الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
الوفاء خصلة كريمة من خصال الإسلام وشعبة عظيمةٌ من شُعبِ الإيمان، وشيمة كريمة من شِيم الرجال حتى في الجاهلية قبل الإسلام، فما ظنكم بدين ركنه وعماده الأخلاق، فما جاء الإسلام إلا ليعلي وليشيد بنيان الأخلاق، ... وهو قيمة إنسانية وأخلاقية عظمى، بها تدعم الثقة بين الأفراد، وبها تقوى أواصر الترابط التعاون في المجتمع، وبها تحفظ الحقوق وتنجز الأعمال وقد جعل الله الوفاء قواماً لصلاح أمور الناس ..
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره وهو بكل لسان محمود، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الإله المعبود، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعــــد:-
ربي لك الحمد العظيم لذاتك | حمدًا وليس لواحد إلاَّك |
يا مدرك الأبصار والأبصار | لا تدري له ولِكُنْهِهِ إدراكًا |
ولعل ما في النفس من آياته | عجب عجاب لو ترى عيناك |
والكون مشحون بأسرار إذا | حاولْتَ تفسيرًا لها أعياك |
إن لم تكن عيني تراك فإنني | في كل شيء أستبين عُلاك |
عبــــــــاد الله : - لم يحضر أنس بن النضر غزوة بدر، فحزن لذلك، ثم قال: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلتَ المشركين فيه، ولئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه وسلم قتال المشركين ليرينَّ ما أصنع. وهكذا أخذ أنس بن النضر عهدًا على نفسه بأن يجاهد ويقاتل المشركين، ويستدرك ما فاته من الثواب في بدر.
فلما جاءت غزوة أحد انكشف المسلمون، وحدث بين صفوفهم اضطراب، فقال أنس لسعد بن معاذ: يا سعد بن معاذ، الجنَّةَ ورَبَّ النَّضْر، إني لأجد ريحها من دون أحد، ثم اندفع أنس يقاتل قتالا شديدًا حتى استشهد في سبيل الله، ووجد الصحابة به بضعًا وثمانين موضعًا ما بين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم، ولم يعرف أحد أنه أنس بن النضر إلا أخته بعلامة في إصبعه [متفق عليه].
فكان الصحابة يرون أن الله قد أنزل فيه وفي إخوانه قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 23]...
إن الوفاء خصلة كريمة من خصال الإسلام، وشعبة عظيمةٌ من شُعبِ الإيمان، وشيمة كريمة من شِيم الرجال حتى في الجاهلية قبل الإسلام، فما ظنكم بدين ركنه وعماده الأخلاق، فما جاء الإسلام إلا ليعلي وليشيد بنيان الأخلاق، ... وهو قيمة إنسانية وأخلاقية عظمى، بها تدعم الثقة بين الأفراد، وبها تقوى أواصر الترابط التعاون في المجتمع، وبها تحفظ الحقوق وتنجز الأعمال وقد جعل الله الوفاء قواماً لصلاح أمور الناس فقـال عز وجل : ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة: 40].
والوفاء أن يلتزم الإنسان بما عليه من عهود ووعود وواجبات، وقد أمر الله تعالى- بالوفاء بالعهد، فقال جل شأنه: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء: 34]. وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) [النحل: 91].
عبــــــــاد الله : - والوفاء له أنواع كثيرة، وجوانب متعددة ... ألا وإن من أعظمها الوفاء مع الله: فبين الإنسان وبين الله –سبحانه وتعالى - عهد عظيم مقدس و هو أن يعبده وحده لا يشرك به شيئًا، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف:172] ..
وعليه أن يتجنب خطوات الشيطان واتباع سبيله، يقول الله عز وجل: ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يـس:60]، فالإنسان يدرك بفطرته السليمة وعقله أن لهذا الكون إلهًا واحدًا مستحقًّا للعبادة هو الله -سبحانه-، وهذا هو العهد الذي بيننا وبين الله قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي» [صححه الألباني في تخريج الطحاوية].
