البحث

عبارات مقترحة:

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

حديث السبعة (1) شاب نشأ في طاعة الله

العربية

المؤلف محمد الشاذلي شلبي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. لماذا اختص الشباب بهذا الفضل؟! .
  2. شباب حول الرسول -صلى الله عليه وسلم- .
  3. الثقة في إمكانات الشباب وقدراتهم .
  4. نظرتنا المعاصرة للشباب .
  5. أهمية الشباب في حياة الشعوب والأمم .

اقتباس

تربية الشباب على القيادة والريادة والإدارة منذ صغر سنّه، يُعْطي الأمّة أعمارًا فوق أعمارها، ويرسّخ أقدامها بين غيرها من الأمم، فكانت نظرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وثقته في الشباب في محلّها، وكان -صلوات ربّي وسلامه عليه- ليزرع المعنى في قلوبنا بوضوح، ذلك المعنى الذي خَفِيَ مع الأسف عن عقول كثيرٍ من الآباء والمربّين والدّعاة، وهو أنّ إمكانات الشباب وطاقاتهم وقدراتهم هائلة ..

 

 

 

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

أمّا بعد: مع سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلُّه، نكمل اليوم هذه الرّحلة المشوّقة مع شخصيّة متميّزة، والّتي سنجتمع عليها في مستقبل الأيام إن شاء الله تعالى؛ وهي "شابٌّ نشأ في طاعة الله".

بداية نسأل أنفسنا: لماذا ورد في الحديث شاب نشأ في طاعة الله؟! لماذا شاب بالذّات من استحقّ أن يكون في ظلّ الله يوم القيامة؟! ببساطة، نقول: لأنّ الشاب في هذه المرحلة من العمر، تكون غرائزه ملتاجة، ويتمتّع بطاقات وقدرات هائلة، ولكن شخصيتنا المباركة اليوم لم يصغ إلى أهوائه وغرائزه الملتاجة، جاهد نفسه ونشأ في طاعة الله تعالى وفي عبادته سبحانه، ملتزمًا أوامره، سائرًا على صراطه، ووجّه إمكاناته على اختلافها لما يرضي الله تعالى، فاستحقّ أن يكون من بين السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه. وقد قيل: إنّ الله تعالى ليُباهي ملائكته بالشّاب المؤمن ويقول: "انظروا عبدي؛ ترك شهوته من أجلي".

وهذا مصعب بن عمير كانت الدّنيا بين يديه، والحياة مقبلة عليه، كان يرتدي أغلى الثياب، ويتعطّر بأجمل العطور، ثمّ جاء الإسلام فأحبّه وآمن به، واتّبع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فخيّرته أمّه التي كانت على الكفر، خيّرته بين الإسلام وبين الغنى والترف الّذي كان يعيش فيه، فانتصر على أهواء الشباب، مع أنّ المال والجمال والقوّة تفتح آفاق المعصية لكثير من الشباب، ولكن ليس مصعب، فقد ترك حياة الترف والمعاصي واختار طاعة الله تعالى، ووجّه إمكاناته على اختلافها لما يرضي الله تعالى، حتى إنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اختاره لأعظم مهمّة في حينها، أن يكون سفيره إلى المدينة، فألقى بين يدي مصعب مصير الإسلام في تلك المدينة التي ستكون دار الهجرة فيما بعد، والتي ستقوم فيها أوّل دولة للإسلام، ثمّ بقوّة إيمانه ولباقته أثّر الشاب المبارك بسادات الأنصار حتّى أسلم على يديه: أُسَيْد بن حُضَيْر الذي تنزّلت الملائكة لتلاوته القرآن، وسعد بن معاذ الذي اهتزّ لموته عرش الرّحمن.

وراح مصعب يفقّه أهل المدينة ويعدُّهم لتلك المسؤولية المقبلة عليهم، وقد حقّق النجاح الذي توقّعه له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله: لم تكن هذه المرّة الوحيدة التي يوكّل فيها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالمهام الصعبة للشباب، بل الأمثلة على ذلك كثيرة، منها قراره الأخير قبل موته -صلى الله عليه وسلم-، حيث أصدر قرارًا بتولية ذاك الشاب الصغير أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-، وكان يبلغ آنذاك ثمانية عشر عامًا، ولاّه على قيادة الجيش الإسلامي الضخم المتّجه لمحاربة أعتى الجيوش في ذلك الزمان: جيش الإمبراطوريّة الرّومانيّة، مع العلم أن هذا الشاب لم يكن يتمتّع بوضع اجتماعيّ مميّز، ولا بشكلٍ وسيم أو لباس فخم أنيق، فليست العبرة في تلك الأمور التي يظنّ بعض الشباب اليوم أنّها الأهمّ، بل لقد كان أسامة بسيطًا جدًّا، وهو ابن لرجل بسيط كذلك، هو زيد بن حارثة، لكنّه كان مؤمنًا صلبًا، ومسلمًا قويًّا، له عزيمة قاهرة، وقد استكمل في عدد سنوات عمره المعدودة فنون الفروسيّة والقتال والقيادة والإرادة والفقه والعلم، بحيث أصبح قادرًا على أداء هذه المهمّة الخطيرة، وهذا ليثبت للشباب -في بلادنا خاصّة ولشباب الأمّة عامّة- أن المقوّمات الحقيقية لنجاح الشاب تكمن أساسًا في دين الشاب وفي عقله وعلمه وكفاءته، لكن هنا قد يسأل سائل: ألم يكن في المدينة المنوّرة من هو أفضل من أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- لقيادة الجيش؟! بل كان هناك الكثير من القادة العسكريين أمثال: أبي عبيدة ابن الجرّاح، والزبيّر بن العوّام، وخالد بن الوليد، والقعقاع بن عمرو، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، وغيرهم كثير، وهم عمالقة في كلّ شيء، عمالقة في الفروسيّة وفي التخطيط العسكري، وعمالقة في الإيمان وفي السّبق إلى الإسلام وفي الخبرة وفي الصحبة وفي المكانة.

