البحث

عبارات مقترحة:

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

اكتساب الحسنات بإقامة الصلوات

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد البصري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. مكانة الصلاة في الإسلام .
  2. عظم الأجر في ترديد الأذان .
  3. فضل إسباغ الوضوء والمشي إلى المساجد لأداء الصلاة .
  4. أبواب الأجور في الذكر بعد الصلاة .
  5. الحث على حسن اغتنام شعائر الصلاة في تحصيل الأجور. .

اقتباس

إِنَّ هَذِهِ العِبَادَةَ العَظِيمَةَ وَالشَّعِيرَةَ المُهِمَّةَ، إِنَّهَا لَبَحرٌ زَاخِرٌ مِنَ الأُجُورِ المُضَاعَفَةِ، وَنَهَرٌ مُتَدَفِّقٌ بِالفَضَائِلِ المُبَارَكَةِ، يَجرِي لِلمُحَافِظِ عَلَيهَا وَالمُهتَمِّ بها، لَيسَ في أَثنَاءِ أَدَائِهَا فَحَسبُ، بَل قَبلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَفي أَثنَاءِ التَّهَيُّؤِ لَهَا والمَسِيرِ إِلَيهَا، وَهُوَ جَالِسٌ في المَسجِدِ يَنتَظِرُهَا، فَمَن ذَا الَّذِي هُوَ مُستَغنٍ عَنِ الأَجرِ حَتى يُفَرِّطَ في عِبَادَةٍ كُلُّ لَحظَةٍ مِن لَحَظَاتِهَا خَيرٌ وَنُورٌ وَبَرَكَةٌ؟! إِنَّ الصَّلاةَ مَعِينٌ مِنَ الخَيرَاتِ وَالبَرَكَاتِ وَالأُجُورِ لا يَنضَبُ وَلا يَنقَطِعُ، فَتَزَوَّدُوا مَا دُمتُم قَادِرِينَ عَلَى التَّزَوُّدِ، وَالبِدَارَ البِدَارَ قَبلَ انقِضَاءِ الأَعمَارِ، وَالغَنِيمَةَ الغَنِيمَةَ...

الخطبة الأولى:

أَمَّا بَعدُ، فَـ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: هَذِهِ الصَّلاةُ الَّتي هِيَ عَمُودُ الدِّينِ، وَعَهدٌ بَينَ أَهلِ النِّفَاقِ وَالمُؤمِنِينَ، وَمِيزَانٌ لِصَلاحِ الأَعمَالِ أَو فَسَادِهَا يَومَ الدِّينِ، وَالَّتي صَارَتِ اليَومَ عَلَى عَدَدٍ مِنَ النَّاسِ حِملاً ثَقِيلاً وَعِبئًا شَاقًّا، فَغَدَوا بَينَ مُفَرِّطٍ فِيهَا وَمُتَكَاسِلٍ عَنهَا.

إِنَّ هَذِهِ العِبَادَةَ العَظِيمَةَ وَالشَّعِيرَةَ المُهِمَّةَ، إِنَّهَا لَبَحرٌ زَاخِرٌ مِنَ الأُجُورِ المُضَاعَفَةِ، وَنَهَرٌ مُتَدَفِّقٌ بِالفَضَائِلِ المُبَارَكَةِ، يَجرِي لِلمُحَافِظِ عَلَيهَا وَالمُهتَمِّ بها، لَيسَ في أَثنَاءِ أَدَائِهَا فَحَسبُ، بَل قَبلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَفي أَثنَاءِ التَّهَيُّؤِ لَهَا والمَسِيرِ إِلَيهَا، وَهُوَ جَالِسٌ في المَسجِدِ يَنتَظِرُهَا، فَمَن ذَا الَّذِي هُوَ مُستَغنٍ عَنِ الأَجرِ حَتى يُفَرِّطَ في عِبَادَةٍ كُلُّ لَحظَةٍ مِن لَحَظَاتِهَا خَيرٌ وَنُورٌ وَبَرَكَةٌ؟!

