الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - التوحيد |
والمعطي حقيقة هو الله -تعالى-، وعطاؤه -سبحانه- واسع ليس له حد ولا عد، يعطي من الدنيا عباده جميعًا؛ المؤمن منهم والكافر، أما في الآخرة فيخص بعطائه وفضله أهل طاعته الذين آمنوا به وعملوا الصالحات.. وعطاؤه -سبحانه- واسع، وأعظم عطاياه الإيمان والهداية، ويعطي أهل الجنة عطاءً غير مقطوع...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
من أسماء الله -تعالى- الحسنى: المعطي والمانع، ومعنى اسم الله المعطي أي هو الذي يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب؛ إلا أنه لا يعطي الآخرة إلا لمن يحب، وقد ورد اسم المعطي في القرآن الكريم بصيغة الفعل ومصدره، كما قال -تعالى-: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)[الإسراء:20].
وفي قوله -سبحانه-: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضحى:5]، وقوله -عز وجل-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)[الكوثر:1]، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من يرد الله به خيرًا يُفقّهه في الدين، وإنما أنا قاسم، والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتي يأتي أمر الله"(رواه البخاري ومسلم).
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أنا قاسم والله المعطي، ولن تزال هذه الأمه قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله"(رواه البخاري ومسلم).
ومعنى "إنما أنا قاسم والله يعطي"؛ أي: إنما أنا أقسم ما أمرني الله بقسمه، والمعطي حقيقة هو الله -تعالى-، وعطاؤه -سبحانه- واسع ليس له حد ولا عد، يعطي من الدنيا عباده جميعًا؛ المؤمن منهم والكافر، أما في الآخرة فيخص بعطائه وفضله أهل طاعته الذين آمنوا به وعملوا الصالحات (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا)[الإسراء: 20-21].
وعطاؤه -سبحانه- واسع، وأعظم عطاياه الإيمان والهداية، ويعطي أهل الجنة عطاءً غير مقطوع، قال -سبحانه-: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[هود: 108].
هذا معنى اسم الله المعطي، أما معنى اسم الله المانع فهو الذي يمنع البلاء عن عبده؛ حفظًا وعنايةً به، ويمنع العطاء عمن يشاء ابتلاءً له، ومعنى المانع الذي يمنع أولياءه وينصرهم أي من المَنَعة والحفظ لهم؛ لأن مَنْعه -سبحانه- حِكْمة، وعطاؤه رحمة، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
وقد يكون المانع الذي يمنع أسباب الهلاك والنقصان عن خلقه في الأبدان والأديان لرعايتهم في الدين والنفس.
وقد ورد اسم المانع في السنة النبوية؛ فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من الصلاة قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذ الجد منك الجد"(رواه البخاري ومسلم).
معاشر المسلمين: إن مقصد الإيمان بهذين الاسمين الكريمين أن لا يفرق أحدهما عن الآخر تأدباً مع الله -تعالى- فإن إفراد أحدهما عن الآخر يُوهِم نَقْصاً؛ فالرب هو المعطي والمانع كما قال -تعالى-: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر: 2].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إن الرب -سبحانه- هو الملك المدبّر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعز المذل، فمن شهد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره؛ فقد أشرك بربوبيته".
وقال السعدي -رحمه الله-: "المعطي المانع هذه من الأسماء المتقابلة التي لا ينبغي أن يُثْنَى على الله بها إلا كل واحد منهما مع الآخر؛ لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين؛ فهو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع؛ فجميع المصالح والمنافع منه تُطلَب، والله يُرغّب فيها، وهو الذي يعطيها لمن شاء، ويمنعها من يشاء بحكمته ورحمته" انتهى كلامه رحمه الله.
نسأل الله أن يعطينا الخير كله عاجله وآجله، ما نعلمه وما لا نعلمه في الدنيا والآخرة، ونسأله أن يمنع عنا الشر كله عاجله وآجله ما نعلمه وما لا نعلمه في الدنيا والآخرة.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
لا يمنع الله عنك شيئًا ولا يعطيك شيئًا ولا يحرمك من شيء ولا يؤخر عنك شيئًا إلا لغاية وحكمة؛ فاجعل ثقتك في الله خيرًا دائمًا، واشكر الله على ما أعطاك، واصبر على ما منعك منه، وارض بذلك، وقل: لا يريد الله لي إلا خيرًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله عبادًا اختصهم بالنعم لمنافع العباد يُقرّهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحوّلها إلى غيرهم"(صحيح الجامع).
فالخيرة فيما اختاره الله لك؛ كمثل رجل يمشى في الصحراء عطشاناً، فوجد كوباً من الماء، ففرح به أشد الفرح، ولما أمسكه انسكب الماء في الأرض، فحزن حزنًا شديدًا، لكنه لا يدري أن هذا الماء به سُمّ قاتل، لو شربه لمات، وهكذا إذا منع الله عنك مالاً أو وظيفة تريدها أو شيئًا من الدنيا فإنها قد تكون ضارة لك في دينك؛ فالله الذي يعلم الخيرة الطيبة لك. فاسأل الله الخيرة الطيبة في الدنيا والآخرة.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا عسرًا إلا يسَّرته، ولا مريضًا إلا شفيته.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.