الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | إسماعيل القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
مَنْ هُدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسوله وأنزل به كتبه، هُدِيَ هناك إلى الصراط المستقيم الموصِّل إلى جنته دارِ ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط، يكون سيره على ذاك الصراط، ولينظر العبدُ الشبهاتِ والشهواتِ التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط...
الخطبة الأولى:
أمر الله -عز وجل- عباده بالاستقامة على دينه، وامتثال أمره في آيات عديدة من كتابه الكريم، قال -سبحانه- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ)[هُود: 112].
والاستقامة على دينه من المنن التي امتن الله بها على أنبيائه -عليهم السلام-، فقال عن موسى وهارون: (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الصَّافات: 118]، وقال في وصف إبراهيم -عليهما السلام-: (شَاكِرًا لأَِنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[النّحل: 121].
وقال عن أنبيائه -عليهم السلام- إسماعيلَ واليسعَ ويونسَ ولوطٍ: (وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الأنعَام: 87]، قال ابن حجر -رحمه الله- في معنى الاستقامة: "هي كناية عن التمسك بأمر الله -تعالى- فعلاً وتركًا".
وأوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- بالاستقامة لمَّا أراد سفرًا، قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني قال: "اعبد الله لا تشرك به شيئًا"، قال: يا رسول الله زدني، قال: "إذا أسأت فأحسن"، قال: يا رسول الله زد، قال: "استقم وأحسن خُلُقك"(رواه الحاكم).
ووصى النبي -صلى الله عليه وسلم- سفيانَ بنَ عبد الله -رضي الله عنه-: "قل: آمنت بالله، ثم استقم"(رواه النسائي)، وهي نعمة من نعم الله على عبده.
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في معنى الاستقامة: "أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تراوغ روغان الثعالب"، وقال علي بن أبي طالب وابن عباس -رضي الله عنهم- في الاستقامة: "إنها أداء الفرائض"، وقال الحسن: "استقاموا على أمر الله، فعملوا بطاعته، واجتبوا معصيته".
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "الكرامة هي لزوم الاستقامة، وهي طاعة الله، وإنما هي مما يبتلى الله به عبده، فإن أطاعه بها رفعه، وإن عصاه بها خفضه، وإن كانت من آثار طاعة أخرى، كما قال -تعالى-: (وَأَلَّوِِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأََسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا)[الجنّ: 16-17]".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "لزوم الاستقامة ودوام العبودية أفضلُ كَشْفٍ يُعطاه العبد، وهذه أفضل كرامة يكرم بها الولي".
ومدار الاستقامة صلاح القلب واللسان، فإن ابن آدم إذا أصبح فإن أعضاءه تُكفِّر اللسان -أي تذل وتخضع لأمره- تقول: "اتق الله فينا، فإنك إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا"، ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يستقيمُ إيمانُ عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانه"(رواه أحمد).
وأعظم هادٍ إلى الصراط المستقيم ومحرّكٍ للقلب واللسان هو كتاب الله، قراءة وتدبرًا، قالت الجن في وصفه: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)[الأحقاف: 30]، وقال -سبحانه-: (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ)[التّكوير: 27-28].
كما أن الاعتصامَ بكتابه ولزومَ هديه هو المنجِّي في الدنيا والآخرة من الهلاك، قال -سبحانه-: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[آل عِمرَان: 101].
وقد خطَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا خطًّا، ثم قال: "هذا سبيلُ الله، ثم خطَّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سُبُل، وعلى كلِّ سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم تلا هذه الآية: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)[الأنعَام: 153]"(رواه النسائي).
نسأل الله أن يجعلنا ممن هدي الى صراط مستقيم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
اعلموا أن الفلاح في الدنيا والآخرة، هو لزوم صراط الله المستقيم والدعاء بذلك، ولذا ذكرها الله في فاتحة كتابه بقوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الفَاتِحَة: 6]، حيث النعيم المقيم لأهلها، قال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[فُصّلَت: 30].
قال ابن القيم -رحمه الله-: "مَنْ هُدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسوله وأنزل به كتبه، هُدِيَ هناك إلى الصراط المستقيم الموصِّل إلى جنته دارِ ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط، يكون سيره على ذاك الصراط، ولينظر العبدُ الشبهاتِ والشهواتِ التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط، فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط، تخطفه، وتعيقه عن المرور عليه، فإن كثرت هنا وقويت، فكذلك هي هناك، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)[فُصّلَت: 46]".
نسأل الله لنا ولكم الاستقامة ظاهرًا وباطنًا، وأن يثبتنا على قوله الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.