المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | إسماعيل القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
يدبّر أمور الكون على ما يريد، فما كان فيه وما يجري فيه من صغير أو كبير؛ فبإرادته -سبحانه- وتدبيره، وهي بعِلْم منه وحكمة، لا يشاركه في ذلك غيره، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن -سبحانه وتعالى-. فالله يدبّر أحوال العباد؛ يُسْعِد ويُشْقِي، ويمنع ويعطي، ويُفْقِر ويُغْنِي، ويُمْرِض ويُصِحّ، ويحيي ويميت، كل الأمور بيده، ومصير كل العباد إليه..
الخطبة الأولى:
من صفات الله -عز وجل-، أنه هو النافع الضار، المعطي المانع، المحيي المميت، القابض الباسط، الأول الآخر، الظاهر الباطن، وغيرها من الصفات؛ وأسماؤه -جل وعلا- حسنى، وصفاته علا.
ومن أسمائه الحسنى وصفاته العلى: المدبر؛ فهو -سبحانه- المدبر للكون، وما فيه وما عليه. فتسيير السحاب بتدبيره، وتصريف الرياح بتدبيره وتعاقب الليل والنهار والشمس والقمر بتدبيره.
يدبّر أمور الكون على ما يريد، فما كان فيه وما يجري فيه من صغير أو كبير؛ فبإرادته -سبحانه- وتدبيره، وهي بعِلْم منه وحكمة، لا يشاركه في ذلك غيره، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن -سبحانه وتعالى-.
فالله يدبّر أحوال العباد؛ يُسْعِد ويُشْقِي، ويمنع ويعطي، ويُفْقِر ويُغْنِي، ويُمْرِض ويُصِحّ، ويحيي ويميت، كل الأمور بيده، ومصير كل العباد إليه، لا إله إلا هو.
ومن كماله وجلاله وأوصاف ربوبيته أن المشركين مقرون بأن الله هو المدبر لشؤونهم، قال -تعالى-: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ)[يونس:31].
قال ابن كثير: "الله -سبحانه- يدبر الخلائق (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[سبأ:3]، ولا يشغله شأن عن شأن، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، ولا يلهيه تدبير الكبير عن الصغير في الجبال والبحار والعمران والقفار (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هود:6]، وقال -تعالى-: (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام:59].
قال الألوسي: "(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) استئناف لبيان حكمه استوائه -جل وعلا- على العرش، وتقرير عظمته، والتدبير هو النظر في أدبار الأمور وعواقبها، لتقع على الوجه المحمود، والمراد به هنا التقدير الجاري على وفق الحكمة والوجه الأتم الأكمل.
ومن تدبير الله للخلق أن دبَّر لهم ما يُصْلِحهم في أمور دينهم ودنياهم بإرسال الرسل -عليهم السلام-؛ فلا تستقيم شؤون العباد إلا بأمر خالقها: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[النساء:165]، وهم بَلَّغوا الرسالة حقّ البلاغ مِنْ دعوتهم لتوحيد الله في العبادة، والأمر بسلوك الخلق الرفيع، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق".
وقد دبَّر الله للخلق ما يناسبهم في موطن عيشهم؛ فأهبط آدم -عليه السلام- إلى الأرض التي تصلح للحياة، وجعل الأرض مهادًا، وثبَّتها بالجبال، وجعل لها رواسي ودحاها، وأجرى الماء على سطحها، فجعلها متاعًا للعباد وللأنعام.
الخطبة الثانية:
دبر الله للعباد أمور دينهم، فأرسل لهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ودبَّر لهم أمور دنياهم، فخلق الله الليل والنهار وجعل الأزمنة مقدَّرة بتدبيره؛ فهو -سبحانه-: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)[الحج:61]. ورتَّب المطالع قال -تعالى-: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[يس:38-40].
كل ذلك في بتدبير مرتّب مقدَّر محدود ومعدود. فما دبَّره للخلق في معاشهم هو ما يناسبهم قال -تعالى-: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)[الرعد:8].
فعلى المسلم أن يرضى بتدبير الله لشؤونه، ويسلم لأمره وينقاد لشرعه؛ فالله (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)[الزمر: 62].
وصلوا وسلموا |