البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الظلم سبب زوال السلطة

العربية

المؤلف عصام بن هاشم الجفري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. الدنيا دار امتحان واختبار .
  2. الابتلاء بالخير أعظم من الابتلاء بالشر .
  3. أسباب الظلم .
  4. كيف يسلب الظلم السلطة والمُلك .
  5. مهما طال الظلم فمصيره الزوال .
  6. التحذير من مغبة الظلم .

اقتباس

والابتلاء بالنعمة والسراء أعظم وأخطر من الابتلاء بالفقر والضراء؛ ونأخذ اليوم مثالاً للابتلاء بالسلطة ذكره القرآن لنا؛ ففرعون أشهر مثال لمن ابتُلي بنعمة السلطة السياسية فلم يشكر النعمة؛ غرته تلك النعمة فتسلط على بني إسرائيل وظلمهم حتى وصل في الظلم غايته؛ الإسراف في سفك دماء المظلومين والمستضعفين؛ أخبرنا الله عن ذلك بقوله: (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ...).

 

 

 

 

الحمد لله قاصم ومذل الجبابرة والظالمين، وناصر الضعفاء والمظلومين ولو بعد حين، أحمده -جل شأنه- وأشكره على نعمة الهدى والدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا معين، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ على هذا النبي الكرم وعلى الآل والصحب والتابعين، وسلم -يا ربي- تسليمًا كثيرًا. 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- تفوزوا بمعية ونصر الله -جل في علاه-، أخبركم عن ذلكم ربكم بقوله: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل: 127، 128].

معاشر المتقين: كلنا نعيش في هذه الدنيا في حالة اختبار وامتحان؛ وقد نرى طرفًا من النتيجة في الدنيا، بيد أن النتيجة الكبرى والنهائية تكون هناك في يوم القيامة الرهيب؛ فما مِنَّا إلا ويعيش في سراء أو ضراء، وكلاهما فتنة وامتحان؛ يقول ربنا -جل في علاه-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].

قال ابن كثير في تفسير الآية: "أي: نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى؛ لننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "(وَنَبْلُوكُمْ)، يقول: نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال، وقوله: (وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) أي: فنجازيكم بأعمالكم". تفسير ابن كثير (5/342).

والابتلاء بالنعمة والسراء أعظم وأخطر من الابتلاء بالفقر والضراء؛ ونأخذ اليوم مثالاً للابتلاء بالسلطة ذكره القرآن لنا؛ ففرعون أشهر مثال لمن ابتُلي بنعمة السلطة السياسية فلم يشكر النعمة؛ غرّته تلك النعمة فتسلط على بني إسرائيل وظلمهم حتى وصل في الظلم غايته؛ الإسراف في سفك دماء المظلومين والمستضعفين؛ أخبرنا الله عن ذلك بقوله: (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [الأعراف:141].

وزاد اغتراره بالنعمة أنه ادعى الألوهية من دون الله فقال: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [القصص:38].

أعرفتم أحبتي ما سبب ذلك الاستكبار والظلم أنه أمر واحد يذكره لنا ربنا العليم بقوله: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ) [القصص:39].

نعم -يا عباد الله- إنه الداء الأعظم؛ عدم اليقين بأن هناك رجوعًا إلى الله، وأن هناك حسابًا وثوابًا وعقابًا، والظالم قد يغره إمهال الله له، وينسى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].

فيظن أن إمهال الله له هو عدم قدرة الله عليه، أو نسيانه له، أو الرضا من الله عن عمله -عياذًا بالله-، فيتمادى حتى في حرب دين الله والدعاة إلى الله، بل يسعى لمحو كل مظاهر التدين من الحياة، والتلبيس على العامة والدهماء بأن الدين وأهله هم سبب فساد الحياة وهو ما فعله فرعون ومن سار على نهجه، واسمعوا معي للعليم الخبير يخبرنا عن ذلك بقوله: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر:26].

أحبتي في الله: تعالوا وتأملوا معي كيف يَسْلِبُ الظلمُ السلطةَ والملكَ، كيف يجعل الله نهاية الظالمين وظلمهم على يد المظلومين؛ فهذا فرعون كانت نهايته ونهاية ملكه وسطوته على يد موسى -عليه السلام- وهو من بني إسرائيل الذين بسط فرعون عليهم ظلمه: (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) [القصص:8]، وتأملوا معي أيضًا نهاية فرعون كيف كانت وهو في قمة اغتراره بنعمة الله عليه: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس:90-92].

فكم من فرعون مرّ بهذه الأمة وغفل عن آية فرعون في القرآن!! والأمر -أحبتي في الله- ليس على مستوى الأفراد بل حتى على مستوى الدول؛ فكم من دولة غرّتها قوتها العسكرية فظلمت دولاً وشعوبًا أخرى، فكانت نهايتها على يد تلك الشعوب التي ظلمتها!! وما قصص الحروب العالمية والاستعمار المشين عنا ببعيد؛ فكم من دولة كانت قوية مستعمرة انتهى استعمارها على يد الشعوب التي استعمرتها، بل وتحولت بعد قوتها وعزها إلى دولة صغيرة على هامش التاريخ.

أحبتي في الله: جزءٌ من عقيدتنا أن الظلم مهما طال فمصيره للزوال؛ لأن الله مطَّلعٌ عالِمٌ بعباده وما يحدث على أرضه، ولا يرضى بأن يسود الظلم والظالمون، ووعد بأخذهم سواء كانوا أفرادًا أم جماعات، فقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) [هود:102-104].

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا الظلم في كافة صوره وعلى جميع المستويات؛ فهذا ربنا يخاطبنا في الحديث القدسي بقوله: "يَا عِبَادِي: إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا". مسلم، تحريم الظلم، ح 4674.

أمة العدالة والتقى: فليحذر الزوج من ظلم زوجته، وليحذر الأب من ظلم أولاده، وليحذر صاحب العمل من ظلم عماله، وليحذر صاحب المنصب من ظلم من هم تحت يده من الموظفين... وهكذا على كافة المستويات. واعلموا أنكم موقوفون بين يدي ربكم، وستسألون في يوم لا تنفع فيه المناصب ولا الأموال ولا الأولاد، بل لا تنفع الدنيا بأسرها، واعلموا -رحمني الله وإياكم- أن للمظلوم دعوة مستجابة؛ أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ". البخاري، الحذر من دعوة المظلوم، ح2268.

وفي سنن الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ؛ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ". الترمذي، في العفو والعافية، ح 3522.

ولله در القائل:

لا تظلمن إذا ما كنـت مقتدرًا

فـالظلم آخره يأتيك بالندمنـامت عيونك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم

وقال آخر:

أتـهزأ بالـدعاء وتزدريه

وما يدريك ما صنع الدعاءسهام الليل لا تخطي ولكن لـها أمد وللأمـد انقضاء