البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

الاستنصار بالدعاء

العربية

المؤلف محمد بن سليمان المهوس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الدعاء سلاح المؤمن .
  2. فضائل الدعاء .
  3. الدعاء في مواجهة الأعداء .
  4. من أهم أسباب إجابة الدعاء. .

اقتباس

عِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ، وَسِلاَحٌ يَتَسَلَّحُ بِهِ الْمُؤْمِنُ فِي الشَّدَائِدِ؛ يَدْفَعُ الْبَلاَيَا وَالرَّزَايَا، وَيَجْلِبُ الْخَيْرَ وَالْعَطَايَا؛ إِنَّهَا عِبَادَةُ الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ عَدُوُّ الْبَلاَءِ؛ يَرْفَعُهُ وَيَدْفَعُهُ وَيُقَاوِمُهُ، وَهُوَ مَفْزَعُ الْمُؤْمِنِ وَمَلْجَؤُهُ. فَالْمُؤْمِنُ فِي شَدَائِدِهِ وَضَرَّائِهِ وَنَوَازِلِهِ وَبَلاَئِهِ لاَ يَلْجَأُ إِلاَّ إِلَى اللهِ -جَلَّ فِي عُلاَهُ-، مُسْتَشْعِرًا عَظَمَةَ اللُّجُوءِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ لِمَنْ دَعَاهُ...

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ، وَسِلاَحٌ يَتَسَلَّحُ بِهِ الْمُؤْمِنُ فِي الشَّدَائِدِ؛ يَدْفَعُ الْبَلاَيَا وَالرَّزَايَا، وَيَجْلِبُ الْخَيْرَ وَالْعَطَايَا؛ إِنَّهَا عِبَادَةُ الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ عَدُوُّ الْبَلاَءِ؛ يَرْفَعُهُ وَيَدْفَعُهُ وَيُقَاوِمُهُ، وَهُوَ مَفْزَعُ الْمُؤْمِنِ وَمَلْجَؤُهُ.

فَالْمُؤْمِنُ فِي شَدَائِدِهِ وَضَرَّائِهِ وَنَوَازِلِهِ وَبَلاَئِهِ لاَ يَلْجَأُ إِلاَّ إِلَى اللهِ -جَلَّ فِي عُلاَهُ-، مُسْتَشْعِرًا عَظَمَةَ اللُّجُوءِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ لِمَنْ دَعَاهُ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى- عَنْ نَفْسِهِ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186].

وَقَالَ -تَعَالَى-: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)[هود: 61]، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ، أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا؛ إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ"(رواه البخاري).

وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ الْهِدَايَةِ وَالثَّبَاتِ، وَدَفْعِ أَوْ رَفْعِ الأَزَمَاتِ بَعْدَ تَوْفِيقِ رَبِّ الْبَرِيَّاتِ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أََنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)[الأعراف: 55].

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: وَقَوْلُهُ: (إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ) أَيْ: ابْتِلاَؤُكَ وَاخْتِبَارُكَ وَامْتِحَانُكَ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَلاَ مَعْنَى لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ; يَقُولُ: إِنِ الأَمْرُ إِلاَّ أَمْرُكَ، وَإِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لَكَ، فَمَا شِئْتَ كَانَ، تُضِلُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ، وَلاَ هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ، وَلاَ مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، فَالْمُلْكُ كُلُّهُ لَكَ، وَالْحُكْمُ كُلُّه لَكَ، لَكَ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ.

وَالدُّعَاءُ سِلاَحُ الْمُؤْمِنِ فِي مُوَاجَهَةِ الأَعْدَاءِ، وَصَدِّ شَرِّهِمْ وَمَكْرِهِمْ وَبَغْيِهِمْ، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؛ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَنَيِّفٌ، وَنَظَر إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ وَزِيَادَةٌ.

فَاسْتَقبَلَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَنجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنَّكَ إِنْ تُهلِكْ هَذِهِ العِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَلاَ تُعْبَدُ فِي الأَرْضِ أَبَدًا". قَالَ: "فَمَا زَالَ يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَيَدْعُوهُ حَتَّى سَقَطَ رِداؤُهُ، وَأَنزَلَ اللهُ -عزَّ وَجَلَّ-: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)[الأنفال: 9].

فَالدُّعَاءُ سِلاَحٌ وَنُصْرَةٌ لاَ يَتَخَلَّفُ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلاَ يُخَيِّبُ صَاحِبَهُ وَلاَ يُخْذُلُهُ -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى-؛ فَتَسَلَّحُوا بِهِ عِبَادَ اللهِ، بَعْدَ إِحْسَانِ الْعَمَلِ للهِ -تَعَالَى-؛ فَنَحْن نُوَاجِهُ أَعْدَاءً  يُرِيدُونَ عَقِيدَتَنَا وَبِلاَدَنَا وَأَمْنَنَا، وَأَقْرَبُ مِثَالٍ: تِلْكَ الْفِرْقَةُ الرَّافِضِيَّةُ الْخَبِيثَةُ، وَالْجَمَاعَةُ الإِرْهَابِيَّةُ الْحَقِيرَةُ الَّتِي تُسَمَّى بِجَمَاعَةِ الْحُوثِيِّينَ، وَمَنْ يَقِفُ وَرَاءَهَا مِنْ أَذْنَابِ الْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ.

نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُحَقِّقَ لَهُمْ غَايَةً، وَلَا يَرْفَعَ لَهُمْ رَايَةً؛ وَأَنْ يَجْعَلَهُمْ لِغَيْرِهِمْ عِبْرَةً وِعِظَةً وَآيَةً، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرِ الرَّحِيمِ

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ: الإِخْلاَصَ للهِ وَالصِّدْقَ مَعَهُ؛ كَمَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[غافر: 14].

وَمِنَ الأَسْبَابِ: فِعْلُ الصَّالِحَاتِ وَالْبُعْدُ عَنِ الذُّنُوبِ وَالْمُوبِقَاتِ؛ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء: 89-90].

وَمِنَ الأَسْبَابِ أَيْضًا: التَّوْبَةُ وَالاسْتِغْفَارُ؛ فَالاِعْتِرَافُ بِالذَّنْبِ وَالاِسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ بَيْنَ يَدَيِ الدُّعَاءِ، مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الإِجَابَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[نوح: 10 - 12].

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، وَقَالَ ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).