البحث

عبارات مقترحة:

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

تميز الأمة المحمدية وتفردها

العربية

المؤلف عدنان مصطفى خطاطبة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. تميز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم .
  2. معالم تميز الأمة الإسلامية في الدنيا .
  3. معالم التميز في الآخرة .
  4. الاستجابة للدعوات الجاهلية المعاصرة .

اقتباس

هذه الأمة المحمدية أرادها ربها أنْ تكون متميزةً في كمال دينها، قال ربنا سبحانه مخاطبًا هذه الأمة لا غيرها: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا)، يقول ابن كثير في تفسيره: "هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم -صلوات الله وسلامه عليه- ..

 

 

 

 

 

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.

وبعد: فإنّ من عظيم أفضال الله على هذه الأمة أن أعطاها ما لم يعط أحدًا من الأمم، وأكرمها بما لم يكرم بمثله أحدًا من الأمم، فأنزل لها أحسن كتبه، وأرسل إليها خير رسله، وشرع لها أكمل شرائعه، كل هذا لتكون هذه الأمة المحمدية أمةً متميزة عن غيرها من الأمم، لتكون متفرّدة عن سائر البشر في عقيدتها وشريعتها، في أخلاقها وعباداتها، في جهادها وقيمها، في أعيادها وسمتها، في تعاملاتها وعلاقاتها.

أيها المسلمون: هذه الأمة المحمدية أرادها ربها أنْ تكون متميزةً في كمال دينها، قال ربنا سبحانه مخاطبًا هذه الأمة لا غيرها: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) [المائدة: 3]، يقول ابن كثير في تفسيره: "هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم -صلوات الله وسلامه عليه-؛ ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه".

وروى الإمام أحمد: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: "يا أمير المؤمنين: إنكم تقرؤون آية في كتابكم، لو علينا -معشر اليهود- نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال: وأي آية؟! قال قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)، فقال عمر: "والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نزلت عَشية عَرَفَة في يوم جمعة وكلاهما بحمد الله لنا عيد".

فانظروا إلى فقه عمر -رضي الله عنه-، إنه يجعل من الوقت الذي أعلن فيه كمال الدين وكمال شرائعه عيدًا لهذه الأمة، وتميزًا لها، وعلامة فارقة لديها ليصحح لها بذلك مفاهيم الفرح والأعياد لديها، إنها لا بد أن ترتبط بهدي الإسلام لا بتقاليد وأعياد الغرب، وبنعمة الله على المسلمين، لا بمناسبات ولا بمهرجانات الكافرين.

أيها المسلمون: هذه الأمة المحمدية أرادها ربها أن تكون متميزة في هدايتها إلى الحق المبين، فهي أمة مهدية هداية صادقة لا مرية فيها، هداية حقة لا وهم فيها، قال الحق سبحانه في حق هذه الأمة: (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) [البقرة: 213]، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أوّلُ الناس دخولاً الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا له، فالناس لنا فيه تبع، فغدًا لليهود، وبعد غد للنصارى".

وعن زيد بن أسلم قال: "فاختلفوا -أي اليهود والنصارى- في يوم الجمعة، فاتخذ اليهود يوم السبت، والنصارى يوم الأحد. فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة. واختلفوا في القبلة؛ فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، فهدى الله أمة محمد للقبلة. واختلفوا في الصلاة؛ فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في الصيام؛ فمنهم من يصوم بعض النهار، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في إبراهيم -عليه السلام- فقالت اليهود: كان يهوديًّا، وقالت النصارى: كان نصرانيًّا، وجعله الله حنيفًا مسلمًا، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في عيسى -عليه السلام- فكذّبت به اليهود، وقالوا لأمه بهتانًا عظيمًا، وجعلته النصارى إلهًا وولدًا، وجعله الله روحه وكلمته، فهدى الله أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- للحق من ذلك".

إنه تميز هذه الأمة في معالم توحيدها وإيمانها وعقيدتها في أنبياء ربها، إنه تفرد هذه الأمة، حتى في يوم جمعتها وتفرغها لعبادة ربها، في نسكها، بل وصفة تعبدها لربها؛ إذْ حازت بفضل الله تعالى الحق من هذا كله، وظفرت بالكمال من كل ذلك، بل وبلغ الأمر من عجيب تكريم الله لهذه الأمة المحمدية أنه أراد أن تكون صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة، ولم يكن هذا لأمة قبلها، فقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه حذيفة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فضلنا على الناس بثلاث"، وذكر منها: "جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة". فلك الحمد يا رب.

أيها المسلمون: من خصائص هذه الأمة المحمدية أنها أقل عملاً من الأمم قبلها وأكثر ثوابًا؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛ ففي الصحيح عن ابن عمر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟! فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟! فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟! ألا فأنتم الذي يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجر مرتين. فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاءً، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئًا؟! قالوا: لا. قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت".

