الرزاق
كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
وحقيقةُ الشّكر ومعناه الثّناءُ على المنعِم جلّ وعلا بنعمِه وذكرُها والتحدّث بها باللسان، قال الله تعالى: (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأعراف:69، وقال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ) الضحى:11.
أمّا بعد: فاتّقوا الله عبادَ الله، فتقوى الله خيرُ ما عمِلتم وأفضل ما اكتسبتم.
أيّها المسلمون، إنَّ شكرَ الله على نعمِه التي لا تعَدّ ولا تُحصَى أوجبُ الواجبات وآكَد المفروضات، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَـانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىا وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ) [لقمان:14] ، وقالَ تعالى: (فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [البقرة:152] ، وقال تعالى: (وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل:114].
والشّكرُ لله تعالى يقابِل الكفرَ بالله تعالى، قال الله عز وجل: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَـانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَـاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان:2، 3].
وأعظمُ الشّكرِ الإيمانُ بالله تعالى وأداء فرائضه وواجباته والبعدُ عن محرّماته، ثمَّ شكر بقيّة النّعم إجمالاً وتفصيلاً. كما أنّ أعظمَ كفرانِ النّعم الكفرُ بالرسالةِ بالإعراض عن الإيمانِ بالله وحده وتركِ فرائضِ الله وواجباتِه وفِعل المعاصي، ثمّ كفرانُ بقيّة النّعم.
والشّكرُ لله تعالى ثوابُه عظيم وأجره كريم، ينجي الله به من العقوبات، ويدفَع الله به المكروهاتِ، قال الله عزّ وجلّ: (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَـاكِرًا عَلِيمًا) [النساء:147]، وقال عزّ وجلّ: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَـاصِبًا إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَـاهُم بِسَحَرٍ نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ) [القمر:33-35].
والشّكرُ تَزيد به النّعم وتدوم به البرَكات ويندفع به كلّ مكروه، قال الله عزّ وجلّ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
وإذا عايَن الشّاكرون بهجةَ الجنّة ونعيمَها ولذّةَ عَيشها قالوا: (الْحَـمْدُ للَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَـامِلِينَ) [الزمر:74].
والشّكرُ صِفة الأنبياءِ والمرسلين وعبادِ الله الصّالحين، قال الله تعالى عن نوحٍ عليه السلام: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء:3]، وقال عن إبراهيم الخليل عليه السّلام: (إِنَّ إِبْراهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَـاهُ وَهَدَاهُ إِلَىا صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [النحل:120، 121]، وقال عزّ وجلّ: (وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ)[ سبأ:13] .
وحقيقةُ الشّكر ومعناه الثّناءُ على المنعِم جلّ وعلا بنعمِه وذكرُها والتحدّث بها باللسان، قال الله تعالى: (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأعراف:69]، وقال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ) [الضحى:11].
والشّكرُ أيضًا محبّةُ المنعِم جلّ وعلا بالقلبِ والعملُ بما يرضيه، قال عزّ وجلّ: (اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ) [سبأ:13]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أحبّوا الله مِن كلِّ قلوبكم لما يغذوكم به من النّعَم)) ، وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلميقوم من الليل حتى تتفطّر قدَماه، فقلتُ: يا رسولَ الله، تفعل هذا وقد غفَر الله لك ما تقدّم من ذنبِك وما تأخّر؟! فقال: ((أفَلا أكون عبدًا شكورًا؟!)) رواه البخاري. فدلَّ على أنَّ العملَ بالطّاعة شكرٌ لله عزّ وجلّ.
والشّكرُ أيضًا استعمالُ النِّعمة فيما يحبّ الله تعالى، فأعضاءُ البَدَن إذا استعمَلها المسلمُ في طاعةِ الله واستخدَمَها العبدُ فيما أحلّ الله له فقَد شكَر اللهَ على أعضاءِ بدنه، وإذا استخدم العبدُ أعضاءَ بدنِه في معاصي الله فقد فاتَه شكرُ الله وحارَب ربَّه بنِعم الله تعالى عليه. والمالُ إذا أنفَقه المسلمُ في الواجبِ والمستحَبّ أو المباح يبتغي بذلك ثوابَ الله فقد شَكر الله على نعمَة المال، وإذا أنفقه العبدُ في معاصِي الله أو المكروهات أو في فضول المباحَات المضِرّة فقد فاتَه شكرُ الله عزّ وجلّ، واستعان بالمال على ما يُغضِب ربَّه، ويكون وبالاً عليه في الدّنيا والآخرة. وإذا تمتَّع العبدُ بالطيّبات والمباحات وشكرَ الله عليها وعلِم من قلبِه أنها نعمُ الله عليه تفضَّل بها على عبادِه فقد أدّى ما عليه في هذه النّعم، وإذا نسِي المنعِمَ جلّ وعلا فقَد عرّض النّعمَ للتغيُّر، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النّحل:112].
ومَهما اجتهَد المسلم وشَكر فلن يستطيعَ أن يقومَ بشكرِ نعَم الله على التّمام لقول الله تعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النحل:18]، ولقولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لن يدخلَ الجنةَ أحدٌ منكم بعمَله))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلاّ أن يتغمّدنيَ الله برحمتِه)). ولكن حسبُ المسلمِ أن يعلمَ بأنّه عاجزٌ عن شكرِ نعمِ ربِّه، وأنّه لو شكَر على التّمام فالشّكر يحتاج إلى شكر، وحسبُه أن يمتثلَ أمرَ ربّه، ويبتعدَ عن معصيتِه، وأن يسدّد ويقارب.
وأعظمُ نعمةٍ على المكلّفين طاعة الله عزّ وجلّ، فإذا وُفِّق المسلم لطاعةٍ فعليه أن لا يبطلَها بمعصيةٍ مضادّة بعدها، وأن لا يأتيَ بما ينقِصها، وأن يتبِعها طاعةً أخرى، فإنّ الحسناتِ بعدَ الحسنة شكرٌ للحسَنة وزيادةُ ثواب الله عزّ وجلّ، وما مِن طاعةٍ فرضها الله تعالى إلاّ شرع من جِنسها من الطاعات ما يزداد به المسلم إلى الله قربى وما يُدخِل الله به عبدَه الجنّاتِ العلا، فالصلاة والزكاة والصيام والحجُّ وغيرُها شرع الله نوافلَ مثلَها، تجبر نقصَها، وتكمِّل ما فات منها، ويتسابَق فيها المتسابِقون في الخيرات، فمَن صامَ رمضانَ وأتبعه سِتًّا من شوّال كان كصيام الدّهر، كما في صحيح مسلم من حديث أبي الدّرداء رضي الله عنه. ونوافلُ الصّيام المستحبّة الأخرى يرفع الله بها الدرجاتِ ويكفِّر بها السيّئات. ونوافل الصّلاة المعلومة والنّفقات التي تأتي بعدَ الزّكاة ونوافل الحجّ والعمرة والنّوافل الأخرى شكرٌ عمليّ لله تعالى، يزكّي الله بها العباد، ويجزي الله بها أعظمَ الثّواب في يومِ المعاد.
عبادَ الله، ما أحسنَ الطاعاتِ بعدَ الطاعات؛ لأنّ في ذلك رضوانَ الله تعالى وزيادةَ ثوابِه والحرزَ مِن عقابِه، وما أجمل الحسنات بعد سيئة تُعمَل، قال الله تعالى: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114]، وما أقبَحَ السيّئات بعدَ الحسنات؛ لأنّ في ذلك غضَبَ الله تعالى ونَقص ثوابِه أو حِرمان الثّواب بالكلّيّة وإبطال العمل، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد:33].
فدومُوا على طاعةِ ربّكم ـ معشرَ المسلمين ـ في الشّهور والأيّام، فربُّ رمضان هو ربُّ الشّهور والأعوام، وهو أحقّ أن يعبَد ويوحَّد في كلِّ زمان ومكان، قيل لبشر الحافي رحمه الله: إنّ قومًا يجتهدون ويعبدون الله في رمضان، فإذا ولّى تركوا، فقال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلاّ في رمضان". فليس للمؤمن راحةٌ قبلَ لقاءِ ربّه، والله يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99 ] يعني الموت.
فيا فوزَ من قدّم لأهوال القيامةِ الأعمالَ الصالحات، ويا ندامةَ من نسيَ آخرتَه ووجد في قبره السيئاتِ والموبقات.
عبادَ الله، استقيموا على صراط الله المستقيم، وتمسّكوا بسنّة نبيّكم صلى الله عليه وسلم الموصوفِ بالخلُق العظيم، واحذَروا الشيطان والهوى فإنّه كان في شهرِ رمضان مأسورًا، ويريد أن يأخذَ منكم بثأره فيجعلَ الأعمال الصالحةَ هباءً منثورًا، فاستعينوا عليه بربِّكم، وردّوه خائبًا مدحورًا، بالمدامة على طاعةِ ربّكم، ليكونَ سعيكم مشكورًا، (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَـاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـئِكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ لاَ يَسْتَوِى أَصْحَـابُ النَّارِ وَأَصْحَـابُ الْجَنَّةِ أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) [الحشر:18-20].
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعني وإيّاكم بما فيهِ مِن الآياتِ والذّكر الحكيم، ونفعنا بهديِ سيّد المرسَلين وبقولِه القويم، أقول قولي هذَا، وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي الجلالِ والإكرام، ذِي المُلك الذي لا يُرام والعزِّ الذي لا يُضام، أحمَد ربّي وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدّوس السلام، وأشهد أنّ نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله، بعثَه الله بالهدَى والرّحمة والسّلام، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمّد، وعلى آلِه وصحبِه الكِرام.
