الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالرحمن الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - المهلكات |
ما حافظ أحدٌ على أمانته مع ربه -جل وعلا-، ولا حافظ على أمانته مع نبيه محمدٍ عليه الصلاة والسلام، ولا حافظ على أمانته مع الخلق، إلا أنزل الله عليه أنواعًا من البركات والطمأنينة في القلب التي يجد معها سعادة مُعجلة في الدنيا قبل الآخرة.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ: فإن الله -جل وعلا- قد استأمن المكلفين على مستأمنٍ عظيم وأمانةٍ كبرى، وهي عبادته -جل وعلا-، أوجب عليهم ذلك؛ فإن قاموا بهذه الأمانة أفلحوا وسعِدوا في الآخرة والأولى، وإن هم أعرضوا واستنكفوا، كان عاقبة من استكبر واستنكر وأَبَى الخِزي.
كان عاقبته الخزي والخسران في الدنيا والآخرة؛ يقول رب العزة سبحانه: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72].
عرض الله الأمانة، أمانة التكاليف الشرعية، والقيام بالفرائض على السموات والأرض والجبال، عرضَ تخيير بأن تتعبد لله -جل وعلا-، فإن كانت الاستجابة، كان لها من الله حُسن الجزاء، وإن أعرضت فبضد ذلك.
لكنها استجابت لله؛ (ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت: 11].
فلم تُرد هذه السموات والأرض والجبال أن تكون في الاختبار، بل أرادت أن تكون طائعة منيبةً لربها، خاضعةً له على الدوام.
وهذا هو حال الكون بأسره؛ (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [البقرة: 74].
هذا حال الكون بأسره؛ (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) [الرعد: 15].
لكن الإنسان حمَل هذه التكاليف الشرعية، وكان له مع ذلك التكريم من الرحمن، فمَن استجاب واستقام، كان له حُسن العقبى دنيا وآخرة.
ومن أعرض فإنه متوعَدٌ بالعقوبة - عياذًا بالله من الإعراض - ولذلك أمَر الله -جل وعلا- عباده أن يحافظوا على هذه الأمانة، ونهاهم عن خيانتها؛ كما قال جل من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].
هذه الخيانة التي مقتضاها الانكفاف عن طاعة الله -جل وعلا-: (لَا تَخُونُوا اللَّهَ) [الأنفال: 27]، وذلك بأن من ترك طاعة الله وتوجَّه إلى معاصيه، فهذا نوعٌ من الخيانة، خيانة الأمانة التي أوجبت على العباد طاعة ربهم -جل وعلا-.
(وتَخُونُوا الرَّسُولَ): وذلك منهيٌ عنه، وصورته ترْك سُنته عليه الصلاة والسلام، والانكفاف عن طاعته، ومخالفته في هدْيه عليه الصلاة والسلام، (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) [الأنفال: 27]: هذه الأمانات التي يتبوَّؤها المرء ويقوم بها على اختلاف أنواعها؛ سواءً ما كان منها الأمانة الكبرى في عبادة ربنا -جل وعلا-، أو ما تفرَّع عنها عن الأمانات، ومنها الأمانات التي تكون للإنسان مع الآخرين لمقتضى العهود والمواثيق، فواجبٌ على المرء أن يَفِيَ بها مراقبةً لله -جل وعلا-.
وهذه العهود والمواثيق منها ما يكون مكتوبًا مُحررًا، ومنها ما يكون جاريًا على العُرف، أو مقولًا باللسان بإشهادٍ أو بغيره؛ ولذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذكر نوعٍ من أنواع هذه العهود والمواثيق والأمانات، فقال: "إن أحقَّ الشروط أن تُوفوا به ما استحللتم به الفروج"؛ متفقٌ عليه.
فالإنسان حينما يتزوَّج امرأةً يَستحلها بسم الله، يستحلها بشرع الله، فإن هذا من أعظم ما يجب أن يفي به، وأن يقوم عليه، لا أن يرتكب فيه الخيانة بالإضرار بهذه المرأة التي أباح الله له منها ما حرَّم على غيره، وهكذا الأمانة في تعاطي البيع والشراء مع الآخرين، فالمرء مراقبٌ لله؛ بائعًا كان، أم مُشتريًا، ومن كان على هذا النهج، فإنه يشيع البركة في المجتمع؛ لأن البيع والشراء إذا كان حلالًا أمينًا مخلصًا، كان معه البركة للجميع؛ كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه تبارَك وتعالى: "أنا ثالث الشريكين ما لم يَخُن أحدُهما الآخر"، وكما قال عليه الصلاة والسلام: "البيِّعان بالخيار فإن صدقا وبيَّنا، بُورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وأخلَفا، مُحِقت بركة بيعهما".
