الحليم
كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد البصري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان |
أَلا وَإِنَّنَا نَعِيشُ الآنَ في فَترَةِ فِتَنٍ وَمِحَنٍ، فِتَنٍ عَظِيمَةٍ وَقَوَارِعَ جَسِيمَةٍ، حَلَّت بِإِخوَةٍ لَنَا عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ، وَخَاضَ فِيهَا النَّاسُ مُتَعَلِّمِينَ وَجَهَلَةً، وَكَثُرَ فِيهَا التَّلَقِّي عَن وَسَائِلِ الإِعلامِ وشَبَكَاتِ المَعلُومَاتِ، وَصَارَ قُوَّادُ الرَّأيِ فِيهَا المُحَلِّلِينَ وَالصَّحَفِيِّينَ، الَّذِينَ امتَلأتِ المَجَالِسُ بِنقُولاتِهِمُ الضَّعِيفَةِ وَتَحلِيلاتِهِمُ الفَاسِدَةِ، فَغَدَت تَمُوجُ بِكَلامٍ مِنهُ المَرضِيُّ وَهُوَ أَقُلُّهُ، وَمِنهُ مَا لا يُرضَى وَهُوَ الغَالِبُ وَالكَثِيرُ ..
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: المُسلِمُ الَّذِي رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا رَسُولاً، وَزَمَّ نَفسَهُ بِزِمَامِ العِلمِ وَأَلجَمَهَا بِلِجَامِ التَّقوَى، يَنطَلِقُ في أَعمَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ عَلَى نُورٍ مِن رَبِّهِ وَهُدًى، مُتَمَسِّكًا بِالوَحيَينِ، عَاضًّا عَلَيهِمَا بِالنَّوَاجِذِ، يَأتَمِرُ بِأَوامِرِهِمَا وَيَنتَهِي عَمَّا نَهَيَاهُ عَنهُ، وَيَقِفُ عِندَ حُدُودِهِمَا وَلا يَتَجَاوَزُ مَا فِيهِمَا، لا تَغُرُّهُ كَثرَةُ سَوَادِ المُخَالِفِينَ، وَلا تَضُرُّهُ قِلَّةُ أَعدَادِ المُؤَيِّدِينَ، فَهُوَ مُنطَلِقٌ في الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ مِن قَنَاعَاتٍ رَاسِخَةٍ رُسُوخَ الجِبَالِ، مَبنيُّةٍ عَلَى عِلمٍ شَرعِيٍّ أَصِيلٍ، مَنبَعُهُ كِتَابُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، وَمَن كَانَ هَذَا شَأنَهُ فَأَنعِمْ بِهِ وَأَكرِمْ، فَقَد أَخَذَ بِوَصِيَّةِ نَبِيِّهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- وَنَالَ بِشَارَتَهُ، حَيثُ قَالَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: "تَرَكتُ فِيكُم مَا إِنِ اعتَصَمتُم بِهِ فَلَن تَضِلُّوا أَبَدًا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ". رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَرَوَى الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عَن أَبي شُرَيحٍ الخُزَاعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَبشِرُوا، أَلَيسَ تَشهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؟!"، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "إِنَّ هَذَا القُرآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَطَرَفُهُ بِأَيدِيكُم، فَتَمَسَّكُوا بِهِ فَإِنَّكُم لَن تَضِلُّوا وَلَن تَهلِكُوا بَعدَهُ أَبَدًا".
