الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | محمد بن سليمان المهوس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، وَخَيْرٌ فِي الْعَاجِلِ وَالآجِلِ؛ هِيَ اسْتِسْلاَمٌ وَتَسْلِيمٌ وَتَفْوِيضٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتَبَرُّؤٌ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.. كَلِمَةُ اسْتِسْلاَمٍ وَتَفْوِيضٍ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَاعْتِرَافٍ بِالإِذْعَانِ لَهُ، وَأَنَّهُ لاَ صَانِعَ غَيْرُهُ، وَلاَ رَادَّ لأَمْرِهِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا مِنَ الأَمْرِ، وَمَعْنَى الْكَنْزِ هُنَا أَنَّهُ ثَوَابٌ مُدَّخَرٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ ثَوَابٌ نَفِيسٌ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ الْقَائِلِ: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ)[البقرة:152]، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَخْبَرَ أَنَّ ذِكْرَ اللهِ -تَعَالَى- أَفْضَلُ مَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ مَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وَغَفَلَ عَنْهُ الْغَافِلُونَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، وَخَيْرٌ فِي الْعَاجِلِ وَالآجِلِ؛ هِيَ اسْتِسْلاَمٌ وَتَسْلِيمٌ وَتَفْوِيضٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتَبَرُّؤٌ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، قَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: كُنّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا"، ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أَقُول فِيِ نَفْسِي: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ! قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ"(رواه البخاري).
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "أَمَرَنِي خَلِيلِي بِسَبْعٍ"، وَعَدَّ مِنْهَا، وَقَالَ: "وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ"(صححه الألباني).
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: "مُرْ أُمَّتَكَ فَلْيُكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ؛ فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ وَأَرْضَهَا وَاسِعَةٌ، قَالَ: وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ"(رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني).
قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قَالَ الْعُلَمَاءُ: سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهَا كَلِمَةُ اسْتِسْلاَمٍ وَتَفْوِيضٍ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَاعْتِرَافٍ بِالإِذْعَانِ لَهُ، وَأَنَّهُ لاَ صَانِعَ غَيْرُهُ، وَلاَ رَادَّ لأَمْرِهِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا مِنَ الأَمْرِ، وَمَعْنَى الْكَنْزِ هُنَا أَنَّهُ ثَوَابٌ مُدَّخَرٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ ثَوَابٌ نَفِيسٌ، كَمَا أَنَّ الْكَنْزَ أَنْفَسُ أَمْوَالِكُمْ"(شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 28-29).
وَلِعِظَمِ فَضْلِ هَذَا الذِّكْرِ وَكَثْرَةِ ثَوَابِهِ، حَثَّنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِكْثَارِ مِنْهُ؛ فَمِنْ فَضَائِلِ هَذَا الذِّكْرِ أَنَّهُ عَوْنٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ تَيْسِيرِهَا لِلْعَبْدِ؛ فَعِنْدَ سَمَاعِنَا لِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: "حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ"؛ نَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، وَمَعْنَاهَا: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ لَنَا فِي إِجَابَةِ النِّدَاءِ إِلاَّ بِاللهِ؛ فَهِيَ اسْتِعَانَةٌ بِاللهِ وَتَفْوِيضُ الأَمْرِ إِلَيْهِ.
وَهِيَ سَبَبٌ فِي مَغْفِرَةِ الذَّنْبِ وَقَبُولِ الْعَمَلِ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ"(رواه الإمام البخاري).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ: لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ أَوْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ"(رواه ابن حبان، وصححه الألباني).
وَهِيَ هِدَايَةٌ وَكِفَايَةٌ وَوِقَايَةٌ، وَطَرْدٌ لِلشَّيْطَانِ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ"(رواه أبو داود والنسائي وابن حبان، وصححه الألباني).
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "ولْيَكُنْ هِجِّيرَاهُ -أَيْ: عَادَتُهُ ودأْبُهُ-: "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ"؛ فَبِهَا تُحْمَلُ الأَثْقَالُ، وتُكابَدُ الأَهوَالُ، وَيُنَالُ رَفِيعُ الأَحْوَالِ. فَهُوَ الدُّعَاءُ الَّذِي لاَ تَتْرُكْهُ، وَالذِّكْرُ الَّذِي لاَ تَفْتَرْ عَنْهُ".
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِينَ الشَّاكِرِينَ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ" كَلِمَةُ اسْتِعَانَةٍ لاَ كَلِمَةُ اسْتِرْجَاعٍ؛ لأَنَّنَا نَسْمَعُ مَنْ يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَصَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الاِسْتِرْجَاعِ، وَيَقُولُهَا جَزَعًا لاَ صَبْرًا وَتَوَكُّلاً، وَهَذَا خَطَأٌ.
فَبَعْضُهُمْ إِذَا سَمِعَ أَحَدًا يَقُولُ: "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ"، اهْتَمَّ وَاغْتَمَّ لَهُ، وَتَوَقَّعَ مُصِيبَةً وَقَعَتْ؛ لأَنَّهُ تَعَوَّدَ أَنْ يَسْمَعَهَا مِنْ أَصْحَابِ الْمَصَائِبِ؛ فَاسْتِعْمَالُ الْحَوْقَلَةِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الأُمُورِ الْعَامَّةِ ذِكْرًا مُجَرَّدًا عِنْدَ طَلَبِ الْعَوْنِ مِنَ اللهِ -تَعَالَى-، وَنَفْيِ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلاَّ بِهِ -سُبْحَانَهُ-.
وَبَعْضُهُمْ يَخْتَصِرُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْعَظِيمَةَ فَيُخِلُّ بِمَعْنَاهَا فَيَقُولُ: "لا حَوْلِ للهِ"، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَيْسَ للهِ حَوْلٌ وَلاَ قُوَّةٌ -عِيَاذًا بِاللهِ- وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِي الاخْتِصَارِ فَيَقُولُ: "لَحَّوُولْ"، فَيَنْبَغِي الاِنْتِبَاهُ لِذَلِكَ تَأَدُّبًا مَعَ اللهِ، وَإِحْسَانًا فِي الْعَمَلِ لِيَحْصُلَ الأَمَلُ بِقَبُولِ الْعَمَلِ.
هَذَا ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).