أمّا بعد: فاتّقوا الله حقَّ تقاته، والزموا طاعاتِه، وجانِبوا محرَّماته.
واعلموا ـ عبادَ الله ـ أنّ نعمةَ الأمنِ مِن تمام الإسلام وجزءٌ لا يتجزَّأ منه، قال الله تعالى: (فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ) [البقرة:196]، وقال تعالى: (فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:239]، وقال عزّ وجلّ: (فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلَواةَ إِنَّ الصَّلَواةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَـابًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103].
وجعل الله تعالى الأمنَ ظِلاًّ ظليلاً ليعبدَه فيه العابِدون، ويأمنَ فيه الخائِفون، ويطمئنَّ الوجِلون، قال الله عزّ وجلّ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَىا لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذالِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ) [النور:55]. وقرَن النبيّ صلى الله عليه وسلم بين الأمنِ والإيمان، فكان يقول إذا رَأى الهلالَ: ((اللهمَّ أهِلَّه علينا بالأمنِ والإيمان والسّلامةِ والإسلام، هلالَ خيرٍ ورشدٍ، ربيِّ وربُّك الله)).
ومَن كفَّ يدَه ولسانَه عن أذيّة المسلمين والإضرارِ بهم ولم يعتدِ على الخلقِ وعزَّز الأمنَ وقوّاه ونصرَه وشكَر الله على نعمةِ الأمن فقد قام بشكرِ هذه النّعمة، ومن لم يفعل ذلك فقد كفر بنعمةِ الأمن.
وإنّ شبابًا غُرِّر بهم ودُفِعوا بمكرٍ خادِع إلى ظلماتِ فتنةٍ مهلِكة، قد ركِبوا جرمًا كبيرًا، واقترفوا إثمًا عظيمًا وفسادًا عريضًا، يُهلِك الحرثَ والنّسلَ، ويورث الدَّمارَ والعارَ والعياذ بالله.
وإنّ عمليّة تخريبٍ واحدة جمعت بين جرائمَ عِدّة، جمعت بين قتل النفس، فمنفِّذها قاتِل لنفسه، وقد قال الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ عُدْوانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء:29، 30].
وعصوا اللهَ ورسولَه، وجمَعت بينَ قتل النّفوس المحرَّمة مِن مسلمين وغير مسلمين، وجمَعت بين إتلافِ أموال معصومةٍ وروَّعت الآمنين، وجمعت بين عِصيان وُلاة الأمر الذين أمَر الله بطاعتِهم، وجمعت بين عصيانِ الوالدين لمن له والدان، وجمَعت بين مخالفةِ المؤمنين والإفسادِ في الأرض، قال الله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىا وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلَّىا وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [النساء:115].
يا شبابًا غُرِّر بِهم فحمَلوا السّلاحَ، كيف توجِّهون السّلاحَ إلى إخوانِكم في الإيمان رجالِ الأمن الذين يسهَرون على مصالحكم؟! كيف تدمِّرون بيوتَكم بأيديكم؟! كيفَ تخرجُون على ولاةِ أمركم وتفارقون جماعةَ المسلمين وتقتلون فيهم؟! كيف تنقادون مع كلِّ فاتِنٍ مَفتون؟! كيف تقدِمون على نارِ جهنّم والعياذ بالله ولا تخافون عاقبةَ أفعالِكم؟! الخطأ في هذهِ الأمور غيرُ مغفور، والعذرُ غيرُ مقبول؛ لأنّها حقوقُ الله وحقوق العباد.
إنّ إبليس لا يريد منكم أكثرَ مِن هذه الأفعالِ الإرهابيّة التخريبيّة، اللهَ اللهَ في المسلمين وفي بلادكم بلادِ الإسلام وفي أنفسكم، سلِّموا أنفسَكم، واكشفوا لولاةِ أمركم الحال وخبايا أهلِ الفتنةِ لتنطفئ نارُ التخريب والتّدمير والإفساد، فالرجوع في الدنيا خيرٌ من الندَم في الآخرة.
أناشِد مَن يبلغه كلامي ويصِل إليه ويسمَع هذه الخطبةَ أن يتّقي الله في الإسلامِ والمسلمين، ومَن لديه شبهاتٌ فليبحَث في أمرِها مع هيئةِ كبارِ العلماء، قال الله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:43].
إنّ أعداءَ الإسلام لا يتمنَّون للمسلمين أكثرَ مِن هذه الأفعالِ الآثمة الظالمةِ المفسدة المدمِّرة.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) الأحزاب:56، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من صلّى عليّ صلاةً واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا)).
فصلّوا وسلّموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمامِ المرسلين.
اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وسلّم تسليمًا كثيرًا. اللهمّ وارضَ عن الصّحابة أجمعين...