ومن الوفاء لله الوفاء لدين الله الذي شرعه؛وإن من أجل صور الوفاء للدين الثبات على تعاليمه والتمسك بأهدافه والبذل في سبيله،والتضحية من أجله .. هذا إبراهيم عليه السلام توقد له النار العظيمة ويلقى فيها فلا يزحزحه ذلك عن دينه، وهذا خير الورى صلوات ربي وسلامه عليه يوم أن ظن عمه أبو طالب أنه قد اضطرب في أمره وضعف عن نصرته فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما تريده منه قريش ... فقال صلى الله عليه وسلم تلك الكلمات التي ملؤها الوفاء لهذا الدين: «يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته»، وهذا بلال رضي الله عنه يوضع على رمال مكة الحارة في عز الصيف وتوضع الصخرة العظيمة على صدره ويعذب على أن يتزحزح عن هذا الدين فيرفض ويظل وفياً لهذا الدين، وهذا خباب بن الأرت يوقد له الفحم المستعر ثم يلقوه عليه ويضع رجل منهم قدمه على صدره لتثبيته فما يطفئ ذلك الجمر إلا ما خرج من دهن جلده فلا يتزحزح ويظل وفياً لهذا الدين، وهذه سمية أم عمار امرأة تظل وفية لدينها حتى ماتت تحت التعذيب ... وقد جعل الله الوفاء بالعهد أول صفات العقلاء، فقال: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) [الرعد:19-20].
وحذر سبحانه من التفريط بعهده فقال : (وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [النحل: 95]، بل جعل سبحانه وتعالى الوفاء أخص خصائص الفئة المؤمنة، حيث قال في معرض وصفهم (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون:8]
أيهــا المؤمنـــون : - ومن جوانب الوفاء وأنواعه .. الوفاء بالعقود والعهود: فالإسلام يأمر ويوصي باحترام العقود وتنفيذ الشروط التي تم الاتفاق عليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم» [البخاري]، وقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم العهود والعقود مع المشركين والنصارى واليهود، ووفَّى لهم بما تضمنته هذه العقود، دون أن يغدر بهم أو يخون، بل كانوا هم أهل الغدر والخيانة. ومن ذلك الوفاء بالكيل والميزان: فالمسلم يفي بالوزن، فلا ينقصه، لأن الله -تعالى- قال: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود:85].
فمن غش في بيعه وشراءه وسلعته فليس من الإسلام في شيء، قال صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»، وكذلك الوفاء بالنذر فالمسلم يفي بنذره ويؤدي ما عاهد الله على أدائه.
والنذر: هو أن يلتزم الإنسان بفعل طاعة لله -سبحانه-. ومن صفات أهل الجنة أنهم يوفون بالنذر، يقول تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) [الإنسان: 7]. ويشترط أن يكون النذر في خير، أما إن كان غير ذلك فلا وفاء فيه ...
ومن ذلك الوفاء بالوعد: فالمسلم يفي بوعده ولا يخلفه، فإذا ما وعد أحدًا، وفي بوعده ولم يخلف؛ لأنه يعلم أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» [متفق عليه]. ولقد وصف الله إسماعيل عليه السلام بقوله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) [مريم:54].
وإن من الوفاء أن لا ينسى المرء من أحسن إليه أو أسدى إليه معروفا هـذا رسول الله صلى الله عليه وسلم - سيد الأوفياء كان وفيًّا حتى مع الكفار، فحين رجع من الطائف حزينًا مهمومًا بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذىً، لم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخل في جوار بعض رجالها، فقبل المطعم بن عدي أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في جواره، فجمع قبيلته ولبسوا دروعهم وأخذوا سلاحهم وأعلن المطعم أن محمدًا في جواره، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم الحرم وطاف بالكعبة، وصلى ركعتين، ثم هاجر وكون دولة في المدينة، وهزم المشركين في بدر ووقع في الأسر عدد لا بأس به من المشركين؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له».[رواه البخاري]...