قال ابن حجر -رحمه الله-: "فهذه الأمة إنما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته، فلله وحده الفضل والمنة، وله الشكر والثناء، ومنه الإحسان والعطاء، وهذا -يا أيها المسلمون- يصيّرنا عبادًا لله حامدين صادقين، ولنبيه -صلى الله عليه وسلم- من الطائعين والمحبين والمتبعين.

أيها المسلمون: من خصائص هذه الأمة، أنها تميزت ورفعت بما فضل الله به نبيها -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: "فضلت على الأنبياء بست لم يعطهن أحد كان قبلي"، فمن ذلك أنه حلت لهذه الأمة الغنائم، بينما كانت الأمم السابقة ممن أذن لهم في الجهاد يغزون ويجاهدون في سبيل الله ويأخذون أموال أعدائهم ويظفرون بالغنائم، ولكنهم لا يتصرفون فيها، بل يجمعونها، فتنزل نار من السماء فتأكلها.

وجعلت لهذه الأمة الأرض مسجدًا وطهورًا؛ فأينما أدركت المسلم الصلاة فلم يجد ماءً ولا مسجدًا فعنده طهوره ومسجده، فيتيمم ويصلي، بخلاف الأمم من قبلنا؛ فإن الصلاة أبيحت لهم في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع.

ووضع عن هذه الأمة الأغلال والأثقال والآصار التي كانت على الأمم السالفة، ولم يجعل عليها في أحكامها عنتًا وشدة، حتى قال -عليه الصلاة والسلام- واصفًا شرعته التي جاء بها: "إني أرسلت بحنيفية سمحة"، فمثلاً كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم البول قرضه بالمقراض، فلا يطهر إلا بذلك، هذه هي طريقة تطهير النجاسات في حقهم، ولكن هذه الأمة تكتفي بغسله.

وكان اليهود إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجلسوا وإياها تحت سقف واحد، ونحن أحل لنا الاستمتاع بالحائض فيما دون الفرج.

وكانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبًا أصبح مكتوبًا على بابه ذنبه وكفارة ذلك الذنب، الله أكبر ولله الحمد على نعمه سبحانه علينا بالتخفيف والتيسير، وعلى فضله سبحانه علينا أن أرادنا أن نكون أمة متميزة متفردة عن سائر الأمم ماضيها وحاضرها.

أيها الإخوة المؤمنون: ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أنها لا تجتمع على ضلالة؛ فهي معصومة من الخطأ عند اجتماعها على أمر، كما أنها لا تخلو ومن وجود طائفة قائمة بالحق في كل زمان لا يضرها من خالفها؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الحسن: "إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أن الله قبل شهادتها وجعل أهلها شهداءه في أرضه؛ فقد جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جنازة مرت فأثني عليه خيرًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وجبت وجبت"، ثم مرت أخرى فأثني عليها شرًّا، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "وجبت وجبت"، فلما سأله عمر عن ذلك قال: "من أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض". هكذا أراد لنا ربنا سبحانه.

وهذه المنزلة التي رفعنا إليها ربنا سبحانه أن نكون شهداء على من في الأرض، ألا فلنحافظ على هذه المرتبة ولنصُنْها، ولنتعالَ على قيم وأفكار وأديان الكافرين والعلمانيين الذين لا نشهد لقيمهم إلا بالضلال والانحطاط، فوا حسرة على أبناء المسلمين الذين يتسابقون للظهور بمظهر ذلك الغرب الكافر ومباركة قيمه وسلوكه.

أيها الإخوة المؤمنون: هذه الأمة المحمدية لم يرض لها نبيها -صلى الله عليه وسلم- أن تنحط عن شريعة ربها الراقية الكاملة، وأن تنحدر وراء الأمم الأخرى الكافرة والضالة، وأن تتشبه بها فيما يخصها من شعائرها وعاداتها وشرائعها، وأن تنهل من أفكارها المسمومة وآرائها البشرية المحمومة، ومسالكها الإنسانية الممجوجة، لم يرد لها نبيها -صلى الله عليه وسلم- ذلك ولا أي شيء من ذلك ولا أدنى شيء من ذلك، فكيف إذا رآها وهي تتسابق لذلك وتتفاخر بذلك، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم"، قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟! قال: "فمن؟!". ولذلك حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن تكون الأمة التي يبنيها ويخرجها إلى الوجود أمة متميزة وجماعة متفردة، لا تختلط شؤونها الخاصة ولا معالم دينها الراشدة بأي جنس من الأجناس الفاسدة من حولهم، ولا بأي ضلالة من الضلالات الكثيرة المحتفة بهم، ولا بما هو أدنى أدنى من ذلك كله، لتبقى أمة مرفوعة الرأس بهدي ربها سبحانه، وبسنة نبيها -صلى الله عليه وسلم-، واستمع معي إلى ثلة من هذه المواقف المتميزة الرشيدة:

يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا بلال: قم فنادِ بالصلاة".

وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلىّ نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يُوجّه إلى الكعبة، قال مجاهد: "قالت اليهود: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا، فكان يدعو الله -جل ثناؤه-، ويستفرض القبلة، فنزلت: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة:144]، وانقطع قول يهود: يخالفنا ويتبع قبلتنا! في صلاة الظهر، فتوجه نحو الكعبة".

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟!"، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرًا منهما". فلم يرتضِ لهذه الأمة أن تنغمس في أعياد غيرها من الأمم، وأن تماثلهم فيما يفعلون فيها من اللهو والفسق وارتكاب المنكرات كما نجد ذلك اليوم من بعض أبناء هذه الأمة؛ حيث يفعلون ذلك في أعيادهم المبتدعة، بل والأدهى أنهم يفعلون ذلك حينما يشاركون الكافر بدينهم فرحته بأعياده!! فأين هؤلاء من هدي نبيهم -صلى الله عليه وسلم- هذا الذي أبى فيه على صحابته ما هو أقل من ذلك بكثير، إن أمة متميزة بعقيدتها وبكتابها وبنبيها -صلى الله عليه وسلم- وبشرائعها وشعائرها لا بد لها أن تنتهج في حياتها نهجًا يرضي ربها ويغاير ويفارق كل ما عليها مَنْ هم ليسوا على ملتها.

أقول قولي هذا وأستغفر الله...

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الإخوة المؤمنون: وماذا تعرفون عن تميز هذه الأمة المحمدية في الآخرة؟! نعم، إنه حتى في الآخرة يريدها ربها أمةً متميزة متفردة عن سائر الأمم، فمن تمام شرف هذه الأمة أن الله اختصها بخصائص في الآخرة كما اختصها بخصائص في الدنيا.

أيها الإخوة المؤمنون: ومن خصائص الأمة المحمدية هناك في الآخرة -ليس فقط في هذه الدنيا- أنها تشهد لكل نبي أنكر عليه قومه أنه قد بلغهم رسالة ربه، تشهد له بأداء الرسالة وتبليغها فيقبل الله شهادتها، روى أبو سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يجيء النبي ومعه الرجلان، ويجيء النبي ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك وأقل. فيقال له: هل بلغت قومك؟! فيقول: نعم. فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟! فيقولون: لا. فيقال: من يشهد لك؟! فيقول: محمد وأمته. فتدعى أمة محمد فيقال: هل بلَّغ هذا؟! فيقولون: نعم. فيقول: وما علمكم بذلك؟! فيقولون: أخبرنا نبينا بذلك أن الرسل قد بلغوا فصدقناه".

نعم يريد الله لهذه الأمة المحمدية الصادقة العاملة أن تكون متميزة ومتفردة ومرفوعة الرأس حتى في يوم الدين، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وعلى مشهد من الأنبياء السابقين.

ومن هذه الخصائص الأخروية أن الأمة المحمدية تأتي يوم القيامة غراء محَجّلة من آثار الوضوء، وبهذه الصفة يعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من غيرهم، عندما يكون منتظرهم على الحوض، قال ابن حجر -رحمه الله-: "ثبت أن الغرة والتحْجيل خاص بالأمة المحمدية، وحين قال -عليه الصلاة والسلام-: "وددت أنا قد رأينا إخواننا"، قال له أصحابه: "أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟!"، قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد"، فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعدُ من أمتك يا رسول الله؟! فقال: "إنهم يأتون غُرًّا محجلين من الوضوء".

وختامًا استمعوا إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهو يُسمعنا كلامًا جامعًا في قدر هذه الأمة حيث يقول: "إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وجعلت أمتي خير الأمم".

يا أيها المسلمون، يا أبناء هذه الأمة المحمدية: أبعد كل هذا يحل لهذه الأمة أن تتبع دعوة كل ناعق يطل علينا بدعوة جاهلية تارة من الشرق وتارة من الغرب، متخلية بذلك عن إرث محمد العظيم -صلى الله عليه وسلم- الذي تركه لها تكرمة لها، إنها إن فعلت ذلك فإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- سيتركها ويتخلى عنها غدًا في أرض المحشر، حينما يحال بين فئام من الناس وبينه -صلى الله عليه وسلم- فيقول عندها: "أمتي أمتي"، فيقال له: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، لقد غيروا وبدلو، فيقول بعدها: "سحقًا سحقًا".

فهل تقبل أن تكون ممن يدعو عليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! ولأجل ماذا؟! لأجل أن تسير -يا أيها المسلم- سير الغرب وتقتفي مسيرة أهل الكفر، وتفضلها على شريعة ربك وهدي نبيك -صلى الله عليه وسلم-، فأين تفردك وتميزك؟!

اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئًا، يا رب العالمين.