وهل حلَّ بالناس اليوم أنواعٌ من ضيق المعايش من غلاء السلع والأسعار، ومما يحصل من أنواع المضائق المتنوعة في تجاراتهم وأموالهم، وبيوعهم وشرائهم، إلا بسبب ما يُمارَس من عددٍ من الناس من أنواع هذه المخالفات؛ بدءًا بكبيرة الربا التي إذا حلت في دار قومٍ ألحقت بهم البَوار، إلى غير ذلك من جَشَعِ التُّجار وإغلائهم للأسعار، ومما يكون من أنواع الخيانات في البيوع والشراء التي يصاحبها أنواعٌ؛ إما من المكوس، أو من مثل ما يكون من الاختلاسات، أو غير ذلك من أنواع المحرمات في البيوع والشراء وغيره، إن ذلك كله مخالفة للأمانة التي أمر الله تعالى بحفظها، ومنطبقٌ عليه قول الله سبحانه وتعالى: (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].
ولذلك ما حافظ أحدٌ على أمانته مع ربه -جل وعلا-، ولا حافظ على أمانته مع نبيه محمدٍ عليه الصلاة والسلام، ولا حافظ على أمانته مع الخلق، إلا أنزل الله عليه أنواعًا من البركات والطمأنينة في القلب التي يجد معها سعادة مُعجلة في الدنيا قبل الآخرة.
ولما كان المال والأهل والأولاد كثيرًا ما يحمل الإنسان على الإخلال بهذه الأمانات، فقد نبَّه الله عقيب هذه الآية إلى خطورة التوجه إلى هذه المحرمات بسبب التعلق بالأموال والأولاد، فقال سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال: 28].
المال الذي هو قرين الروح، وحبيبٌ إلى النفس، وهو عصب الحياة، ربما حمل كثيرًا من الناس على أن يُخِلُّوا بأمانتهم، وأن يقترفوا من المحرمات ما الله به عليم، وهكذا الأولاد الذين يسعى الإنسان ويكد لأجلهم، وربما اقترف أنواعًا من المحرمات والخيانات في الأموال، لأجل أن يحصل لهم ما يضمن به ويطمئن لعيشهم الكريم، وما عَلِمَ أن دخول المال عليهم من بابٍ حرام، هو الخيانة لهم، وهو عين الإغرار بهم.
كان بعض نساء السلف إذا أراد زوجها أن يخرج إلى مكاسبه ومعايشه، تقول له: اتقِ الله فينا؛ فإنا نصبر على الجوع والفقر، ولا نَصبِر على اقتراف الحرام، وما بعده من النار والبوار، ولو أن الناس أخذوا بهذا المسلك قناعةً بما رزقهم الله، واكتفاءً واحتسابًا بما يفتح الله عليهم من الخير والبركة، مع ما أحلَّ -جل وعلا-، لرأوا من البركات والخيرات ما الله به عليم.
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) [الأنفال: 28]، المال ربما حمل الإنسان على كثيرٍ من المحرمات التي تتنوَّع بحسب مناصب الناس ومواضعهم، وغير ذلك من أماكنهم، ربما حملهم على أنواعٍ من الغدر وأنواعٍ من الخيانة، والشريعة الغرَّاء سبقت كل أنظمة مكافحة الفساد، بأن تجعل كل إنسانٍ رقيبًا على نفسه، فهو يراقب الله، ولا يراقب الخلق، يراقب الله -جل وعلا-، ويستشعر إحاطة الملكين الذين يكتبان حسناته وسيئاته، وإن غاب الرقيب والمراقب.