فما دام الأمر كذلك لماذا يعطي الرسول -صلى الله عليه وسلم- الفرصة للصّحابي الشاب لكي يرأس هذا الجيش الخطير؟! الحقّ أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يوضّح لنا طاقات الشباب وإمكاناتهم، ويلفت أنظارنا إلى أنّ تربية الشباب على القيادة والريادة والإدارة منذ صغر سنّه، يُعْطي الأمّة أعمارًا فوق أعمارها، ويرسّخ أقدامها بين غيرها من الأمم، وقد قيل: إنّ الجيش غاب حوالي الشهرين وعاد بلا ضحايا، فقال عنه المسلمون يومئذ: ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة، فكانت نظرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وثقته في الشباب في محلّها، وكان -صلوات ربّي وسلامه عليه- ليزرع المعنى في قلوبنا بوضوح، ذلك المعنى الذي خَفِيَ مع الأسف عن عقول كثيرٍ من الآباء والمربّين والدّعاة، وهو أنّ إمكانات الشباب وطاقاتهم وقدراتهم هائلة.

واليوم كيف ينظر مجتمعنا إلى الشباب ويتعامل معهم؟! في الواقع قد تأثّر مجتمعنا التّونسي العربي والمسلم المعاصر المتحضّر بمفاهيم تربوية غربيّة، بعيدة وغريبة عنه، تتمثّل في: النظرة الخاطئة للشباب من سنّ اثني عشر عامًا إلى العشرين، حيث رأوا أنّ الشباب في تلك الفترة العمرية يتّصفون بالطّيش والخفّة والانحراف والتمرّد، وأطلقوا على هذه الفترة: أزمة المراهقة، وانطلقت هذه العدوى إلى مجتمعنا المسلم بواسطة وسائل الاتّصال الغربية المتطوّرة التي اقتحمت بيوتنا رغم أنوف أجدادنا، فكانت النظرة إلى الشباب بأنّه عنصر غير فعّال، بل مشاكس ومخرّب في الأغلب، فانعكس أثر هذه النظرة على الشباب أنفسهم؛ ما جعلهم يضعون أنفسهم حيث ينظر الناس إليهم، فطال أمد الطفولة والطّيش لديهم، فمالوا إلى الانحراف بجميع وسائله، وتحجّم دورهم وطاقاتهم وقدراتهم فيما يفسد ولا يصلح، يهدّم ولا يبني، أسأل الله تعالى أن يقينا الزلاّت، وأن يجعلنا ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالديّ ولوالديكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله على كلّ حال، الحمد لله الذي كفانا وآوانا وهدانا، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيّد الخلق أجمعين، محمّد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه أجمعين.

أمّا بعد:

أيّها الشباب: ما قلته في الخطبة الأولى لا يجعلني أنكر أنّ الشاب في تلك المرحلة له طبيعة خاصة، لكن تلك الطبيعة يمكن توظيفها إيجابيًّا، وأكبر دليل على ذلك تلك الشخصيات الشابة المتميّزة التي كان لها دور فعّال وإيجابي بحقّ الأمّة، لذلك أناشدكم الله تعالى -إخواننا وأخواتنا المربّين-: أنشئوا شبابنا على المنهج الإسلامي، عظّموا أمر الله تعالى في نفوسهم، رسّخوا في قلوبهم محبّته تبارك وتعالى والعمل لمرضاته، واتباع سُنّة حبيبه -صلى الله عليه وسلم-، قَوُّوا في أعماقهم الإحساس بالانتماء إلى دين الله، علّموهم سِيَر شباب السلف الصّالح -رحمهم الله-، حبّبوا إليهم مجالس الخير وحذّروهم من مجالس الشرّ، ومجالسة أصحاب السّوء، اغرسوا في شبابنا الإحساس بقيمة يوم القيامة وأهوالها، ولا تنسوا قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "ألا كُلُّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته".