عِبَادَ اللهِ، تَبدَأُ بَرَكَاتُ الصَّلاةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الخَيرَاتِ وَالحَسَنَاتِ مِن حِينِ يُؤَذَّنُ لها، حَيثُ يُشرَعُ لِلمُؤمِنِ التَّردِيدُ مَعَ المُؤذِنِ ثم تِلاوَةُ الذِّكرِ المَشرُوعِ، لِيَنَالَ مَا وُعِدَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ مِن فَضَائِلَ وَأُجُورٍ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، فَقَالَ أَحَدُكُمُ: اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قَالَ: أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، قَالَ: أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، قَالَ: لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، قَالَ: اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مِن قَلبِهِ؛ دَخَلَ الجَنَّةَ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

وَقَالَ –عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "مَن قَالَ حِينَ يَسمَعُ النِّدَاءَ اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابعَثْهُ مَقَامًا مَحمُودًا الَّذِي وَعَدتَهُ، حَلَّت لَهُ شَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ).

وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "مَن قَالَ حِينَ يَسمَعُ المُؤَذِّنَ أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالإِسلامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنبُهُ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

 وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا سَمِعتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ ليَ الوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لا تَنبَغِي إِلاَّ لِعَبدٍ مِن عِبَادِ اللهِ، وَأَرجُو أَن أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَن سَأَلَ ليَ الوَسِيلَةَ حَلَّت عَلَيهِ الشَّفَاعَةُ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

إِنَّهَا مَكَاسِبُ وَأَربَاحٌ تَتَوَالى قَبلَ الشُّرُوعِ في الصَّلاةِ، بَل قَد تَكُونُ قَبلَ التَّجَهُّزِ لها بِالوُضُوءِ وَالطَّهَارَةِ: شَفَاعَةُ خَيرِ الخَلقِ، وَغُفرَانُ الذَّنبِ، وَضَمَانٌ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، وَثَنَاءٌ مِنَ اللهِ في المَلأِ الأَعلَى.

وَمَعَ كُلِّ صَلاةٍ غَالِبًا وُضُوءٌ وَطَهَارَةٌ، وَالطُّهُورُ شَطرُ الإِيمَانِ، وَالوُضُوءِ سَبَبٌ لِمَغفِرَةِ الذُّنُوبِ وَمَحوِ الخَطَايَا وَرِفعَةِ الدَّرَجَاتِ وَتَطهِيرِ الجَوَارِحِ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا تَوَضَّأَ العَبدُ المُسلِمُ أَوِ المُؤمِنُ فَغَسَلَ وَجهَهُ، خَرَجَ مِن وَجهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيهَا بِعَينَيهِ مَعَ المَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيهِ خَرَجَ مِن يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجلَيهِ خَرَجَت كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتهَا رِجلاَهُ مَعَ المَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطرِ المَاءِ، حَتَّى يَخرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

 وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "أَلاَ أَدُلُّكُم عَلَى مَا يَمحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "إِسبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَا مِنكُم مِن أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبلِغُ أَو فَيُسبِغُ الوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَت لَهُ أَبوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدخُلُ مِن أَيِّهَا شَاءَ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

وَبَعدَ أَن يَتَطَهَّرَ المُؤمِنُ وَيُزِيلُ عَنهُ الأَذَى، وَيَتَطَيَّبَ لِلِقَاءِ رَبِّهِ، وَيَمشِي خُطُوَاتٍ مِن بَيتِهِ أَو مَكَانِ عَمَلِهِ إِلى مَسجِدِهِ، فَإِنَّهُ مَوعُودٌ بِحَسَنَاتٍ عَظِيمَةٍ وَدَرَجَاتٍ عَالِيَةٍ، يَنَالُهَا في ذَلِكَ المَسِيرِ المُبَارَكِ، ثم لا يَزَالُ فِيهَا مَا دَامَ جَالِسًا لانتِظَارِ الصَّلاةِ، بَل إِنَّ جُلُوسَهُ ذَلِكَ نَوعٌ مِنَ الرِّبَاطِ في سَبِيلِ اللهِ.

قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "صَلاَةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ في بَيتِهِ وَصَلاَتِهِ في سُوقِهِ خَمسًا وَعِشرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُم إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحسَنَ، وَأَتَى المَسجِدَ لا يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاةَ، لم يَخطُ خَطوَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بها دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدخُلَ المَسجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ المَسجِدَ كَانَ في صَلاةٍ مَا كَانَت تَحبِسُهُ، وَتُصَلِّي عَلَيهِ المَلاَئِكَةُ مَا دَامَ في مَجلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فيهِ: اللهُمَّ اغفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارحَمْهُ، مَا لم يُحدِثْ فِيه" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).