وَإِنَّهُ حِينَ تُطِلُّ الفِتَنُ بِرُؤُوسِهَا وَتَدلَهِمُّ الخُطُوبُ، وَتَتَشَعَّبُ بِالنَّاسِ الآرَاءُ، وَتَتَجَارَى بِهِمُ الأَهوَاءُ، إِذْ ذَاكَ يَتَأَكَّدُ تُمَسُّكُ المُسلِمِ بِالوَحيَينِ العَظِيمَينِ، وَيَزدَادُ تَعَلُّقُهُ بِالمَصدَرَينِ الكَرِيمَينِ، وَيَحرِصُ عَلَى إصَابَةِ الحَقِّ وَالسُّنَّةِ وَلَوِ اقتَصَدَ، وَيَحذَرُ الضَّلالاتِ وَالبِدَعَ وَإِنْ وَقَعَ فِيهِمَا مَن وَقَعَ، صَحَّ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- مَوقُوفًا أَنَّهُ قَالَ: "الاقتِصَادُ في السُّنَّةِ أَحسَنُ مِنَ الاجتِهَادِ في البِدعَةِ". رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
أَلا وَإِنَّنَا -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- نَعِيشُ الآنَ في فَترَةِ فِتَنٍ وَمِحَنٍ، فِتَنٍ عَظِيمَةٍ وَقَوَارِعَ جَسِيمَةٍ، حَلَّت بِإِخوَةٍ لَنَا عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ، وَخَاضَ فِيهَا النَّاسُ مُتَعَلِّمِينَ وَجَهَلَةً، وَكَثُرَ فِيهَا التَّلَقِّي عَن وَسَائِلِ الإِعلامِ وشَبَكَاتِ المَعلُومَاتِ، وَصَارَ قُوَّادُ الرَّأيِ فِيهَا المُحَلِّلِينَ وَالصَّحَفِيِّينَ، الَّذِينَ امتَلأتِ المَجَالِسُ بِنقُولاتِهِمُ الضَّعِيفَةِ وَتَحلِيلاتِهِمُ الفَاسِدَةِ، فَغَدَت تَمُوجُ بِكَلامٍ مِنهُ المَرضِيُّ وَهُوَ أَقُلُّهُ، وَمِنهُ مَا لا يُرضَى وَهُوَ الغَالِبُ وَالكَثِيرُ.
أَلا وَإِنَّ هَذِهِ الفِتَنَ وَالمِحَنَ إِنَّمَا وَقَعَت بِتَقدِيرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلا- وَمَشِيئَتِهِ النَّافِذَةِ، وَأَنزَلَهَا تَعَالى لِحِكَمٍ بَالِغَةٍ وَمَقَاصِدَ جَلَيلَةٍ، يَجمَعُهَا قَولُهُ سُبحَانَهُ: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ * وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 2، 3].
نَعَم -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-، إِنَّ هَذِهِ الفِتَنَ -وَإِنْ عَظُمَت وَاشتَدَّ بها البَلاءُ- إِلاَّ أَنَّهَا كَالنَّارِ لِلذَّهَبِ، بها تُعرَفُ جَودَةُ النَّاسِ مَن رَدَاءَتِهِم، وَمِن خِلالِهَا يَتَبَيَّنُ عَاقِلُهُم مِن سَفِيهِهِم، وَفِيهَا يَتَمَيَّزُ المُتَمَسِّكُ مِنهُم بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، الحَرِيصُ عَلَى جَمعِ الكَلِمَةِ وَوِحدَةِ الصَّفِّ، مِمَّنِ اتَّخَذَ هَوَاهُ إِلَهًا وَاتَّبَعَ كُلَّ نَاعِقٍ وَمَالَ مَعَ كُلِّ مُفَرِّقٍ وَمُنَافِقٍ، غَيرَ أَنَّ مِن شِدَّةِ البَلاءِ بِهَذِهِ الفِتَنِ وَعَظِيمِ خَطَرِهَا، أَنَّهُ لا يَتَبَيَّنُ بها الصَّافي مِنَ البَهرَجِ، وَلا يَتَّضِحُ السَّلِيمُ مِنَ المَغشُوشِ إِلاَّ بَعدَ مُرُورِهَا وُتَوَلِّيها مُدبِرَةً، وَلَقَد عِشنَا طَوَالَ شَهرَينِ مَاضِيَينِ وَمَا زِلنَا نَعِيشُ فِتَنًا وَتَظَاهَرَاتٍ وَمَسِيرَاتٍ، وَزَلزَلَةَ عُرُوشٍ وَسُقُوطَ رُؤَسَاءَ وَحُكُومَاتٍ، وَقَدِ استَشرَفَ لِهَذِهِ التَّظَاهَرَاتِ في بِدَايَاتِهَا أُنَاسٌ وَفَرِحُوا بها، وَعَدُّوهَا مَكَاسِبَ وَانتِصَارَاتٍ وُفُتُوحَاتٍ، آمِلِينَ أَن تَكُونَ المُخَلِّصَةَ لَهُم مِن ظُلمِ بَعضِ الحُكَّامِ وَطُغيَانِهِم، غَيرَ أَنَّ الأُمُورَ تَجَلَّت عَن كَثِيرٍ مِنَ المَصَائِبِ المُعَقَّدَةِ، وَتَكَشَّفَت عَن جُملَةٍ مِنَ المُشكِلاتِ الشَّائِكَةِ، وَنَتَجَ عَنهَا قَتلٌ وَهَرْجَ وَنَهبٌ وَسَلبٌ وَتَروِيعُ آمِنِينَ، وَذَهَبَت بها طُمَأنِينَةٌ وَأُفسِدَت مَعَايِشُ، وَخُرِّبَت فِيهَا مُقَدَّرَاتٌ وَمُمتَلَكَاتٌ، حَتَّى وَدَّ بَعضُ مَنِ اكتَوَى بِنِيرَانِ تِلكَ التَّظَاهَرَاتِ وَاصطَلَى حَرَّهَا، أَنْ لَو بَقِيَتِ الحَالُ عَلَى مَا كَانَت عَلَيهِ، وَأَنَّهُ لم يَحصُلْ لَهُم مَا حَصَلَ.
يُقَالُ هَذَا الكَلامُ -أَيُّهَا المُؤمِنُونَ- وَقَد بَلَغَنَا أَنَّ ثَمَّةَ مَفتُونِينَ مَخذُولِينَ وَأَغرَارًا مَخدُوعِينَ، يَدعُونَ لِتَنظِيمِ تَظَاهَرَاتٍ وَمَسِيرَاتٍ في هَذِهِ البِلادِ الطَّاهِرَةِ، عَلَى غِرَارِ مَا حَصَلَ في بِلادٍ أُخرَى بَعِيدَةٍ وَمُجَاوِرَةٍ، وَمَا عَلِمَ أُولَئِكَ الأَفَّاكُونَ وَمَن تَأَثَّرَ بهم مِن شَبَابٍ مُستَعجِلِينَ طَائِشِينَ، أَنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالاً، وَأَنَّ ثَمَّةَ فُرُوقًا بَينَ البِلادِ وَالعِبَادِ، وَبَونًا بَينَ مَن يَخرُجُ لأَنَّهُ مُنِعَ مِنَ الَصَّلاةِ مَعَ الجَمَاعَةِ وَإِظهَارِ شَعَائِرِ دِينِهِ، وَرَأَى مِن إِمَامِهِ الكُفرَ البَوَاحَ، وَبَينَ مَن هُوَ في دَولَةٍ مُسلِمَةً تُرفَعُ لِوَاءَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَحكُمُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ في عَامَّةِ أُمُوُرِهَا، وَمَا زَالَ بَينَ وُلاتِهَا وَرَعِيَّتِهِم قَنَوَاتٌ لِلإِصلاحِ مَمدُودَةٌ، وَأَبوَابٌ لِلنُّصحِ مَفتُوحَةٌ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد جَاءَ التَّوجِيهُ النَّبَوِيُّ الكَرِيمُ في حَالِ الفِتَنِ الَّتي لا يُعلَمُ فِيهَا الحَقُّ، بِالابتِعَادِ عَن مُوَاقَعَتِهَا قَدرَ المُستَطَاعِ، وَالفِرَارِ مِنهَا مَا وَجَدَ المُسلِمُ لِذَلِكَ سَبِيلاً، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِن المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِن السَّاعِي، مَن تَشَرَّفَ لها تَستَشْرِفْهُ، وَمَن وَجَدَ فِيهَا مَلجَأً أَو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يُوشِكُ أَن يَكُونَ خَيرَ مَالِ المُسلِمِ غَنَمٌ يَتبَعُ بها شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ.