فانظروا إلى الوفاء حتى مع المشركين.... وهــذا أبا البحتري بن هشام؟ إنه أحد الرجال القلائل من المشركين الذين سعوا في نقض صحيفة الحصار والمقاطعة الظالمة التي تعرض لها رسول الله وأصحابه في شعب أبي طالب فعرف له الرسول جميله وحفظه له، فلما كان يوم بدر قال صلى الله عليه وسلم: «من لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله» يا لعظمة هذه الأخلاق ويا لروعة هذا الوفاء.
عبــــــــاد الله : ومن وفائه صلى الله عليه وسلم أنه لم ينسَ الوفاء لزوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بعد موتها، حفظ عهدها، ولم ينسَ تلك الأيام التي عاشت معه تقول عائشة رضي الله عنها: ما غرتُ على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرتُ على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها ولم يكن يسأم من ثنائه عليها واستغفاره لها، فذكرها يوماً، تقول: فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن. قالت: فرأيته غضب غضباً، أُسقطتُ في خلدي، وقلت في نفسي:اللهم إن أَذهَبْتَ غضب رسولك عني، لم أعد أذكرها بسوء. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت، قال: «كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، ورُزقت منها الولد 0000»، قالت عائشة : فغدا وراح عليّ بها شهرا.
وجاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأحسن النبي صلى الله عليه وسلم استقبالها، فقال لها: «كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا»؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت، قلت يا رسول الله تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: «يا عائشة إنها كانت من صواحب خديجة، وإنها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان».
وتأتيه أخته من الرضاعة صلى الله عليه وسلم، وقد ابتعدت عنه ما يقارب أربعين سنة، فتأتيه وهو لا يعرفها وهي لا تعرفه، مرت سنوات وسنوات، وأيام وأيام، وأعوام، وتسمع وهي في بادية بني سعد في الطائف بانتصاره، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاع وهو تحت سدرة عليه الصلاة والسلام، والناس بسيوفهم بين يديه، وهو يوزع الغنائم بين العرب، فتستأذن، فيقول لها الصحابة: من أنت؟ فتقول: أنا أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أنا الشيماء بنت الحارث أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية، فيخبرون الرسول عليه الصلاة والسلام فيتذكر القربى والوشيجة والعلاقة، التي أنزلها الله من السماء، ويقوم لها ليلقاها في الطريق ويعانقها عناق الأخ لأخته بعد طول المدة، وبعد الوحشة والغربة، ويأتي بها ويجلسها مكانه، ويظللها من الشمس ..
تصوروا رسول البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية يظلل هذه العجوز من الشمس برضعه واحدة، فأين الذين قطعوا عماتهم وخالاتهم، وبناتهم وأخواتهم؟ وهم كثيرٌ! قطعوهن من الصلة والزيارة؛ حتى سمعنا ورأينا من العجائز الطاعنات في السن من تقف الواحدة في فقرٍ، وهي تبكي وتقول: قطعني وتركني ولم يلتفت لحالي، فأين الوفـاء ؟!
وهــــــــذا ابن عمر يمشي في الصحراء على دابته فيقابله أعرابي فتوقف ابن عمر ونزل، ووقف معه، وقال: ألست ابن فلان بن فلان؟ قال: بلى، ثم ألبسه عمامة كانت عليه وقال له: اشدد به رأسك، ثم أعطاه دابته وقال: اركب هذا، فتعجب أصحاب ابن عمر، وقالوا له: إن هذا من الأعراب، وهم يرضون بالقليل، فقال: إن أبا هذا كان وِدّاً لعمر. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي» [والقصة في صحيح مسلم]..