ولذا لَما كانت هذه الحال حاضرةً في أنفس الرعيل الأول من القرن - الذي هو خير القرون، وهو قرن نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام وقرن أصحابه - لما قالت تلك الأم في ظلام الليل لابنتها: اخلطي اللبن بالماء؛ حتى يَكثُر الحليب، ويزداد البيع، فقالت هذه البنت لأُمها التي دفعها حبُّ المال والازدياد منه، بأن ترتكب لهذا الإثم، قالت هذه البنت على مسمعٍ من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- - الذي كان يعس بالليل، ويتفقد أحوال رعيته بالظلام، فسمع البنت ترد على أُمها -: يا أماه، ألم تعلمي أن أمير المؤمنين نهى عن ذلك؟ أمير المؤمنين نهى في مراسيمه عن أن تكون مثل هذه المعاملات التي يُتساهل بها في البيع والشراء، قالت لها أُمُّها: وأين أمير المؤمنين عنك؟ قالت لها وقد استقر الإيمان في قلبها: إن كان عمر لا يرانا، فإن ربَّ عمر يرانا.
مثل هذه الحال التي تكون فيها المراقبة لله -جل وعلا- هي التي تضمن للناس حفظ حقوقهم في بيوعهم وشرائهم، هذه الحال التي تقوم على رجاء ما عند الله، وخوف عقوبته من مثل ما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لكل غادرٍ لواء يوم القيامة".
هذا اللواء الذي يُنشر على رؤوس الخلائق لكل غادرٍ خانَ الأمانة، ولم يحفظ الحق والعهد، يُجعلُ له لواءٌ عند أسفله - عند عَورته - يقال: هذه غَدرة فلان بن فلان.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- تبرَّأ من هذه الخيانات بكل أنواعها، فكانت في الأموال والنقدين من الذهب والفضة، أو من الممتلكات؛ من العقار، أو من الحيوان، وغير ذلك؛ جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا أُلفين أحدكم يوم القيامة".
يُحذر لا ألقى أحدًا منكم يوم القيامة وقد حمل على رأسه ما غلَّه وخان به وغدَر من حُطام هذه الدنيا، وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمثلة على ذلك شاة كانت أو بقرةً، أو كانت عقارًا يخفق، يقول لي: يا رسول الله، أدركني، فأقول: "لا أَملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك وبيَّنتُ لك"، أو كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام.
ومن مثل ما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من ظلم قيد شبرٍ من الأرض، طوقه من سبع أراضين يوم القيامة"؛ قال العلماء: المعنى في هذا الحديث أن من ظلم شيئًا من الأرض بأن أختلس وأضافه إلى مِلكه وهو لا يَملِكه، فإنه يُطوَّق به من سبع أراضين يوم القيامة، قيل: إنه يُجعلُ كالطوق على عنقه، وجاء في بعض الروايات أن من ظلم ولو قيد شبرٍ من الأرض، فإنه في يوم القيامة يُكلف بنقل تراب تلك الأرض، حتى يُقضى بين العباد، فالعباد يُفصل بينهم، وهو في هذا العذاب والنكال والخزي على رؤوس العباد.
من ظلم قيد شبر ولو شبرًا، فكيف بمن يظلم الأمتار والكيلومترات، ولا يستشعر هذه العاقبة السيئة؛ (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27]، تعلمون سوء هذه العاقبة بعد أن بيَّنها الله في كتابه وحذَّر منها، وبيَّنها نبيه عليه الصلاة والسلام، ولا ينبغي أن يكون الأهل والأولاد عُذرًا في اقتراف هذه الخيانات، فإنه يكون اكتسابها من طريقٍ حرام، وربما تمتع بها الأهل والأولاد، وكان عليه الخزي والحساب عياذًا بالله من ذلك، والمرء إذا احتسب ما عند الله، فإن الله عنده أجرٌ عظيم؛ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال: 28].
فإن هذه الأموال التي أردتم خيانتها إن دفعكم الشيطان، لا تُغني عنكم شيئًا؛ لأن مالكها هو الله؛ فإن الله عنده أجرٌ عظيم لمن احتسب عنده الأجر، يجعل له حسن العقبى في الآخرة والأولى.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ: فاعلموا رحمكم الله أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ في دين الله بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، واعلموا رحمكم الله أن مَلَكَ الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فالسعيد مَن وُعِظ بغيره، واستعد للقاء ربه.