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن تَمَامِ الدِّيَانَةِ وَرَجَاحَةِ العَقلِ، وَإِرَادَةِ المُسلِمِ لِنَفسِهِ النَّجَاةَ وَالخَلاصَ، أَن يَبتَعِدَ عَنِ الفِتَنِ وَالَّتي مِنهَا التَّظَاهَرَاتُ وَالمَسَيرَاتُ، وَأَن لا يُشَارِكَ فِيهَا بِقَولٍ أَو فِعلٍ، وَلا يَكُونَ مُؤَيِّدًا لها أَو دَاعِيًا إِلَيهَا، أَو مُوقِظًا لها بِتَروِيجِ الشَّائِعَاتِ أَو تَأجِيجِ الجَمَاهِيرِ، جَاءَ بِذَلِكَ تَوجِيهُ الصَّادِقِ النَّاصِحِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- حَيثُ قَالَ: "مَن سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنهُ، فَوَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأتِيَهِ وَهُوَ يَحسِبُ أَنَّهُ مُؤمِنٌ، فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ". رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَيَأتي بَعدَ الحَذَرِ الشَّدِيدِ مِن مُوَاقَعَةِ الفِتَنِ وَالابتِعَادِ عَنهَا، أَن يَعلَمَ المُسلِمُونَ أَنَّهُ لا سَبِيلَ لَلِنَّجَاةِ إِذَا انعَقَدَت غُيُومُ الفِتَنِ وَلاحَت بُرُوقُهَا وَأَرعَدَت، إِلاَّ اعتِصَامُهُم بِكِتَابِ رَبِّهِم وَسُنَّةِ نَبِيِّهِم، وَهُوَ مَا لا يُمكِنُ أَن يَكُونَ حَقِيقَةً مَاثِلَةً وَجُنَّةً حَصِينَةً وَمَلجَأً آمِنًا، مَا لم يَرجِعُوا في كُلِّ مَا أَشكَلَ عَلَيهِم أَوِ التَبَسَ أَمَرُهُ إِلى الرَّاسِخِينَ مِن أَهلِ العِلمِ وَالبَصِيرَةِ، فَقَد قَالَ تَعَالى في مِثلِ هَذَا: (وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم) [النساء: 83].
أَمَّا الاستِشرَافُ لِلفِتَنِ وَتَسعِيرُ نَارِهَا، فَلَيسَ مِنَ الدِّينِ وَلا العَقلِ في شَيءٍ؛ لأَنَّ الفِتَنِ لا تَأتي بِخَيرٍ وَلا صَلاحٍ، وَإِنَّمَا وَقُودُهَا الرِّجَالُ وَالأَروَاحُ، وَسِمَتُهَا الهَرجُ وَالمَرْجُ، وَطَابَعُهَا النَّهبُ وَالسَّلبُ، أَلم تَرَوا كَم مِن دِمَاءٍ أُرِيقَت في العِرَاقِ وتُونُسَ وَمِصرَ وَلِيبِيَا؟!
أَلم تَلحَظُوا استِغلالَ بَعضِ الطَّوَائِفِ الضَّالَّةِ في البَحرَينِ بَل وَفي بِلادِنَا لِهَذِهِ الفِتَنِ لِتَروِيجِ كُفرِهِم وَالإِعلانِ عَن بُغضِهِم وَعدَائِهِم لِلسُّنَّةِ وَأَهلِهَا؟!