قال الشافعي رحمه الله: "الحر من راعى وداد لحظة". لو جرت بينك وبين صديق وصاحب مودة لحظة، فإن الحر يراعي ذلك، ويحسن عهد صاحبه بسبب تلك اللحظة، فكيف بمن صداقتك معه سنين، وجرت بينكم أحداث وذكريات...
إذا المـرء لا يرعـاك إلا تكلفا | فدعـه ولا تكثر عليـه التأسـفا |
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة | وفي القلب صبر للحبيب ولـو جفـا |
فما كل من تهـواه يهواك قلبه | ولا كل مـن صـافيته لك قـد صفا |
إذا لم يكن صـفو الوداد طبيعة | فلا خيـر فـي خـل يجـيء تكلفا |
ولا خير فـي خل يخون خليله | ويلقـاه مـن بعـد المـودة بالجفا |
وينكر عيشـاً قـد تقادم عهده | ويظهر سراً كـان بالأمس قـد خفـا |
سلام على الدنيـا إذا لم يكن بها | صديق صدوق صادق الوعد منصفا |
فهل تتذكر مَنْ أحسنوا إليك في حياتك؟ هل تتذكر إحسان والديك القائل فيهما ربهما (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23 - 24] ؟
أم أنه العقوق وعدم الوفاء بحقهما وعقوبة العاق معجلة لصاحبها في الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» [أخرجه الإمام أحمد]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ» قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» [مسلم 4627].
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميـــــــــلا واعصمنا من الزلل برحمتك يا أرحم الراحمـــــــــين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطــــبة الثانــية :
- عبــــــــــــــاد الله :- إن أمتنا أمة الوفاء رجالا ونساءَ صغارا وكبارا قادة وجندا حكاما ومحكومين في الحرب والسلم وفي الشدة والرخاء، فهو دين تتعبد الله به ومتى ما تنصلت هذه الأمة عن هذه القيم والمبادئ والأخلاق في علاقاتها مع بعضا البعض أو مع غيرها من الأمم فأن سنن الله ستطويها وعقاب الله سيحل بها كما حدث للأمم السابقة قال -تعالى- في شأن يهود: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة:100] وقال عن إخوانهم المنافقين: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) [التوبة:57-77]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد:25]، وقال عن الكافرين: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) [الأنفال:55-56].
ووصف الله من لا يوفي بعهده بالخسران قال تعالى: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [البقرة:27]... وإن من المسلمين اليوم من تجد تقصيرهم ونكثهم لعهد الله ورسوله وتنكرهم لدينهم بارتكاب الذنوب والمعاصي ومخالفة أوامر الدين والتفريط في الثوابت والمقدسات وموالاة الأعداء والركون إليهم ..
وهناك من يتنكر لوطنه وأمته رغبة في منصب أو جاه أو مال أو هوىً .. وظهر الغدر والخيانة وضيعت الأمانات بين الناس في المعاملات والعلاقات بينهم وضعفت الأخوة بين المسلمين فسُفكت الدماء وحلت القطيعة والهجران وساءت الأخلاق وإن السبيل للخروج من هذه الفتن هو أن نفي بعهد الله بتقوية الإيمان والبعد عن الشرك وإقامة فرائض الدين وتزكية النفوس بالأخلاق الفاضلة ومراقبة الله والتطلع والشوق إلى جنته وأن نكون أوفياء لدينه، أوفياء مع بعضنا البعض، أوفياء للحق الذي نحمله قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:111]....
إن الوفاء خُلق الكرام، به يسعد الفرد في الدنيا والآخرة وبه يعيش المجتمع في أمن وأمان فالحقوق محفوظة والأعراض مصونة والحب والتراحم يسود بين أفراد المجتمع وبه ينال المسلم رضا ربه ويهنأ بدخول جنته ..
هذا وصلوا رحمكم الله على النبي المصطفى والرسول المجتبى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارضَ اللهم عن الأئمة الخلفاء أبي بكر و عمر و عثمان و علي، وعنا معهم بمنك وكرمك..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين .. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار والحمد لله رب العالمين