البحث

عبارات مقترحة:

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

حقوق الوالدين

العربية

المؤلف محمود بن أحمد الدوسري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. عظم منة الوالدين على أولادهم .
  2. من حقوق الوالدين على أولادهم .
  3. من الأمور معينة على بر الوالدين .

اقتباس

لن يستطيع الأبناء مجازاة الآباء والأمهات على ما قاموا به نحوهم؛ من عطف ورعاية وتربية وعناية, إلاَّ أن يجد الولدُ الوالدَ مملوكاً فيعتقه؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ"(رواه مسلم), وعن أبي بردة أنه شهد ابنَ عمر-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- ورجلٌ يمانيٌ يطوف بالبيت, حمل أُمَّه وراء ظهره...

الخطبة الأولى:

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71].

أما بعد: لن يستطيع الأبناء مجازاة الآباء والأمهات على ما قاموا به نحوهم؛ من عطف ورعاية وتربية وعناية, إلاَّ أن يجد الولدُ الوالدَ مملوكاً فيعتقه؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ"(رواه مسلم), وعن أبي بردة أنه شهد ابنَ عمر-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- ورجلٌ يمانيٌ يطوف بالبيت, حمل أُمَّه وراء ظهره يقول:

إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلْ

إِنْ أُذُعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرْ

ثم قال: يا ابن عمر! أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: "لاَ, ولا بزفرةٍ واحدة"(رواه البخاري في الأدب المفرد).

عباد الله: إنَّ النفوس السوية مجبولة على حُبِّ مَنْ أحسن إليها, وشرائع الدين, وسمات المروءة, وضرورات العقل تُحتِّم أن يُقابَل الإحسان بالإحسان؛ كما قال -سبحانه-: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)[الرحمن: 60], ومن هنا كان للوالدين حقوق وواجبات تجاه أولادهم بنين وبنات -وهو موضوعنا اليوم- فمن أهم هذه الحقوق:

أولاً: محبتهما وتوقيرهما على مَنْ سواهما؛ فإن أبا هريرة -رضي الله عنه- أبصر رجلين, فقال لأحدهما: "ما هذا منك؟", فقال: أبي. فقال: "لا تسمه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله"(رواه البخاري في الأدب المفرد), وقال طاووس -رحمه الله-: "من السنة أن يُوقَّر أربعة: العالم, وذو الشيبة, والسلطان, والوالد, ومن الجفاء أن يدعو الرجلُ والده باسمه".

ثانياً: الإحسان إليهما بالقول والعمل والحال؛ كما قال الله -تعالى-: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء: 36].

ثالثاً: الدعاء لهما في الحياة وبعد الممات، قال -تعالى-: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 24], وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ"(رواه أحمد).

رابعاً: صلة أهل وُدِّهِما؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ"(رواه مسلم).

خامساً: النفقة عليهما إذا كانا محتاجَين للنفقة. ولا سيما إذا كان عند الولد ما يزيد على حاجته, قال ابن تيمية -رحمه الله-: "على الولد المُوسِر أنْ يُنفق على أبيه المُعسِر, وزوجة أبيه, وعلى إخوته الصغار, وإنْ لم يفعل ذلك كان عاقًّا لأبيه, قاطعاً لرحمه, مُستحقًّا لعقوبة الله -تعالى- في الدنيا والآخرة".

سادساً: التواضع لهما وخفض الجناح، قال الله -تعالى-: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23-24].

سابعاً: قضاء دَينِهما, والحج عنهما, والوفاء بنذرهما، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ, أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ؛ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟", قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ"(رواه النسائي).

ثامناً: مساعدتهما في الأعمال؛ فلا يليق بالولد أن يرى والديه يعملان, وهو ينظر إليهما دون مساعدة لهما.

تاسعاً: البعد عن إزعاجهما؛ سواء كانا نائمين, أو إزعاجهما بالضوضاء والصخب ورفع الصوت, أو بالأخبار المُحزنة, أو غير ذلك من ألوان الإزعاج.

عاشراً: تجنُّب الشجار وإثارة الجدل أمامهما؛ بالحرص على حل المشكلات مع الإخوة وأهل البيت بعيداً عن أعينهما.

الحادي عشر: تلبية ندائهما بسرعة. بعض الناس لا يُجيب والديه إلاَّ إذا كان فارغاً, وإذا كان مشغولاً تظاهر بأنه لم يسمع.

أصمٌّ عن الأمر الذي لا أُريدُه

وأسمعُ خَلْقِ اللهِ حين أريدُ

الثاني عشر: تعويد الأولاد على البر؛ بأن يكون المرء قدوةً لهم, وأنْ يسعى قدر المستطاع لتوطيد العلاقة بين أولاده ووالديه.

الثالث عشر: الإصلاح بين الوالدين. ينبغي للأولاد -عند اختلاف الوالدين- أن يُبادروا بالإصلاح بينهما, وتقريب وجهات النظر.

الرابع عشر: الاستئذان قبل الدخول عليهما؛ فربما كان أحدهما على حالةٍ لا يرضى أن يُرى فيها, والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ"(رواه البخاري ومسلم), وقد سأل رجل حذيفةَ، فقال: أستأذِن على أُمِّي؟ فقال: "إنْ لم تستأذن عليها رأيتَ ما تكره" وفي رواية: "ما يسؤك"(رواه البخاري في الأدب المفرد).

الخامس عشر: الاستئذان منهما, والاستنارة برأيهما؛ سواء في الذهاب مع الأصحاب للبرية, أو في السفر خارج البلد للدراسة ونحوها, أو للخروج من المنزل, ونحو ذلك.

السادس عشر: المحافظة على سمعتهما؛ بمخالطة الأخيار, والبعد عن الأشرار, وبمجانبة أماكن الشبه, ومواطن الريب.

السابع عشر: البعد عن لومهما وتقريعهما؛ وذلك إذا صدر منهما عمل لا يُرضي الولد؛ كتقصيرهما في التربية, وكتذكيرهما بأمور لا يُحِبَّان سماعها مما مضى.

الثامن عشر: المبادرة بالأعمال التي تَسرُّهما؛ كصلة الأرحام, ورعاية الإخوة والأخوات, أو إصلاحات في المنزل أو المزرعة, أو مبادرة بالهدية ونحو ذلك مما يُدخل الفرح على قلبيهما.

التاسع عشر: فَهْمُ طبيعتهما؛ فينبغي للولد أن يتفهم طبيعة والدية ويعاملهما بمقتضى ذلك؛ مثل حالات الغضب, والغلظة أحياناً, ويُحسن التصرف مع هذه الأحوال والتقلبات.

العشرون: برهما بعد موتهما. وهذا من رحمة الله بالوالدين أن هيَّأ لهما ولداً صالحاً يؤدِّي حقوقهما بعد موتهما؛ بالصدقة عليهما, أو بالاستغفار لهما, أو الدعاء, أو قضاء الديون, والنذور, والكفارات, أو إنفاذ عهدهما من بعدهما, أو صلة الرحم التي لا توصل إلاَّ بهما, أو صلة أهل وُدِّهما, أو بالاعتراف بفضلهما, والثناء عليهما, وغير ذلك من أنواع البر والإحسان إليهما.

أقول ما سمعتم واستغفروا الله العظيم لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مبارك فيه, والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه ومن تبعه, وبعد:

عباد الله: من الأمور المهمة التي تُعِين الإنسان على بر والديه:

أولاً: الاستعانة بالله -تعالى- بإحسان الصلة به؛ عبادةً ودعاءً والتزاماً بما شرع.

ثانياً: استحضار فضائل البر وعواقب العقوق.

ثالثاً: استحضار فضل الوالدين على الولد: فهما سبب وجوده في الدنيا, وقد تَعِبا من أجله, وأفاضا عليه بالحنان والمحبة والمودة والرحمة, وربَّياه حتى كبر, فمهما أحسن إليهما الولد فلن يوفيهما حقهما.

رابعاً: توطين النفس على البر، ومجاهدة النفس على ذلك؛ حتى يُصبح سجيةً وطبعاً.

خامساً: تقوى الله في حال الطلاق؛ فعلى الوالدين أن يتقيا الله -تعالى- حال الطلاق, وألاَّ يقوم كلُّ واحدٍ منهما بتأليب الأولاد على الآخَر؛ لأن الأولاد إذا ألِفُوا العقوق صار الوالدان ضحيةً لذلك, فَشَقُوا وأَشْقَوا الأولاد.

سادساً: التواصي بالبر؛ بتشجيع البَرَرة وتحفيزهم, وتذكيرهم بفضائل البر, ونصح العاقين, وتذكيرهم بعواقب العقوق.

سابعاً: صلاح الآباء: فصلاحهم سببٌ لصلاح أبنائهم وبرهم بهم.

ثامناً: أن يضع الولدُ نفسَه موضع الوالدين: فهل يسرك -أيها الولد- إذا وهَنَ العظمُ منك, واشتعل رأسُك شيباً, وعجزت عن الحراك؛ أنْ تلقى من أولادك المعاملة السيئة, والإهمال القاسي, والتنكر المحض؟!.

تاسعاً: قراءة سِيَر البارِّين والعاقِّين: فسِيَرُ البارين تشحذ الهمة, وتُشجِّع على البر, وسِيَرُ العاقين وما نالهم من سوء المصير؛ تُنفِّر عن العقوق.

عاشراً: استشعار فرح الوالدين بالبر, وحزنهما من العقوق. وصدق مَنْ قال:

لو كان يدري الابنُ أيَّة غُصَّةٍ

قد جرَّعتْ أبويه بعد فِراقه

أمٌ تهيمُ بِوجدِهِ حيرانة

وأبٌ يَسِحُّ الدمع من آماقه

يتجرعان لبيْنه غصص الردى

ويبوحُ ما كتماه من أشواقه

لَرَثا لأمٍّ سُلَّ من أحشائها

وبكى لشيخٍ هامَ في آفاقه

ولبدَّل الخُلقَ الأبيَّ بعطفِه

وجزاهما بالعَذْب من أخلاقِه

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏-صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).