المقتدر
كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...
العربية
المؤلف | عبد الحميد بن جعفر داغستاني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لقد جعل الله -سبحانه وتعالى- ولاية النكاح في يد الرجل، أبًا كان أم ابنًا، أخًا كان أم أي قريب ذكر آخر له ولاية على امرأة، وجعل الله هذه الولاية بيد الرجل لأنه أوفر عقلاً، وأكثر حزمًا، وأبعد نظرًا؛ فعقله وعاطفته في توازن يمنع المرأة عن الزلل في اختيار الزوج، وهذا الولي لا يقوم بواجبه الذي أناطه الله به إذا عضل -أي: منع موليته- من النكاح أو زوجها بغير الكفء ..
أما بعد:
فإن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة
وإن هذا الظلم ليتخذ صورًا شتى وأنواعًا مختلفة، ومن أعظم هذه الأنواع خطرًا ظلم الإنسان لمن جعل الله ولايته في يده كظلم الوصي للأرملة واليتيم، وكظلم الزوج للزوجة والأولاد. ونكتفي اليوم بذكر ظلم الولي لموليته في النكاح، فقد فشا هذا النوع من الظلم في بعض أوساط المجتمع، فخطره يشتد، ونذره تمتد، وآثاره تحتد.
لقد جعل الله -سبحانه وتعالى- ولاية النكاح في يد الرجل، أبًا كان أم ابنًا، أخًا كان أم أي قريب ذكر آخر له ولاية على امرأة، وجعل الله هذه الولاية بيد الرجل لأنه أوفر عقلاً، وأكثر حزمًا، وأبعد نظرًا؛ فعقله وعاطفته في توازن يمنع المرأة عن الزلل في اختيار الزوج، وهذا الولي لا يقوم بواجبه الذي أناطه الله به إذا عضل -أي: منع موليته- من النكاح أو زوجها بغير الكفء؛ إذ هو بفعله هذا لا يذكر وصية رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عندما يقول، فيما أخرجه البخاري: "استوصوا بالنساء"، وهو -فيما يرويه الإمام أحمد وابن ماجه– يقول: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة".
إن لتزويج المرأة بغير الكفء أو منعها من الزواج بالكفء أسبابًا؛ منها: النعرة القبلية، والعصبية الجاهلية، فالحبيب -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". رواه الترمذي وابن ماجه.
ولم يقل -صلى الله عليه وسلم-: إذا أتاكم من ترضون قبيلته أو طبقته الاجتماعية. ونسمع ونرى عجبًا مِنْ تحكُّم موازين جاهلية في هذه القضية، فهذا قبلي وهذا حضري وذلك بدوي، وما علم هؤلاء أن أشرف العرب زوجوا بلالاً مؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عبد حبشي، وزيد بن حارثة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوج القرشية ذات النسب والحسب زينب بنت جحش، ويقول المصطفى عن هذه العصبية التي تفرق ولا تجمع وتضر ولا تنفع: "دعوها فإنها منتنة".
وقد يعضل الرجل مولاته عن النكاح طمعًا في مهر أكبر وميزات أكثر مما دفعه الكفء، فتنقلب المرأة المسكينة إلى سلعة تباع وتشترى، وربما دُفع المهر الأكبر للولي لتزويج المسكينة من رجل في سن أبيها أو أكبر، ولا يعلم الولي أن هذا الزوج المسن ربما لا يشبع رغبات هذه المرأة الفطرية الجنسية، فتطلب ما يشبع رغبتها عن طريق الحرام، ثم لا تلبث بعد أن يهن جسد زوجها المسن وتذهب قواه أن تصبح خادمة له في بيته تنتظر موته. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد يمنع الوليُّ المرأةَ من النكاح استغلالاً لها في خدمة البيت أو استغلالاً لراتبها إذا كانت موظفة؛ إذ إن زواجها يمنع هاتين الاستفادتين، أو ربما منعها أنانية وحبًّا للنفس، فالأب متيم بحب ابنته، وشغوف بها لا يطيق فراقها فيبقيها عانسًا في بيته يحرمها من متعة الزوج وإنجاب الذرية، وعطف الأمومة، ويقف سدًّا منيعًا أمام أسرة تمد الأمة بزادها من الرجال والنساء.
ونغمة جديدة أصبحنا اليوم نسمعها بوصفها حجة لمنع الفتاة من الزواج، ألا وهي إكمال الفتاة تعليمها العالي، فنرى الأب أو الأم يحبان أن يفخرا في المجتمع بذكر ابنتهما الحاصلة على الدرجات العلمية العالية، ثم يفوتها ركب الزواج فتملأ الحسرة قلب الأبوين وقلبـها، ويندم الجميع حين لا ينفع الندم.
يكفي المرأة المسلمة أن تتعلم ما تطيع به ربها، وتكمل به عبادتها، وتحسن به التبعل لزوجها، وتعي به التيارات الهدامة من حولها، الرامية لإخراجها عن كونها أنثى مؤمنة إلى سلعة فاتنة مضلة هادمة، وما زاد عن قدر هذا العلم فهو من قبيل فرض الكفاية لا بأس به إن لم يتعارض مع واجب أهم وهدف أسمى وأكبر.
وفي مقابل من يمنع موليته عن الزواج نجد من لا يتريث ويتحرى في اختيار الزوج، فهو يدفعها لأول طارق طرق بابه، وكأنها حمل ثقيل ناء به كاهله، واشتد على ظهره، فكم من عجلة يعقبها ندم طويل وحياة مريرة.
ما يلبث الولي أن يكتشف فيما بعد الزواج أن هذا الزوج فاسق وماجن، مبتلى بالشراب أو بشلة سيئة من الأصحاب، أو يكتشف أنه ممن تعود السفر إلى بلاد الفجور والعهر ليتمتع من الشهوة الحرام، ولربما عاد يحمل مرضًا جنسيًّا خطيرًا من الأمراض التي تملأ تلك البلاد، فيزرع هذا المرض في رحم زوجته المسكينة البريئة، وليسري المرض في ذريتها إلى قيام الساعة، فلله كم يحمل هذا الولي في دفع ابنته لغير الكفء من وزر وإثم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الهادي من استهداه، الواقي من اتَّقاه، المعطي من ابتغى رضاه، المنعم على من والاه، نحمده حمدًا كثيرًا طيبًا أمد التمام ومنتهاه، ونثني عليه بما هو أهله ثناءً كاملاً عظيمًا كما أثنى هو به على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله لا معبود بحق سواه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله أرسله واصطفاه، فصلى الله عليه وسلم عدد ما خشع مصل في صلاة، واهتدى مهتد بهديه.
أما بعد: فإنه ما سد باب من أبواب النكاح إلا فتحت بذلك الباب أبواب من أبواب الزنا –والعياذ بالله–، وإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وإن من أراد الجنة فليستمع إلى هذا الحديث الذي يرويه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن، فله الجنة". رواه الترمذي وأبو داود. وقال في رواية: "فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن".
ومن أراد أن يحشر مع النبي –صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة ويدخل معه الجنة فليسمع ما يرويه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو". وضم أصابعه. رواه مسلم ورواه الترمذي بلفظ: "دخلت أنا وهو الجنة كهاتين، وأشار بإصبعيه".