البحث

عبارات مقترحة:

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

سورة الإسراء

العربية

المؤلف مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. معجزة الإسراء .
  2. اهتمام سورة الإسراء بشؤون العقيدة .
  3. العنصر البارز فيها هو شخصية الرسول الكريم ومعجزاته وحُجَجه .
  4. تسميتها بسورة بني إسرائيل .
  5. تعرض السورة للأحكام والآداب الاجتماعية والأخلاق .
  6. فكرة موجزة عن السورة .
  7. تفسير بعض آياتها .

اقتباس

وكان الإسراء بالروح والجسد، يقظة لا مناماً، إلى بيت المقدس الذي بارك الله ما حوله بأنواع البركات الحسية والمعنوية، بالثمار والأنهار التي خص الله بها الشام، وبكونه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة الأطهار؛ ليُرِي محمداً -صلى الله عليه وسلم- من آياته العجيبة العظيمة، ويطلعه على ملكوت السماوات والأرض، فقد رأى -صلى الله عليه وسلم- السماوات العلى، والجنة والنار، وسدرة المنتهى ..

الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله، أسرى به ربه سبحانه ليريه من آياته الكبرى، صلَّى الله عليه وسلَّمَ وعلى آله وصحبه ومن والاه واتَّبَع هداه إلى يوم الدين.

فيا عباد الله: الإسراء معجزة عظيمة، اختص بها الله سبحانه عبده ورسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم-، وكانت مظهراً من مظاهر التكريم الإلهي لخاتم الأنبياء والمرسلين، وآية باهرة تدل على قدرة الله -جل وعلا- في صنع العجائب والغرائب.

والإسراءُ هو اسمُ سورةٍ في كتاب الله الكريم، هي السورة السابعة عشر في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها احدى عشرة ومائة آية، وهي من السورة المكية التي اهتمت بشئون العقيدة، وعنيت بأصول الدين: الوحدانية والرسالة والبعث.

ولكن العنصر البارز في هذه السورة الكريمة هو شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وما أيده الله به من المعجزات الباهرة، والحجج القاطعة الدالة على صدقه -صلى الله عليه وسلم-.

وتسمى السورة أيضاً بسورة بني إسرائيل، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء:1]، أي: تنزه الله وتقدس عما لا يليق بجلاله، الذي انتقل بعبده ونبيه -صلى الله عليه وسلم- في جزء من الليل من مكة المكرمة إلى بيت المقدس، وسمي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، حيث قطع المسافات الشاسعة البعيدة في جزء من الليل، وكانت مسيرة أربعين ليلة.

وكان الإسراء بالروح والجسد، يقظة لا مناماً، إلى بيت المقدس الذي بارك الله ما حوله بأنواع البركات الحسية والمعنوية، بالثمار والأنهار التي خص الله بها الشام، وبكونه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة الأطهار؛ ليُرِي محمداً -صلى الله عليه وسلم- من آياته العجيبة العظيمة، ويطلعه على ملكوت السماوات والأرض، فقد رأى -صلى الله عليه وسلم- السماوات العلى، والجنة والنار، وسدرة المنتهى، والملائكة والأنبياء، وغير ذلك من العجائب والآيات التي تدل على قدرة الله تعالى.

وتحدثت السورة الكريمة عن بني إسرائيل، وما كتب الله عليهم من التشرد في الأرض مرتين بسبب طغيانهم وفسادهم وعصيانهم لأوامر الله، (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) [4]، من الآية الرابعة إلى الآية الثامنة.

قال المفسرون: إن بني إسرائيل لما استحلوا المحارم وسفكوا الدماء سلط الله عليهم بختنصر ملك بابل فقتل منهم سبعين ألفاً حتى كاد يفنيهم هو وجنوده، وذلك أول الفساد.