 وَقَالَ –عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "أَلاَ أَدُلُّكُم عَلَى مَا يَمحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟!" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "إِسبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ وَكَثرَةُ الخُطَا إِلى المَسَاجِدِ وَانتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

وَلِلمُؤمِنِ إِضَافَةً إِلى هَذِهِ الحَسَنَاتِ الجَارِيَةِ وَهُوَ في مَجلِسِهِ المُبَارَكِ بَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، لَهُ فُرصَةٌ لِلدُّعَاءِ أَو قِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ مِن كَلامِ رَبِّهِ، وَهُوَ مَوعُودٌ بِالإِجَابَةِ وَعَظِيمِ الأَجرِ، قَالَ –عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "الدُّعَاءُ بَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لا يُرَدُّ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَالنَّسَائيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: صَحِيحٌ لِغَيرِهِ).

وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَن قَرَأَ حَرفًا مِن كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشرِ أَمثَالِهَا، لا أَقُولُ: آلم حَرفٌ. وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرفٌ، وَلامٌ حَرفٌ، وَمِيمٌ حَرفٌ" (رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

وَأَمَّا الصَّلاة نَفسُهَا بما فِيهَا مِن قِرَاءَةِ قُرآنٍ وَذِكرٍ وَدُعَاءٍ، وَرَفعٍ وَخَفضٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقُعُودٍ، فَكُلُّهَا حَسَنَاتٌ وَدَرَجَاتٌ، وَحَطٌّ لِلخَطَايَا وَتَكفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "أَرَأَيتُم لَو أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُم يَغتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَومٍ خَمسَ مَرَّاتٍ هَل يَبقَى مِن دَرَنِهِ شَيءٌ؟!" قَالُوا: لا يَبقَى مِن دَرَنِهِ شَيءٌ، قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ، يَمحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ).

وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "مَا مِن امرِئٍ مُسلِمٍ تَحضُرُهُ صَلاةٌ مَكتُوبَةٌ فَيُحسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَت كَفَّارَةً لما قَبلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لم يُؤتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهرَ كُلَّهُ" رَوَاهُ مُسلِمٌ، وَقَالَ –عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "عَلَيكَ بِكَثرَةِ السُّجُودِ للهِ ؛ فَإِنَّكَ لا تَسجُدُ للهِ سَجدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بها دَرجَةً، وَحَطَّ عَنكَ بها خَطِيئَةً" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

وَيُسَلِّمُ المُؤمِنُ مِن صَلاتِهِ، فَيَستَغفِرُ اللهَ ثم يَتلُو الأَذكَارَ المَسنُونَةَ، مِن تَسبِيحٍ وَتَحمِيدٍ وَتَهلِيلٍ وَتَكبِيرٍ، وَقِرَاءَةٍ لآيَةِ الكُرسِيِّ وَلِلمُعَوِّذَاتِ، وَكُلُّ هَذِهِ الأَعمَالِ أُجُورٌ وَحَسَنَاتٌ وَصَدَقَاتٌ مِنَ المَرءِ عَلَى نَفسِهِ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَن سَبَّحَ اللهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلاَثًا وَثَلاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، فَتِلكَ تِسعَةٌ وَتِسعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ المِئَةِ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَت خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَت مِثلَ زَبَدِ البَحرِ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

وَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَموالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلا وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُم فَضلٌ مِن أَموَالٍ يَحُجُّونَ بها وَيَعتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: "أَلا أُحَدِّثكُم بما إِنْ أَخَذتُم بِهِ أَدرَكتُم مَن سَبَقَكُم وَلم يُدرِكْكُم أَحَدٌ بَعدَكُم، وَكُنتُم خَيرَ مَن أَنتُم بَينَ ظَهرَانَيهِم إِلاَّ مَن عَمِلَ مِثلَهُ؟! تُسبِّحُونَ وَتَحمَدُونَ وَتكبِّرُونَ خَلفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثًا وَثَلاَثِينَ" الحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 وَقَالَ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِ -: "خَصلَتَانِ أَو خَلَّتَانِ لا يُحَافِظُ عَلَيهِمَا عَبدٌ مُسلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ، هُمَا يَسِيرٌ وَمَن يَعمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ في دُبَرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشرًا، وَيَحمَدُ عَشرًا، وَيُكَبِّرُ عَشرًا، فَذَلِكَ خَمسُونَ وَمِئَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلفٌ وَخَمسُ مِئَةٍ في المِيزَانِ..." الحَدِيثَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

 وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "مَن قَرَأَ آيَةَ الكُرسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ لم يَمنَعْهُ مِن دُخُولِ الجَنَّةِ إِلاَّ أَن يَمُوتَ" (رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

وَقَبلَ الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَةِ وَبَعدَها، رَوَاتِبُ مُستَحَبَّاتٌ وَرَكَعَاتٌ مَسنُونَاتٌ، قَلِيلٌ عَدَدُهَا، ثَقِيلٌ قَدرُهَا، عَمِيقٌ أَثَرُهَا، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَا مِن عَبدٍ مُسلِمٍ يُصَلِّي للهِ -تَعَالى– في كُلِّ يَومٍ ثِنتَي عَشرَةَ رَكعَةً تَطَوُّعًا غَيرَ فَرِيضَةٍ، إِلاَّ بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا في الجَنَّةِ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

إِنَّ الصَّلاةَ نَبعُ غَنِيٌّ بِالحَسَنَاتِ، وَنَهَرٌ مِنَ الأُجُورِ، وَسَيلٌ مِنَ الفَضَائِلِ، مُنذُ أَن يَدخُلَ وَقتُهَا وَيُؤَذَّنَ لَهَا، وَيَهِمَّ بها المُسلِمُ وَيَسعَى إِلَيهَا، وَهُوَ يَتَقَلَّبُ في كَنزٍ مِنَ الخَيرَاتِ، فَاتَّقُوا اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ، وَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ العَجزِ وَالكَسَلِ عَنِ الطَّاعَاتِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) [الحج: 78].

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم، وَتَزَوَّدُوا بما يَنفَعُكُم قَبلَ رَحِيلِكُم (وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ) [البقرة: 283].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَمِن بَرَكَةِ الصَّلاةِ أَنَّ المُسلِمَ في طَرِيقِهِ إِلى المَسجِدِ، وَهُوَ في دَاخِلِهِ أَو بَعدَ الخُرُوجِ مِنهُ، يَلقَى عَدَدًا مِن إِخوَانِهِ المُسلِمِينَ، فَيُسَلِّمُ عَلَيهِم وَيُصَافِحُهُم وَيَتَبَسَّمُ في وُجُوهِهِم، فَتَقوَى صِلَتُهُ بِهِم، وَفي كُلِّ هَذَا أَجرٌ وَحَطٌّ لِلوِزرِ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "تَبَسُّمُكَ في وَجهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ" (رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

 وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِذَا تَصَافَحَ المُسلِمَانِ لم تُفَرَّقْ أَكُفُّهُمَا حَتَّى يُغفَرَ لَهُمَا" (رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ)، وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِنَّ المُؤمِنَ إِذَا لَقِيَ المُؤمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَت خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ" (رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: صَحِيحٌ لِغَيرِهِ).

إِنَّ الصَّلاةَ مَعِينٌ مِنَ الخَيرَاتِ وَالبَرَكَاتِ وَالأُجُورِ لا يَنضَبُ وَلا يَنقَطِعُ، فَتَزَوَّدُوا مَا دُمتُم قَادِرِينَ عَلَى التَّزَوُّدِ، وَالبِدَارَ البِدَارَ قَبلَ انقِضَاءِ الأَعمَارِ، وَالغَنِيمَةَ الغَنِيمَةَ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ لا يَستَطِيعُ أَحَدُكُم أَن يَنَالَ مِن هَذَا الخَيرِ شَيئًا، فَإِنَّ كُلاًّ غَدًا مَرهُونٌ بِعَمَلِهِ وَكَسبِ يَدِهِ (كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصحَابَ اليَمِينِ. في جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ المُجرِمِينَ. مَا سَلَكَكُم فِي سَقَرَ. قَالُوا لَم نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ. وَلَم نَكُ نُطعِمُ المِسكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ. فَمَا تَنفَعُهُم شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر: 42- 48].