الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | إسماعيل القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه |
كلام الله كلامٌ نفيس، مُحكمُ الآيات، مُبيِّنٌ للأحكام، لا يَمْل القارئُ من تلاوته، ولا السامعُ من سماعه، ولا العِالم من بيانه، ولا المُتعلم من تعلّمه، كتابٌ لا تنقضي عجائبه، فهو كتابٌ مبارك، كما وصفه الله بقوله: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ)، أي: كثير البركة حسًا ومعنى، لكثرة فوائده، وعموم نفعه، ودائم منفعته،...
الخطبة الأولى:
من منّة الله على هذه الأمة، أن أرسل إليها خير رسُله، وأنزل عليه أفضل كتبه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد.
فهو كتاب كريم كافٍ وشافٍ لكل من قام به وأدى حقه، أعجز العرب على بلاغتهم وفصاحتِهم، وحيّرهم في الحُكم عليه، قال -سبحانه-: (مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ)[سَبَإ: 43]، ومرة قالوا أساطير الأولين كما أخبر الله عنهم: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)[الأنفَال: 31].
وقد وصف الوليدُ بن المغيرة القرآنَ لقريش -وكان من رؤوسهم-: "فوالله ما من رجلٌ أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برَجزْه، ولا بقصيدِه، ولا بأشعار الجِنِّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، والله إنَّ لقولهِ الذي يقوله لحلاوة، وانه ليَحْطِمُ ما تحته، وانه ليعلو وما يُعْلى".
وقد تحدَّى الله المشركين أن يأتوا بعشر سور مثله، فقال -سبحانه-: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ)[هُود: 13]، وتحداهم لما عَجَزُوا عن العشر سور أن يأتوا بسورة واحدة، قال -سبحانه-: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ)[يُونس: 38].
وبعدها قال -تعالى-: (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)[الإسرَاء: 88].
وكان نزول القرآن الكريم على رسوله -صلى الله عليه وسلم- خلال ثلاثة وعشرين عامًا، نزل ابتداءً جملةً واحدة في ليلة القدر، في شهر رمضان، كما قال -عز وجل-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)[البَقَرَة: 185]، ثم نزل مُفَرَّقًا حسب الأحداث والوقائع قال -عز وجل- (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ)[الإسرَاء: 106]، قال السخاوي -رحمه الله-: "في نزول القرآن إلى السماء جملةً تكريمُ بني ادم، وتعظيمُ شأنه عند الملائكة، وتعريفهُم عنايةَ الله بهم، ورحمتُه لهم، ولهذا المعنى أمر سبعين ألفًا من الملائكة تشيع سورة الأنعام".
وللقران الكريم أسماءُ منها: القرآن، والفرقان، والكتاب، والهدى، والنور، والشفاء، والبيان، والموعظة، والرحمة، وبصائر، والبلاغ، والكريم، والمجيد، والعزيز، والمبارك، والتنزيل، والمنزل، والصراط المستقيم، وحبل الله، والذكر، والذكرى.
أما وصفه بأنه يقص وينطق ويحكم ويفتى ويبشر ويهدي فقال: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)[النَّمل: 76]، و(هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ)[الجَاثيَة: 29]، (قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ)[النِّسَاء: 127]، أي: يفتيكم أيضًا، (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ)[الإسرَاء: 9].
تتابَعَ الوحيُ خلال عقدين وزيادة، في الليل والنهار، والسفر والحضر، والسِّلم والحرب، في مكة والمدينة وخارجهما وما بينهما، وحرص الصحابة -رضي الله عنهم- على حفظه، وكتابتهِ في العُسُب -وهي جريد النخل- والرقاع، والأقتاب، إلى أن جمعه أبو بكر -رضي الله عنه-.
لِكلام الله فضل ومزية، تطمئن القلوب عند ذكره، ويُستشفى المرضى به بإذن الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أصابَ أحدًا قَطُّ هَمٌّ ولا حَزَنٌ، فقال: اللَّهُمَّ إنِّي عبدُكَ، ابنُ عبدِكَ، ابنُ أَمتِكَ، ناصيَتي بيَدِكَ، ماضٍ فيَّ حُكمُكَ، عَدلٌ فيَّ قَضاؤكَ، أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيتَ به نفْسَكَ، أو علَّمتَه أحدًا مِن خلْقِكَ، أو أنزَلتَه في كتابِكَ، أو استَأثَرتَ به في عِلمِ الغَيبِ عندَك، أنْ تجعَلَ القُرآنَ رَبيعَ قلبي، ونورَ صَدري، وجِلاءَ حُزني، وذَهابَ هَمِّي؛ إلّا أذهَبَ اللهُ هَمَّه وحُزنَه، وأبدَلَه مكانَه فَرحًا"، قالوا: يا رسول الله! ألا نتعلم هذه الكلمات؟ قال: " بلى، يَنبَغي لمَن سمِعَها أنْ يتعلَّمَها"(رواه أحمد).
قارئه ينال أرفعَ الدرجاتِ في الدنيا والآخرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين"(رواه مسلم)، وفي الآخرة قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق، ورتّل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإنَّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها"(رواه الترمذي).
نفعنا الله بكتابه الكريم، وبهدي أفضل المرسلين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
كلام الله كلامٌ نفيس، مُحكمُ الآيات، مُبيِّنٌ للأحكام، لا يَمْل القارئُ من تلاوته، ولا السامعُ من سماعه، ولا العِالم من بيانه، ولا المُتعلم من تعلّمه، كتابٌ لا تنقضي عجائبه، فهو كتابٌ مبارك، كما وصفه الله بقوله: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ)[ص: 29]، أي: كثير البركة حسًا ومعنى، لكثرة فوائده، وعموم نفعه، ودائم منفعته.
قال القشيري -رحمه الله-: "فهو مبارك، دائم، باق، لا ينسخه كتاب"، وقال الألوسي -رحمه الله-: "هو مبارك لما فيه من الخير الكثير لأنه هداية، ورحمةٌ للعالمين"، فهو مبارك في تلاوته بالأجر الكثير، والخير العميم، كما في الحديث "لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"(رواه الترمذي)، وهو مبارك بالاستشفاء به، كما في سيد القوم الذي لدغته عقرب، فقرأوا عليه الفاتحة، فبرأ فكأنما نَشِط من عِقَال، - والحديث بتمامه عند البخاري -، قال ميمون بن مهران -رحمه الله-: "خصلتان فيهما البركة: القرآن، والمطر".
فعليك بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، فهي نعمة تُغبط عليها، قال أبو ذر -رضي الله عنه-: "قلت يا رسول الله! أوصني قال: "عليك بتقوى الله، فإنه رأس الأمر كلِّه"، قال: يا رسول الله! زدني، قال: "عليك بتلاوة القرآن، فإنه نور لك في الأرض، وذخرٌ لك في السماء"(رواه ابن حبان).
فالقرآن الكريم بركةٌ لصاحبه في عمره، ووقتِه، وجهدِه، قال بعضُ السلف: "اشتغلنا بالقرآن، فعمرتنا الخيراتُ في الدنيا"، وأعظم هذه الخيرات الصحة والعافية، قال القرطبي -رحمه الله-: "من قرأ القرآن مُتِّعَ بعقله وإن بلغ المائة".
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، وجِلاء احزاننا.
وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.