ثم بين الله تعالى مزية القرآن الكريم فقال: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [9]، أي: لأقوم الطرق، وأوضح السبل، (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) [9-11]، أي: يدعو الإنسان بالشر على نفسه كدعائه بالخير، ولو استجيب له في الشر كما يستجاب له في الخير لهلك، ومن طبيعة الإنسان العجلة دون النظر في العاقبة.

وتحدثت السورة عن بعض الآيات الكونية الدالة على عظمة الله، وعلى النظام الدقيق الذي يحكم الليل والنهار، ويسير وفق ناموس ثابت لا يتبدل: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ) [12]، أي: طمسنا الليل فجعلناه مظلماً لتسكنوا فيه، (وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً)، أي: مضيئاً مشرقاً بالنور، (لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ)، أي: لتطلبوا في النهار أسباب معاشكم، (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ)، أي: ولتعلموا عدد الأيام والشهور والأعوام بتعاقب الليل والنهار، (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) [12]، أي: كل أمر من أمور الدنيا والدين بيناه أحسن تبيين.

وتعرضت السورة لبعض الأحكام والآداب الاجتماعية، والأخلاق الفاضلة الكريمة، فدعت إلى التحلي بها ليكون هناك المجتمع المثالي الفاضل، ومن ذلك ما يلي:

أولا: عبادة الله وحده لا شريك له، وقرن بها بر الوالدين والإحسان إليهما وخاصة في حال الكبر: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [23-24].

ثانيا: الإحسان إلى الأقارب والضعفاء والمساكين: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) [26].
ثالثا: النهي عن التبذير، وهو الإنفاق في غير حق: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [26-27].

رابعا: النهي عن البخل والإسراف، والأمر بالتوسط: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) [29].

خامسا: النهي عن قتل الأبناء مخافة الفقر، فرزقهم على الله، كما كان يحدث في الجاهلية: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) [31]، قال المفسرون: كان أهل الجاهلية يئدون البنات مخافة الفقر أو العار، فنهاهم الله عن ذلك وضمن أرزاقهم.

سادساً: النهي عن القرب من الزنا؛ لأنه فعل قبيح: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [32].

سابعاً: النهي الشديد عن قتل النفس التي حرم الله قتلها بغير حق شرعي موجب للقتل كالمرتد، والقاتل عمداً، والزاني المحصن: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) [33].

ثامناً: النهي عن التصرف في مال اليتيم إلا بما يحفظه ويستثمره: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [34]، أي: حتى يبلغ اليتيم سن الرشد ويحسن التصرف في ماله.

تاسعا: الأمر بالوفاء بالعهد، سواء أكان مع الله أو مع الناس: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [34].

عاشراً: الأمر بإتمام الكيل إذا كلتم لغيركم، من غير تطفيف ولا بخس: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ) [35].

حادي عشر: الأمر بالعدل في الوزن بالميزان، بلا احتيال ولا خديعة: (وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [36].

ثاني عشر: نهي الإنسان أن يتتبع ما لا يعلم ولا يعنيه، والأمر بالتثبت في كل خبر: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [37]، أي: إن الإنسان يُسأل يوم القيامة عن حواسه، عن سمعه وبصره وقلبه، وعما اكتسبته جوارحه.

ثالث عشر: النهي عن الاختيال في المشي، والتكبر فيه: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) [37].

ثم بين سبحانه أن كل هذه الأمور المذكورة مما نهى الله عنه كان أمراً قبيحاً محرما عند الله: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا * ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورً) [38-39].

وتحدثت السورة عن ضلالات المشركين حيث نسبوا إلى الله تعالى الصاحبة والولد، والعجيب في أمرهم أنهم يكرهون البنات ثم ينسبوها إلى الله العلي الكبير، المنزه عن الشبيه والنظير، (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا) [40].

ومما جاء في السورة قصة آدم وإبليس للعظة والاعتبار: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) [61-62]، أي: لاستأصلن ذريته بالإغواء والإضلال إلا قليلا منهم، (قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا) [63]، أي: جزاءً كاملاً وافراً لكم لا ينقص منه شيئاً.

