الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | راشد بن عبد الرحمن البداح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله |
فإلى كلِ شابٍ لم يسقطْ في مستنقعِ الدخانِ والشيشةِ: إيَّاكَ أن تقعَ فريسةً للشيطانِ كما وقَعَ غيرُك.. إياكَ وداءَ التجرِبةِ؛ فإن أولَ أمرِها يَسِيرٌ ثم تكونُ لها أَسِيرٌ. فكمْ أسقَطَتْ من شابٍ كانً محصِّنًا نفسَه عن الدخانِ سنينَ، بل لم تُحَدّثْهُ بشُربهِ، فإذا ما دَخَل عليه وَهْمُ التجرِبة إذْ بهِ يَسقطُ سقوطًا ذريعًا، ويَتَهافَتُ كتهافُتِ الفَرَاشِ في النارِ.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي افتتحَ كتابَه بالحمدِ؛ فقالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الفاتحة:2]، وافتتح خَلْقه بالحمدِ، فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)[الأنعام:1]، واختتمَه بالحمدِ، فقالَ بعدَ ذِكْرِ مآلِ أهلِ الجنةِ وأهلِ النارِ: (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الزمر:75].
فلهُ الحمدُ في الأولَى والآخرةِ، وأشهد أن لا إله إلا هو، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وهو خيرُ الحمَّادينَ لربهِ، فصلى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وآلهِ وصحبهِ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ واشكروهُ أن أغنانا بحلالهِ عن حرامهِ.
هذا حديثٌ إلى أخٍ لنا حبيبٍ، إنه صاحبُ الفمِ المعطرِ بذكرِ اللهِ. أنه أخٌ لنا طيبٌ، لكنه قد أتى خبيثًا، فما الخبيثُ؟! إنه ذلك الذي لا يَذكرُ اسمَ اللهِ عليهِ إذا تناولَه، ولا يحمدُه عليه إذا أنهاهُ؛ إنه العدوُ الجائرُ: التدخينُ بالسجائرِ.
أخي المبتلَى بذلكم البلاءِ: أعِرْني سمعَكَ، وافتحْ لي قلبَكَ، وتأملْ كيفَ أن رائحةَ الدخانِ تبعثُ على النفورِ من مجالستكَ، بل قد يَصْرِفُك عن برِّ والديكَ؛ لأنك تخشَى يشُمُّوا رائحتَك؛ فأيُ خيرٍ يُرجَى من عملٍ يتسببُ في عقوقٍ؟!
بل أعظمُ من هذا يا أُخَيَّ: أنكَ تستحي جدًّا أن تُعانقَ شخصًا تُجِلُّه. فكيفَ إذاً تقِفُ في الصلاةِ أمامَ جبارِ الأرضِ والسمواتِ ورائحةُ الدخانِ تنبعثُ منك؟! فأين إجلالُ اللهِ، وأينَ وَقارُه في قلبِكَ؟
إن الناسَ تدفعُ الأموالَ لشراءِ الأطيابِ ذواتِ الروائحِ الزكيةِ الفوّاحةِ، وأنتَ -هداكَ اللهُ- ينبعِثُ منكَ ما يسؤوكَ وينوؤكَ.
ويكفي في تقبيحِ التدخينِ بالسجائرِ نهيُ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- مَنْ أكلَ ثومًا أو بصلاً أو كراثًا أن يدخلَ المسجدَ للصلاةِ، وسَمَّى آكِلَها آكلاً للخبيثِ، مع أنها في أصلِها مباحةً، فكيفَ بالدخانِ الذي هو محرمٌ أصلاً؟!
ويظهرُ التقبيحُ للتبغِ ومشتقاتِهِ من نواحيَ عدةٍ: مَنْعُ صاحبهِ من دخولِ المسجدِ. وتفويتُ صلاةِ الجماعةِ عليهِ. وإذهابُهُ على نفسهِ أجرَ سبعٍ وعشرينَ درجةً عن صلاةِ الفردِ.
ويتطورُ الأمرُ بأن وقعَ آخرونَ بما يسمَّى بالشيشةِ، والشيشةُ أدهَى وأمرّ، فقد أصدرتْ منظمةُ الصحةِ العالميةِ دراسةً تفيدُ أن تعاطيَ الشيشةِ أكثرُ أمراضًا، وأشدُ سرطاناتٍ؛ لاشتمالهِ على موادَ سُمِّيةٍ.
ولا تغترُوا بما يُرى مِن بعضِ الذين يشربونَه بأنَ أجسامَهم سليمةٌ بحسب مظهرهِم، ولكنِ اسألهم ماذا يحدثُ لهم من قلةِ الشهيةِ وكثرةِ السعالِ، وسرعةِ التعبِ عند أدنى مجهودٍ.