لَقَد أَرَادَ المُتَظَاهِرُونَ في بَعضِ البِلادِ تَصحِيحَ أَخطَاءٍ وَقَعَت مِن الحُكَّامِ، فَنَالَهُم مِنَ البَلاءِ مَا نَالَهُم، وَمَا زَالَ الأَمرُ لَدَيهِم مُختَلِطًا مَرِيجًا، لا يَدرُونَ لِمَن تَكُونُ عَاقِبَتُهُ، وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَعضُ الشُّعُوبِ في تِلكَ الدُّوَلِ قَدِ ابتُلُوا بِحُكَّامٍ وَقَعَ مِنهُمُ الكُفرُ البَوَاحُ، فَإِنَّنَا وَللهِ الحَمدُ في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ نَعِيشُ تَحتَ وِلايَةٍ مُسلِمَةٍ تَحكُمُ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَفي أَعنَاقِنَا لِوُلاتِنَا بَيعَةٌ شَرعِيَّةٌ، تُوجِبُ عَلَينَا طَاعَتَهُم في المَعرُوفِ، وَتُحَرِّمُ عَلَينَا الخُرُوجَ عَلَيهِم أَو إِثَارَةَ البَلبَلَةِ وَالفَوضَى، أَما وَقَد صَدَرَ مِن وَليِّ الأَمرِ التَّأكِيدُ عَلَى مَنعِ التَّظَاهَرَاتِ وَتَجَرِيمِهَا، وَأَصدَرَت هَيئَةُ كِبَارِ العُلَمَاءِ في هَذَا الشَّأنِ بَيَانَهَا، فَيَتَأَكَّدُ عَلَى المُسلِمِ الامتِثَالُ وَالسَّمعُ وَالطَّاعَةُ؛ لِقَولِ المَولى -تَبَارَكَ وَتَعَالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم) [النساء: 59]؛ وَلِقَولِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في المُتَّفَقِ عَلَيهِ: "تَسمَعُ وَتُطِيعُ الأَمِيرَ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَاسمَعْ وَأَطِعْ".
وَإِنَّنَا لا نَدَّعِي لِبِلادِنَا الكَمَالَ، وَلا أَنَّ مَسؤُولِيهَا بِمَنأًى عَنِ النَّقدِ وَالتَّصحِيحِ، وَلَكِنَّ مِمَّا يُؤسَفُ لَهُ وَيَبعَثُ عَلَى الأَسَى، وَيَدُلُّ عَلَى ضَعفٍ في التَّصَوُّرِ وَخَلَلٍ في التَّفكِيرِ، أَن تَكُونَ مُطَالَبَاتُ مَن يَدعُونَ إِلى التَّظَاهُرَاتِ لا تَخرُجُ عَن حُطَامِ الدُّنيَا الزَّائِلِ، مِن نَيلِ وَظِيفَةٍ أَو زِيَادَةٍ في رَاتِبٍ، أَو تَحصِيلِ مَسكَنٍ فَخمٍ أَو نَحوِهَا، أَلا فَبِئسَ الرَّعِيَّةُ مَن لا يُقِيمُهُم عَلَى إِمَامِهِم إِلاَّ الدُّنيَا وَحُطَامُهَا، وَلا يُقعِدُهُم إِلاَّ نَيلُهُم زَخَارِفِهَا، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "تَعِسَ عَبدُ الدِّينَارِ وَعَبدُ الدِّرهَمِ وَعَبدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لم يُعطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انتَقَشَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ.
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلا يَنظُرُ إِلَيهِم وَلا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضلِ مَاءٍ بِفَلاةٍ يَمنَعُهُ ابنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً بِسِلعَتِهِ بَعدَ العَصرِ، فَحَلَفَ بِاللهِ لأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَهُوَ عَلَى غَيرِ ذَلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِلدُّنيَا، فَإِنْ أَعطَاهُ مِنهَا مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِنْ لم يُعطِهِ لم يَفِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا.
