المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | عادل العضيب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام - |
إننا عندما نؤرخ بالتاريخ الميلادي بدل الهجري لسنا نبدل أرقامًا بأرقام، وعندما نكتب حرف الميم بدل الهاء لسنا نبدل حرفًا بحرف، إننا بهذا نبدل تاريخنا، ونلغي هويتنا، ونتلاعب بأمجادنا، ونقضي على سمة من سمات المسلمين عاشوا قرونًا يحرصون عليها، ويفخرون بها.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق الخليقة من عدم وأنشاها، وقام بأرزاقها وكفاها، وأبان لها طريق رشدها وهداها، ومن بفضله على خلاصة اصطفاها، عز ربًا، وجل ملكًا، وتعالى إلهًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله، أيها المسلمون، لما أرسل الله موسى –عليه السلام- إلى طاغية الدنيا فرعون آتاه آيتين عظيمتين تدلان على أنه رسولٌ من عند الله: العصا، واليد. العصا يلقيها فإذا هي حية تسعى، واليد يضمها إلى جناحه تخرج بيضاء من غير سوء آيةً أخرى.
لكن فرعون استكبر وأبى أن يؤمن بالله –جل وعلا-، وادعى أن موسى ساحر عليم، وقال لموسى: سنأتيك بسحر مثله فلنتواعد في يوم من الأيام، قال موسى –عليه السلام-: موعدكم يوم الزينة، يوم العيد.
جمع فرعون السحرة وجاء بهم، قد تجاوزوا ثلاثين ألفًا، وجاء موسى وهارون، صف السحرة في جانب ووقف موسى وهارون في الجانب الآخر، وألقى السحرة حبالهم وعصيهم وخيلوا بسحرهم لموسى وهارون أنها تسعى، خاف موسى، فجاءه النداء من العلي الأعلى: (قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) [طه:68-69].
ألقى موسى العصا فإذا بها حية عظيمة تسعى، فانطلقت وابتلعت ما صنع السحرة، فسجد السحرة جميعًا في لحظة واحدة؛ لأنهم عرفوا أن موسى رسول من عند الله، فلو كان ما فعله سحرًا عرفوه، لكنهم رأوا حيةً حقيقيةً.
لما ظهر صدق موسى زاد فرعون عتوًا واستكبارًا وقال للسحرة الذين جاء بهم: إن موسى لكبيركم الذي علمكم السحر، لكن سأنتقم منكم انتقامًا عظيمًا، (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى) [طه:71].
لكن هذه اللغة لا تنفع، لا تنفع مع من سكن الإيمان في قلبه، فقالوا مقولة من آمن بالله وهانت عليه نفسه في ذات الله، وهانت عليه الدنيا بما فيها أمام رضا الله: (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه:72-73].
نفذ فرعون تهديده وقتلهم جميعًا، قتل الأجساد، أما الأرواح فارتفعت لتعيش السعادة الأبدية في جنات النعيم. لا إله إلا الله! عملوا قليلًا وتنعموا طويلًا، أشرقت الشمس وهم سَحَرة فُجار، وغابت وهم شهداء أبرار.
وأوحى الله إلى موسى –عليه السلام- أن اخرج ببني إسرائيل ليلًا: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) [الشعراء:52].
علم بخروجهم فرعون، فجمع جنده وخرج يريد موسى وبني إسرائيل، لحظات صعبة، نبي الله وأتباعه يطلبون النجاة وفرعون وجنده خلفهم، لكن البحر أوقف مسير نبي الله موسى وأتباعه حتى صاروا يرون فرعون وجنده، وما بقي إلا أن يصلهم فرعون! فقالوا لموسى: سيدركنا فرعون! (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء:61]، فقال نبي الله الواثق بوعد الله: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62] ومن كان الله معه فلا خوف عليه ولو اجتمع عليه من بأقطارها؛ فأوحى الله إلى موسى -عليه السلام- أن اضرب بعصاك البحر فأصبح بقدرة القوي القادر أرضًا يابسةً حتى اجتاز موسى ومن معه.
ولما أصبح فرعون وجنده في منتصفه أعاده الذي خلقه بحرًا تتلاطم أمواجه؛ فغرق فرعون وجنده، قال الله -تعالى-: (وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء:65-68].
وهكذا نصر الله نبيه وأنجى موسى وقومه وأهلك فرعون وجنده في يوم عظيم من أيام الله، هلك فيه طاغية الدنيا الذي قال: أنا ربكم الأعلى! هذا اليوم العظيم هو يوم عاشوراء، والذي أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بصيامه؛ فقد قدم -عليه الصلاة والسلام- المدينة ووجد اليهود يصومونه فسألهم، فقالوا: يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. زاد مسلم في روايته: شكرًا لله -تعالى-، فنحن نصومه تعظيمًا له. فقال -عليه الصلاة والسلام-: "فأنا أحق بموسى منكم"، فصامه، وأمر بصيامه. رواه البخاري.
بل رتب الأجر العظيم على صيامه، فعن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صيام عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية" رواه مسلم. ولما قيل له: إن اليهود يصومونه. قال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"، أي مع العاشر.
وهو يوافق هذا العام يوم الثلاثاء القادم، فصوموه وحثوا الأهل والأقارب على صيامه، فهي ساعات تكفر ذنوب سنة كاملة، من صامه مفردًا فلا حرج؛ فقد صامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفردًا، ومن صام قبله يومًا أو بعده يومًا فهو أفضل؛ مخالفةً لليهود.
عباد الله: نحن نعظم هذا اليوم ونصومه؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عظمه وصامه؛ لأننا أمة نتبع ولا نبتدع، نسير خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؛ اتباعًا لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل بدعة ضلالة".
