الحي
كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
ليتأمل كل عبد منا حاله, وما فيه من خصال الخير وخصال الشر, أما خصال الخير فلينمها وليكثرها, ويحمد الله عليها, وأما خصال الشر فلا بد من التخلص منها شيئا فشيئا, حتى تزول بالكلية, وكل امرئ خصيم نفسه, يعلم خبايا نفسه, وغدراتها وفجراتها...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله رب العالمين, حمدا كثيرا مباركا فيه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
فيا أيها الناس: رمضان على الأبواب, وبلوغه أمنية يتمناها الجميع, ونيل المطلوب فيه, نهاية الطلب والرجاء, غير أن رمضان كما لا يخفى عليكم مدرسة تصقل المسلم, وتهذب أخلاقه, وتقوي إيمانه, فهل يا ترانا من جملة المستفيدين من ذلك, من زيادة الإيمان, وإصلاح الحال؛ استعدادا للرحيل المفاجئ؟؛ فنحن نرى الموت يتخطف الناس من حولنا, ولا ندري متى نغادر؟, والواجب على كل مكلف, أن يكون على أهبة الاستعداد, قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: ينبغي لكل مسلم أن يسعى لتغيير حاله, لابد أن يكون كل سنة أقوى إيمانا من التي قبلها, حتى يلقى الله, إننا جميعا -إلا من رحم الله- نحاول تغيير أوضاعنا الدنيوية, من أموال وأولاد ومنازل ومزارع, وسفريات, ولكن القليل من يسعى لدينه, ومن يراقب إيمانه, فالغفلة مستحكمة على الجميع, والران قد علا القلوب, إلا ثلة من المؤمنين, جعلنا الله وإياكم منهم .
إن الإنسان الحريص على الدنيا, تجده يحاول أن يجدد في طرق الكسب؛ بل البعض يحضر الدورات, ويدرس, ويسافر, ويغامر, يرجو طرقا يكسب من خلالها المال؛ لينعم بالعيش في هذه الحياة, ورمضان بالنسبة للمؤمن أفضل دورة لصقل النفس, وتطهيرها وتزكيتها, قال -سبحانه-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس: 9، 10].
معاشر المسلمين: كل منا لديه ذنوب, وعادات سيئة, وأخلاق رديئة, فهل فكرنا في التخلص منها, أو من بعضها في رمضان؟.
ليتأمل كل عبد منا حاله, وما فيه من خصال الخير وخصال الشر, أما خصال الخير فلينمها وليكثرها, ويحمد الله عليها, وأما خصال الشر فلا بد من التخلص منها شيئا فشيئا, حتى تزول بالكلية, وكل امرئ خصيم نفسه, يعلم خبايا نفسه, وغدراتها وفجراتها, فليجاهد نفسه, وليعلم أن أكبر معين له بعد الله على التغيير هو شهر رمضان؛ لما حباه الله من روحانية وقرب من الله, ومن إقفال أبواب الشر وأهلها, ومن تكاثر المطيعين والمسابقين في الخيرات؛ فتكون هذه الأمور أكبر معين له بعد الله في التبديل والتغيير للأفضل, ولنعلم أننا لا يمكن أن نغير شيئا في أنفسنا حتى يعلم الله منا صدق العزم على ذلك, وفعل أسباب التغيير, قال -جل ذكره-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد: 11].
معاشر المسلمين: يقول -سبحانه-: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)[الليل: 4], فالناس في هذه الدنيا كما أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عن أبي مالكٍ الحارِثِ بنِ عاصِمٍ الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدو، فَبائعٌ نَفْسَهُ، فَمُعْتِقُها أَو مُوبِقُها", ومفاد الحديث: أن كل إنسان إما ساعٍ في هلاك نفسه أو فكاكها؛ فمن سعى في طاعة الله فقد باع نفسه لله، وأعتقها من عذابه، ومن سعى في معصية الله فقد باع نفسه بالهوان، وأوبقها بالآثــام الموجبة لغضب الله وعقابــه.
قال الحسن: "المؤمن في الدنيا كالأسير يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئًا حتى يلقى الله", وقال: "ابن آدم! إنك تغدو وتروح في طلب الأرباح، فليكن همك نفسك؛ فإنك لن تربح مثلها أبدًا", وقال أبو بكر بن عياش: "قال لي رجل مرة وأنا شاب: خلِّص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة؛ فإن أسير الآخــرة غير مفكوك أبدًا، قال: فوالله ما نسيتها بعد", وكان بعض السلف يبكي ويقول: "ليس لي نفسان، إنما لي نفس واحدة، إذا ذهبت لم أجد أخرى".
اللهم وفقنا لهداك, واجعل عملنا في رضاك, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على نبيه, وعلى آله وصحبه ومن تبعه, وبعد:
فيا أيها الناس: الكثير من الناس بدأ بالاستعدادات لشهر رمضان؛ فمنهم المنشغل بأمور الأكل والشرب الخاصة برمضان, ومنهم المنشغل بأمور الزينة واللباس والفوانيس وهلم جرا, فأقول للمنشغل بالمأكل والمشرب: لا تخف الجوع؛ فالخير متوفر ولله الحمد, وقريب المنال, في كل حي نعم لا تحصيها, ولله الحمد والمنة, فلا تأخذ من وقتك حيزا, وتشغلك عن ما هو أهم منها.
وأما المنشغل بالزينات, وأكثرهم من النساء, فهؤلاء قد توسعوا كثيرا؛ فمن فوانيس إلى ملابس, إلى زينات, وتطور الأمر إلى الأصنام والعياذ بالله, فأصبحوا يشترون مجسمات لرجل يحمل فانوسا, وكأنهم يتشبهون بالنصارى في أعيادهم, ويضعون شجرة عليها أهلة ونجوم, كشجرة الكريسمس!.
فإلى أين -يا عباد الله- تذهبون؟! فلنتق الله من هذه الشكليات, ولنلتفت للمعنى الحقيقي الذي أراده الله منا في رمضان, ألا وهو تحصيل التقوى, فدرِّب قلبك على الطاعة؛ فهذا نبي الأمة -صلوات ربي وسلامه عليه- يصوم شعبان إلا قليلا استقبالا لرمضان, وكان يبشر أصحابه بقدوم رمضان ليستعدوا له.
حصادك ما زرعت فكن حصيفاً | لتظفر بالمنى يوم الحصاد |
وأحسن ما زرعت تجده ظلّاً | ظليلاً في الحياة وفي المعاد |
يا من أدرك رمضان: لقد أدركت كنزا عظيما لو أدركت ذلك, فلا تفوت عليك الفرصة, وجد واجتهد لتنال الحسنى وزيادة .
اللهم وفقنا لهداك, واجعل عملنا في رضاك, اللهم أدم علينا أمننا وعافيتنا, وارفع عنا وعن المسلمين البلاء والمرض, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.