يساكنونها، أو عدو تسلط عليهم فسامهم سوء العذاب يقتل أبناءهم ويستحل نساءهم

إن قضاء هذا الشهر كما ينبغي وفقًا لسنة البشير النذير شرف عظيم لا يحظى به ولا يوفق له إلا الربانيون المقتدون بسنة خاتم الأنبياء والمرسلين، وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل غزو بدر ينادي في المسلمين جميعًا: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض"، ونحن نناديكم اليوم مع حلول رمضان: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض.

أبواب الجنة فتحت لك .. فقم كما قام أنس يوم غزوة أُحُد قائلًا: "واهًا لريح الجنة! إني لأجد ريح الجنة دون أُحُد"، وقل: واهًا لريح الجنة إني لأجد ريح الجنة دون رمضان.. قم وكفى غفلةً ورقادًا... واستشعر أن الصيام عبادة لا عادة، وأن ثمرته المفترضة هي التقوى.

ارتبط بكتاب الله حفظًا وقراءةً وتدبرًا، واطلع على ما تيسر من تفاسيره الموثوقة. ولنعد تلك الصور المشرقة لبيوت الله، وهي تغص بالتالين كتاب الله بعد كل صلاة.

اجعل صيامك كما كان عليه حال سلفنا الصالح تنافسًا في الطاعات وتزودًا من النوافل والقربات، وسلامة من المفسدات من نظر وسماع محرم وقول للباطل وشهادة للزور.

عظِّم حُرْمة هذا الشهر؛ فوقت رمضان أنفس وأغلى من أن يضيع بسمر، وأشرف من أن يُقْضَى بلهو عابث وسهر على برامج ومسلسلات تافهة لا تزيد القلب إلا قسوة ولا تورث الإيمان إلا ضعفًا. وكل عمل لا تحب أن تَلْقَى الله عليه فاتركه ثم لا يضرك متى فاجأك الموت.

يا أيها المسلم: قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم"، فما أجمل أن تستفتح شهرك بالعفو والصفح وتطهير القلب من الشحناء والبغضاء.

(كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)[المدثر: 54-56]، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ما يسخطه ويغضبه، فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

أما بعد: يا معشر الصائمين: الزكاة شعيرة وشريعة، وركن من أركان الإسلام لا يجوز أن تُتَّخذ مغرمًا، وإنما هي زكاة وتطهير للمال والنفس والبدن؛ فأخرجوها طيبة بها نفوسكم، مدركين أنها عبادة وقُربة إلى الله، موقنين أن ما تنفقون سيخلفه الله، وما اشتكى فقير إلا بقدر ما قصَّر غَنِيّ، "وما منَع قوم زكاة أموالهم إلا مُنِعُوا القطر من السماء".

فتعلموا أحكامها وأدوا حقها، واحذروا من التهرب من دفعها بالحيل فالله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه، واجتهدوا في البحث عن مستحقها من أفراد وجمعيات موثوقة، ولا تكونوا ضحية للكاذبين المخادعين من أفراد أو جهات خارجية يأكلون أموال الناس بالباطل ويستجدون الزكاة تكثرًا وتفاخرًا.. ستجدون المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافًا، (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ)[النور:33]، (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ)[محمد:38].

وأخيرًا أيها المسلم: شهر رمضان أيام معدودات، وزمن قصير لا يحتمل التقصير وقدومه عبور لا يقبل الفتور، فكلما ضعفت همتك فتذكر (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)[البقرة:184]، رمضان شهر بين أحد عشر شهرًا كيوسف بين أحد عشر كوكبًا، فلا تقتلوه بالغفلة ولا تلقوه في غيابت جُبّ الشهوات والشبهات ولا تبيعوه بثمن بخس، بل أكرموا مثواه فعسى أن ينفعنا أو نتخذه شفيعًا يوم الحساب.

أسأل الله أن يبارك لنا بشهر رمضان، وأن يوفّقنا فيه لكل عمل صالح ينفعنا يوم التلاق.

اللهم أقبِل بقلوبِنا في رمضانَ، ومُنَّ علينا فيه بالرضوانِ. اللهم ارحمْنا ولا تحرِمنا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا. اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.

اللهم واحفظْ علينا دينَنا، وأعراضَنا، وباركْ في أرزاقِنا واقضِ ديونَنا. اللَّهُمُّ اِحْفَظْ بِلَادَنَا بِالْأَمْنِ وَالْإيمَانِ وبالسَّلامَةِ مِنَ الآفَاتِ ومِنَ المُحْدَثَاتِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.