(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) [64]، أي: استخِف واستجْهِل وحرِّك من أردت أن تستفزه فتخدعه بدعائك إلى الفساد، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: صوته كل داع يدعو إلى معصية الله. وقال مجاهد: صوته الغناء والمزامير واللهو.

(وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) [64]، أي: صِح عليهم بأعوانك وجنودك من كل راكب وراجل، (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ)، أي: بكسب الأموال من الحرام وإنفاقها في المعاصي، وأما الأولاد فبإكثار الفجور وأولاد الزنى، (وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [64]، أي: عدهم بالوعود المغرية الخادعة، والأماني الكاذبة.

ثم قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) [65]، أي: لن تصل إليهم بقدرة الله تعالى.

عباد الله: هذه لمحة عن بعض معاني آيات سورة الإسراء، وسنكمل الحديث عنها في الخطبة الثانية إن شاء الله.

نفعني الله وإياكم بها وبهدي كتابه الكريم، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي كرَّم بني آدم ورزقهم من الطيبات وفضلهم على كثير من خلقه تفضيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صَلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.

عباد الله: استكمالا للحديث عن سورة الإسراء فإنني أولاً أقول إنني لا أستطيع أن أعطيكم إلا فكرة موجزة عن السورة أو عن بعض آياتها وذلك في خطبة أو خطبتين، ولكن نقول، وبالله التوفيق: إن الله سبحانه امتن على الناس بأشياء كثيرة في السورة، منها تسيير السفن في البحر، وتنجيتهم من الغرق.

وامتن على النوع الإنساني بتكريمهم، ورزقهم، وتفضيلهم على سائر المخلوقات، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [70].

ومما جاء في السورة أيضا أمْر الله عز وجل لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها من وقت زوال الشمس عند الظهيرة إلى وقت ظلمة الليل وإقامة صلاة الفجر، وعبَّر عنها بقرآن الفجر لأنه يُطْلَب إطالة القراءة فيها: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [78]، أي: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) [79]، وهو الشفاعة العظمى يوم القيامة، (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) [80]، أي: أَدْخِلْني قبري مُدْخَل صدق، أي: إدخالا حسَنا، وأخرجني من قبري عند البعث إخراجاً حسناً.

وقيل المعنى: أدخلني فيما أمرتني به، وأخرجني مما نهيتني عنه؛ وقيل غيره، واجعل لي من عندك قوة ومنعة تنصرني بها على أعدائك، وتعز بها دينك؛ وقد استجاب الله دعاءه فنصره على الأعداء، وأعلى دينه على سائر الأديان.

(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [81]، أي: سطع نور الحق وضياؤه وهو الإسلام، وزهق الباطل وأنصاره وهو الكفر وعبادة الأصنام، إن الباطل لا بقاء له ولا ثبوت؛ لأنه يضمحل ويتلاشى.

روى النبي -صلى الله عليه وسلم-: لما دخل مكة عام الفتح كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، فما بقي منها صنم إلا خر لوجهه، ثم أمر بها فكسرت.

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [82]، أي: ما يشفي القلوب من أمراض الجهل والضلال، ويُذهب صدأ النفوس من الهوى والدنس والشح والحسد.

كما ذكرت السورة تعنت المشركين في اقتراحاتهم، حيث طلبوا من الرسول -صلى الله عليه وسلم- معجزات أخرى غير القرآن، ومنها أن يفجر الأنهار، ويجعل مكة حدائق وبساتين.

وتمضي السورة الكريمة لتختتم بتنزيه الله عن الشريك والولد، وعن صفات النقص: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [111].

عباد الله: هذا ما تمكنا من ذكره عن سورة الإسراء، نفعنا الله بها وبما جاء في كتابه الكريم، إن الله سميع قريب مجيب الدعاء.

وصَلُّوا وسلموا على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.