واعلموا -رحمني الله وإياكم- أن خير ما يعين الإنسان على أن يسلك مسالك الإحسان، ويَجتنب طاعة الشيطان، أن يستشعر فيما يقدم عليه: هل ينفعه في آخرته أو يضره؟ فإذا جعل لنفسه هذا المعيار، هل هذا العمل الذي أُقدِم عليه من أمور الدنيا ينفعني في حفرتي في قبري؛ ينيرها، يضيئها، يُوسِّع عليّ فيها؟
فليُقدم وليُبشر بالخير من الله، وأما إن كانت الأخرى - إن كان ما يقدم عليه إنما هو إثمٌ وشَنار وعار - فينبغي أن يكفَّ عنه، وهذا مقتضى الإيمان ومقتضى العقل؛ لأنه لا خير في لذةٍ حاضرة تُورث عذابًا دائمًا، ولا خير في مُكتسبٍ هو مؤقتٌ ينال به الإنسان فرحةً لحظيةً، ثم يكون في عاقبتها العذاب والنَّكال في الدنيا والآخرة.
من جعل لنفسه هذا المعيار بأن يقيم على نفسه حسيبًا منها، هل ينفعه هذا العمل عند ربه أو يضره، كان عاقبة أمره إلى خير، وذلك أنه ولله الحمد الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ، لكن المشكلة فينا أننا مع علمنا بالحلال كثيرًا ما نتجنبه، وأنه مع علمنا بالحرام كثيرًا ما نقترفه، والسبب في ذلك هو التسويف والتأجيل، واستبعاد ما عند الله، ونسيان أو تناسي مراقبته -جل وعلا-، وتَكرار مثل هذا الأمر يورثُ حجابًا على القلب، يجعله لا يستشعر بعد ذلك حلالًا ولا حرامًا، ذلك أن الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: "إن العبد إذا عمل الخطيئة، نُكتتْ في قلبه نكتةٌ سوداء، فإن هو تاب ورجع، صُقِل قلبُه، وإن هو زاد - يعني في الإثم - زِيدَ في تلك النكتة السوداء - هذا الغطاء على القلب - حتى يغشى قلبَه الرانُ"، ثم تلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قول الله تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين: 14].
وإذا وصل المرء إلى هذه الحال -عياذًا بالله منها-، فإنه بعد ذلك لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، وضرب لهذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- مثالًا، قال: "حتى يعود كالكوز مجخيًا"، كالكأس المقلوب لا يعرف معروفًا ولا يُنكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه.
هذا الكأس المقلوب مهما أردت أن تجعل فيه من سائلٍ - ماءً كان، أو لبنًا، أو عصيرًا - ما استطعت، واكتفى بما في داخله من هذا الهواء الذي لا يمكن أن يُزاد عليه، هكذا القلب إذا استسهل الخطايا والمنكرات، تكون هي دَيدنه وتكون هي مساره، نعوذ بالله من مثل هذه الحال، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوالنا وأن يُعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
ألا وصلُّوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربنا بذلك، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد.
اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ يا رب العالمين.
اللهم اجعل بلدنا آمِنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا.
اللهم اهدِ قلوبهم للإيمان وأعِذهم من الشيطان، اللهم ارزقهم بطانةً صالحة، وأبعد عنهم بطانة السوء يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألك حُسن العاقبة في الأمور كلها يا حي يا قيوم.
اللهم إنا بأُمة نبيك محمدٍ عليه الصلاة والسلام من الفُرقة والخلاف، ومن الضَّعف والهَوان، ما لا يعلمه إلا أنت، ولا يَقدِر على كَشْفه إلا أنت، فنسألك اللهم فرَجًا عاجلًا لكل مكروبٍ من المسلمين.
اللهم اجمع أمر المسلمين على القرآن والسنة، اللهم أعذنا وإياهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء، ربَّنا يمكرون وأنت خير الماكرين، اللهم فامكر بأعداء دينك.
اللهم إنهم يمكرون بعبادك المؤمنين، وبدينك دين نبيك محمدٍ عليه الصلاة والسلام، وأنت خير الماكرين، اللهم فامكر بهم، اللهم من أراد بدينك سوءًا وبالمسلمين فسادًا، اللهم فأنزل بهم عذابك ومَقتك، يا قوي يا عزيز، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.