أيها الإخوةُ: ألا وإن مِن المخاوِفِ أن يفشوَ شُربُ هذا الدخانِ أو الشيشةِ بين الصبيانِ والشبابِ، وأهمُ أسبابِ انتشارهِ: رفقاءُ السوءِ، والفراغُ، وضَعفُ مراقبةِ الأبوينِ، وضَعفُ النصحِ منا برفقٍ لشاربهِ وبائعهِ.
فإلى كلِ شابٍ لم يسقطْ في مستنقعِ الدخانِ والشيشةِ: إيَّاكَ أن تقعَ فريسةً للشيطانِ كما وقَعَ غيرُك، واعلمْ أن هؤلاءِ لو سألتَهم عن واقعِهِم لقالُوا لكَ بالإجماعِ: نحنُ في بلاءٍ ومحنةٍ، وأنت في نعمةٍ ومنحةٍ.
فإياكَ وداءَ التجرِبةِ؛ فإن أولَ أمرِها يَسِيرٌ ثم تكونُ لها أَسِيرٌ. فكمْ أسقَطَتْ من شابٍ كانً محصِّنًا نفسَه عن الدخانِ سنينَ، بل لم تُحَدّثْهُ بشُربهِ، فإذا ما دَخَل عليه وَهْمُ التجرِبة إذْ بهِ يَسقطُ سقوطًا ذريعًا، ويَتَهافَتُ كتهافُتِ الفَرَاشِ في النارِ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي كفَى ووقَى، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ الهُدَى، أما بعدُ:
فمن جميلِ ما تفعلهُ جمعيةُ مكافحةِ التدخينِ مشكورةً تلكَ الحملاتُ العلاجيةُ والتوعويةُ، فشكَرَ اللهُ لهم بَذْلَهم وسَعْيَهم.
وعلى مَنْ مَنَّ اللهُ عليهِ بالعِصمةِ منه أنْ يحمدَ اللهَ على أن عافاهُ، وليدعُ اللهَ لإخوانِه بالتوبةِ منهُ.
ألَا وإنّ مِن فضلِ اللهِ علينا أنّ كثيراً مِن هؤلاءِ المدخنينَ يملكونَ قلوباً حيَّةً، وعواطف للخيرِ قويةً.
فاللهم في هذا المكانِ المباركِ، وفي هذا الساعةِ المباركةِ نسألك َمن فضلكَ وجودكَ أن تهبَ من لدنكَ لإخوانِنا المدخنينَ هدايةً وتوبةً صادقةً من هذا البلاءِ.
اللهم أقرَّ أعينَ والدِيهم وأزواجَهم بالخلاصِ من هذا الوباءِ.
اللهم إنك تعلمُ أن عامةَ إخوانِنا المدخنينَ مصلونَ ومتصدقونَ، ومحبونَ للخيرِ.
اللهم مُنَّ علينا وعليهم بتوبةٍ تمحوْ ما سلفَ وكانَ من الذنوبِ والعصيانِ. اللَّهُمَّ إِنّا عَائِذون بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا.
اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ.
اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ.
اللهمَ لكَ الحمدُ على الهدايةِ للإيمانِ، والأمنِ في الأوطانِ، والعافيةِ في الأبدانِ.
اللهمَ لكَ الحمدُ على اجتماعِ الكلمةِ على التوحيدِ والسنةِ، وعلى السمعِ والطاعةِ لمن ولاهُ اللهُ أمرَنا.
اللهم آمِن أوطانَنا، وأيِّدْ بالحقِ إمامَنا، ووليَ عهدِه، وأعزَّ بهمْ دينَك، وارزقهُم بطانةً صالحةً ناصحةً، دالّةً مُذكِّرةً.
اللهم احفظْ مجاهدِينا ومرابطِينا، وجنودَنا على حدودِنا، واكفِنا وإياهم وبلادَنا شرَّ الحاسدِينَ، وكيدَ الخائنين.
اللهمَ أعنَّا على أنْ نشكُرَكَ على لُطفِكَ في بلائِكَ، وأن علمتَنا سبيلَ دفعهِ، ورفعهِ. اللَّهُمُّ وَاِرْفَعْ عَنَا الْوَبَاءَ والداءَ.
اللهم باركْ في إجازتِنا، واجعلها عَونًا على طاعتِكَ. وأصلِح وِلدانَنا، وارحم والدِينا.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسلمْ عَلَى مُحَمَّدٍ.