طبعًا مسؤولية تربية هذا الجيل التربية التي تؤهّله لكي يكون شابًّا نشأ في طاعة الله، أمر يطول وله أصول وتفصيل، وما يهمّنا في هذه الخطبة هو أن نلفت الأنظار إلى ذاك الشاب الذي يستحقّ أن يظلّه الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، نريد أن نوضّح أهمّية الشباب حقًّا في حياة الشعوب والأمم، حتّى أوصى بهم النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- فقال: "أوصيكم بالشباب خيرًا فإنّهم أرقّ أفئدة، قلوبهم طيّبة ليّنة، تتقبّل الخير، وتنفعل به، وتعمل له، أوصيكم بالشباب خيرًا فإنّهم أرقّ أفئدة، "لقد بعثني الله بالحنيفيّة السمحة –الإسلام- فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ"، خالفه الكبار في قريش أمثال: أبي جهل، وأبي لهب، وعتبة، والوليد بن المغيرة، وغيرهم ممّن قاتلوه وحاربوه -صلّى الله عليه وسلم-، أمّا من حالفوه وتحمّسوا لدعوته الشريفة -صلى الله عليه وسلم- وحملوا الإسلام في قلوبهم، وهمومه على أكتافهم، هم الشباب، الشباب هم أنصار الحبيب -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليمات-.

أيّها الناس: قال الإمام مالك -رحمه الله-: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها". ولا يمكن جمع المسلمين إلا على ما كان عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصحابته من عقيدة وأحكام ومعاملات وسلوك وهدي، وإنما تفرق المسلمون بعد ذلك؛ بسبب انحرافهم عن الهدي النبوي، وإحداث بدع في العقيدة والعبادات والتشريع، ومن قول على الله بغير علم، ومن هنا كان لزامًا علينا أن نراجع أنفسنا بين الفينة والأخرى، ونزن حركاتنا وسكناتنا بميزان الكتاب والسُّنَّة.

ولكن ما أبعدنا اليوم عن سُنَّة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وما أعظم الفرق بيننا وبين الأوائل الذين قال فيهم ابن مسعود: "إن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا".

الإسلام عُرىً؛ من ترك عروة رضي بهدم حجر من صرح إسلامه، ومِنْ هنا أُصيبَ المسلمون في دينهم، وهم لا يشعرون أن سُنَّة مع سُنَّة تُكَوِّنُ الدِّينَ، ومُسْتَحَبٌّ مع مُستحبٍّ يكمل الإيمان، واقتراف مَكْرُوهٍ مع مكروه صدع في الإسلام وثلمه في الإيمان.

عباد الله: لا تؤجّلوا التوبة، ولا تؤخّروا العودة إلى الله -تبارك وتعالى-، تفقّهوا في الدّين واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وحذار من التسويف، وتوجّهوا إلى ربّكم في هذا اليوم الأغرّ، واستفتحوا الدعاء بعطر الصلاة على أفضل من بدا وحضر، سيدنا محمد حبيب القلب ونور البصر، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأزواجه وذرّيته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

اللهم إليك خرجنا، وبفنائك أنخنا، وإياك أمّلنا، وما عندك طلبنا، ولإحسانك تعرّضنا، ولرحمتك رجونا، ومن عذابك أشفقنا، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين، يا من ليس معه رب يدعى، ولا إله يرجى، ولا فوقه خالق يخشى، ولا وزير يؤتى، ولا حاجب يرشى، يا من لا يزداد عن السؤال إلاّ كرمًا وجودًا، يا من ضجت بين يديه الأصوات، يسألونك الحاجات، ملحين في الدعوات، حاجتنا إليك يا رب، مغفرتك ورضا منك علينا، لا سخط بعده، وهدى لا ضلال بعده، وعلم لا جهل بعده، وحسن الخاتمة والعتق من النار، والفوز بالجنة.

اللهم إننا وقفنا بين يديك في هذا البيت الشريف، رجاءً لما عندك، فلا تجعلنا اليوم أخيب عبادك، فأكرمنا بالجنة، ومُنَّ علينا بالمغفرة والعافية، وأجرنا من النار، وادرأ عنا شرّ خلقك، انقطع الرجاء إلاّ منك، وأغلقت الأبواب إلاّ بابك، فلا تكلنا إلى أحد سواك في أمور ديننا ودنيانا طرفة عين، وانقلنا من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.

نسألك أن ترزقنا علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وقلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا، وعملاً زكيًّا، وإيمانًا خالصًا، وهب لنا إنابة المخلصين وخشوع المخبتين، وأعمال الصالحين، ويقين الصادقين، وسعادة المتقين، ودرجات الفائزين، اللهم احفظ بلادنا وأصلح أولادنا، واشف مرضانا وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وخذ بأيدينا إلى كل خير، ولا تسلب نعمتك علينا يا أرحم الراحمين، اللهم احفظ الأمة وأصلح شؤون البلاد، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا على حاضره، مطمئنًا على مستقبله بفضلك ومنّك يا أرحم الراحمين. آمين. وصل وسلم على سيد الأولين والآخرين وآله وصحبه أجمعين.

عباد الله: إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلّكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.