عباد الله: يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من إبريل؟ لا، عاشوراء ليس العاشر من إبريل، ولا من مايو، ولا من أكتوبر، ولا من تموز، ولا من آذار، إنه العاشر من محرم، وهذا يبين مكانة التأريخ الهجري الذي تخلى عنه كثير من المسلمين وزهدوا فيه وصاروا يقولون: الميلادي أضبط للناس! حتى قال بعضهم: ينبغي أن يتغير الناس من الهجري إلى الميلادي! ويا سبحان الله! كيف يقال بهذا وقد ضبطت العبادات بالتاريخ الهجري؟!.
التاريخ الهجري به يقوم الدين؛ فصيام رمضان ركن من أركان الإسلام وهو شهر هجري، التاريخ الهجري به تقوم العبادات؛ فالأشهر الحرم الأربعة أشهر هجرية، يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، يوم النحر هو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهي أيام هجرية، الأيام البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر هجري، المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرًا من الأشهر الهجرية، من نذر صيام شهر أو وجبت عليه كفارة صيام شهرين صامها بالأشهر الهجرية.
التاريخ الهجري رمز عظيم من رموز المسلمين، وميزة امتاز بها المسلمون على مر العصور السابقة، التاريخ الهجري تاريخ حضارة امتدت أربعة عشر قرنًا من الزمان، لم نكن نؤرخ فيها إلا بهذا التأريخ وبه ارتبطت أمجادنا ومآثرنا؛ غزوة بدر وفتح مكة وغيرها من أمجاد من المسلمين.
فالتمسك به ليس ترفًا ولا تمسكًا بما لا فائدة منه، إنه هوية، إنه هوية أمة، لذا حرص الأعداء على طمس هذه الهوية.
لما أراد العثمانيون تحديث جيشهم بمساعدة أوروبية وافقوا بشروط منها إلغاء التقويم الهجري، فوافقوا على ذلك، ولما أراد خديوي مصر أن يقترض من بعض الدول الأوروبية لتغطية مصارف قناة السويس وافقوا بشروط منها إلغاء التقويم الهجري ووضع الميلادي بديلًا عنه، فكان لهم ما أرادوا.
عباد الله: لقد أرخ فاروق الإسلام عمر -رضي الله عنه- بعد مشاورة الصحابة -رضي الله عنهم- بتاريخ الهجرة لظهوره واشتهاره، وقال: "إن الهجرة فرقت بين الحق والباطل"، فأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على التأريخ بهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعمل المسلمون بهذا طيلة القرون السابقة، فاحرصوا على هذا الموروث العظيم الذي يمثل شخصية الأمة الإسلامية، وعلموه أولادكم ونساءكم، وعاملوا الناس به ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا، وإن اضطررتم للتاريخ الميلادي فليكن تبعًا للتاريخ الهجري.
أيها المسلمون: إننا عندما نؤرخ بالتاريخ الميلادي بدل الهجري لسنا نبدل أرقامًا بأرقام، وعندما نكتب حرف الميم بدل الهاء لسنا نبدل حرفًا بحرف، إننا بهذا نبدل تاريخنا، ونلغي هويتنا، ونتلاعب بأمجادنا، ونقضي على سمة من سمات المسلمين عاشوا قرونًا يحرصون عليها، ويفخرون بها.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، صلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا معاشر المسلمين، في يوم عاشوراء، في هذا اليوم العظيم الذي أهلك الله فيه فرعون وجنده، ونصر موسى -عليه السلام- وجنده، قدر الله أن يقتل الحسين بن علي بن أبي طالب، سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن فاطمة -رضي الله عنهم أجمعين-، قتل ظلمًا وعدوانًا، فأخذ الشيعة الرافضة هذا اليوم يومًا للبكاء على دم الحسين، ينوحون فيه ويصيحون ويضربون أجسادهم بالسلاسل والسكاكين حتى تسيل الدماء، في تصرفات مشينة، وأفعال قبيحة، يكرهها الإسلام، وينفر منها كل من رآها.
يفعلون هذه الأفعال حزنًا على الحسين -رضي الله عنه وأرضاه- ويصيحون: يا لثارات الحسين! يا لثارات الحسين! يثأرون للحسين مِن مَن؟! من أهل السنة! يثأرون للحسين من أهل السنة! مع أنهم هم الذين أغروا الحسين بالخروج على يزيد، ووعدوه بالنصر، وطلبوا منه الخروج إليهم إلى العراق، فلما جاء -رضي الله عنه- تخلوا عنه، وغدروا به، فقال -رضي الله عنه وأرضاه- مقولته المشهورة: "اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا". رضي الله عنه وأرضاه.
فالشيعة هم الذين غدروا بالحسين، وأما أهل السنة فقد اشتد نكيرهم على يزيد بسبب هذه الفعلة الشنيعة حيث قتل ابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الحسين، رضي الله عنه وأرضاه.
وقد استغل الصفويون هذه الحادثة، وبدلوا سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجعلوا يوم عاشوراء يومًا للحزن والبكاء على الحسين، ويومًا للتحريض على أهل السنة والدعوة لقتلهم؛ ثأرًا للحسين، وهذا ما نراه يومًا بعد يوم، وما وقع في القرون الماضية، فكل مصيبة تقع على أهل السنة يكون الرافضة وراءها، فهم لا يعرفون عدوًا إلا السنة، ولا يكرهون أحدًا كما يكرهون أهل السنة، ولا يكيدون لأحد إلا لأهل السنة، ولا يتدخلون ويخربون إلا في دول السنة، عدوهم الأول والأخير أهل السنة، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وتابعي التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم...