البحث

عبارات مقترحة:

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا

العربية

المؤلف عبدالله بن حسن القعود
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. خطورة عداوة الشيطان والنهي عن الاغترار به وبوساوسه .
  2. الأمر بعداوة الشيطان .
  3. قصص في إضلال الشيطان للناس .
  4. الحذر من وساوس الشيطان خاصة عند تحركات القلب وإرادة الخير .
  5. الاستعانة في التغلب على الشيطان بالاستعاذة منه .

اقتباس

إن الله -سبحانه وتعالى- ينهى عن الاغترار بالشيطان ووساوسه، ويقرر تعالى عداوة الشيطان لكم، ويأمركم بأن تتخذوا الشيطان عدواً كما أن الشيطان نفسه لكم عدو، عدو لدود، ظاهر العداوة بيِّنها، وعداوته ليست كأي عداوة فهي عداوة عريقة الجذور بعيدة المدى دقيقة الأساليب عظيمة الفعالية، فهو يجري مع ابن آدم مجرى الدم

 

 

 

 

الحمد لله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون، أحمدك اللهم وأعوذ بك من نزغات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ أنتَ وحدَك لا شريك لك، وأشهدُ أن سيّدنا ونبيّنا محمداً عبدك ورسولك، صلى الله وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسْليماً كثيراً.

أمّا بعد: فيقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ* إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:5-6].

أيُّها الناس: إن الله -سبحانه وتعالى- ينهى عن الاغترار بالشيطان ووساوسه، ويقرر تعالى عداوة الشيطان لكم، ويأمركم بأن تتخذوا الشيطان عدواً كما أن الشيطان نفسه لكم عدو، عدو لدود، ظاهر العداوة بيِّنها، وعداوته ليست كأي عداوة فهي عداوة عريقة الجذور بعيدة المدى دقيقة الأساليب عظيمة الفعالية، فهو يجري مع ابن آدم مجرى الدم.

ولقد نادت الآيات القرآنية الكثيرة بمعاداته، وعصيانه والحذر كل الحذر منه (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف:27]، (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يّـس:60]، (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الزخرف:62].

ولا غرو أنْ تكثُر الآيات؛ فما أُنزِلت الشرائع وما أُرْسِلَت الرُّسل إلا لانتشال الإنسانية من براثن الشيطان وتخلِيصها من شركه، فكم له في هذه الدنيا وعَبْرَ التواريخ من صريع وأسير، كم وكم! ولسنا في حاجة إلى ذكر أدلّة أو سرْد وقائع، فكلنا نعلم ونعتقد أنَّ الشيطان مصدْر شقاوَةِ الإنسانيَّة؛ وأنَّهُ أصْل كل رذيلة وشرّ في الدنيا منذ أَن أُنْزِلَ إلى الأرض، إلى أن يصير إلى مثواهُ الأخير، يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود.

ولقد بدت عداوة الشيطان لكم -أيُّها المسلمون- بأبويكم فأخرجهما من الجنة دار اللذة والنعيم إلى دار الآلام والأحزان، وإنَّه لا يزال ولن يزال يسوِّل لذريته من بعده ويعدهم ويمنّيهم (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً) [النساء:120]

نعم؛ لا يزال بالإنسان حتَّى يورده موارد العطب ويصدره مصادر الهلاك، ثم يسلمه، ويأخذ يشمت به، فهو صاحب الراهب الذي كان يتعبد منعزلاً عن الأُمَّة ولا زال به حتَّى أوقعَهُ في الزنا بامرأة، فلما حملت منه أَمره بقتلها، فلمَّا فعل دلَّ أهلَها عليه، ثم أمره بالسجود له ووعده تخْليصه إذا هو سجد، فلما سجد للشيطان تبرأ منه كما في قول الله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) [الحشر:17]

وهو صاحب قريش الذي تمثل لها بكبير قوم هو سراقة بن مالك لما كادت تتراجع في حادثة بدر وقال مغرراً بهم: (لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ) [الأنفال:48] حتَّى أوصلها مصارعها ثم نكص على عقبيه، وقال: (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:48]

فيا أيُّها المسلمون: لم يعد الأمر خافياً على ذي لبّ، فقد وضح السبيل وأُقِيم الدليل، فاتّقوا الله وامتثلوا أمر الله باتِّخاذ الشيطان عدوّاً، وبحماية نفوسكم منه بالتّحصن بطاعة الله والسعي في مرضاة الله، فما هو إلاَّ معصية الشيطان والجنة، أو طاعته والنار (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6]

فالحذَر الحذر -أيُّها المسلمون- من الانخداع بوساوسه الكاذبة، وأمانيه الخادعة، فما أبرزَت لكم أعماله السيئة وألوان وقائعه في أقْبَح صورة وأوضح بيان إلاَّ لتكونوا منهُ في يقظة وحذر تأمين في شتى شئونكم، ولا سيّما عند تحركات القلب وإرادة الخير، يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "يضرب الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلّت عقدة، فإن توضّأ انحلت عقدة، فإن صلّى انحلّت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيِّبَ النَّفْس وإلاَّ أصبحَ خبيث النفس كسلان".

فاتّقوا الله -أيُّها المسلمون-، واستعينوا على معاداة الشيطان بالاستعاذة بالله منه كثيراً، استعاذة مليئة باللجوء إلى الله وصدق العوذ به تعالى ولا سيما فيما شُرعت فيه الاستعاذة، كإرادة قراءة القرآن، ودخول المسجد، وعند الصباح والمساء والنوم ومواقعة الأهل، وتتأكد الاستعاذة بالله عندما تخطر للمسلم خاطرة شر أو يصيب منه الشيطان شيئاً، يقول سبحانه: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف:200]

أقول قولي هذا، وأسأل الله أن يبارك لنا في كتابه الكريم وأن يجعلنا من أهله، إنَّه تعالى حسبنا ونعم الوكيل.