إِنَّهُ لا يُنكَرُ أَنَّ ثَمَّةَ مُخَالَفَاتٍ وَتَجَاوُزَاتٍ، قَد يَتَقَطَّعُ لَهَا أَهلُ الدِّينِ حُرقَةً وَغَيرَةً وَحَزَنًا، وَهَذِهِ سِمَةٌ فِيهِم مَحمُودَةٌ، بَل وَاجِبٌ عَلَيهِم شَرعِيٌّ، وَاللهُ تَعَالى يَغَارُ، وَقَد كَانَ نَبِيُّهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- يَغَارُ، وَالمُسلِمُ يَحتَرِقُ وَيَغَارُ، وَلَكِنَّ غَيرَتَهُ مُؤَطَّرةٌ بِالنُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ، مَحكُومَةٌ بِالنَّظَرِ الثَّاقِبِ في مَآلاتِ الأُمُورِ، مَضبُوطَةٌ بِزِمَامِ التَأَنِّي وَالتَّرَوِّي: (وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتيَ خَيرًا كَثِيرًا) [البقرة: 269].
وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ تَحرِيمَ الخُرُوجِ عَلَى وُلاةِ الأَمرِ لا يَنفِي القِيَامَ بِوَاجِبِ المُنَاصَحَةِ لَهُم بِالطُّرُقِ الشَّرعِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، بَل إِنَّ إِنكَارَ المُنكَرِ وَالقِيَامَ بِالنُّصحِ وَاجِبٌ لِجَمِيعِ المُسلِمِينَ وَعَلَى رَأسِهِم وُلاةُ الأُمُورِ، فَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن جَرِيرِ بنِ عَبدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: "بَايَعتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصحِ لِكُلِّ مُسلِمٍ". وَلَكِنَّ النُّصحَ شَيءٌ وَالتَّظَاهُرَ الغَوغَائِيَّ شَيءٌ آخَرُ، النُّصحُ وَالإِنكَارُ يَكُونُ بِالطُّرُقِ الشَّرعِيَّةِ المُنَاسِبَةِ، مِن قِبَلِ أَهلِ العِلمِ وَأَهلِ الحَلِّ وَالعَقدِ مِنَ العُقَلاءِ، بِشَرطِ أَن لاَ تُرتَكَبَ فِيهِ المَفسَدَةُ الكُبرَى لِدَفعِ المَفسَدَةِ الصُّغرَى.
وَإِنَّ إِنكَارَ المُنكَرِ عَلَى وَليِّ الأَمرِ بِالتَّظَاهَرَاتِ وَالمَسَيرَاتِ وَنَحوِهَا، إِنَّهُ لَمِمَّا يَنتُجُ عَنهُ مُنكَرَاتٌ عَظِيمَةٌ، وَيَتَوَلَّدُ مِنهُ أَضرَارٌ كَبِيرَةٌ، بَل لا يُثمِرُ كَمَا شَهِدَ الوَاقِعُ إِلاَّ مَفَاسِدَ أَعظَمَ مِمَّا يُطَالَبُ بِهِ مِن إِصلاحَاتٍ، فَبِهِ تُرَاقُ الدِّمَاءُ وَتُسفَكُ، وَتُزهَقُ الأَروَاحُ وَتُهلَكُ، وَلا يَخفَى أَنَّ قَتلَ النَّفسِ مِن أَعظَمِ الجَرَائِمِ بَعدَ الشِّركِ بِاللهِ، وَبِالتَّظَاهَرَاتِ يَختَلُّ الأَمنُ، وَهَذَا مِن أَشَدِّ البَلايَا وَأَعظَمِ الرَّزَايَا، بِالتَّظَاهَرَاتِ يُفسَحُ المَجَالُ لِتَدَخُّلِ الدُّوَلِ الكَافِرَةِ، وَتُهَيَّأُ الفُرَصُ لِلمُفسِدِينَ في الأَرضِ مِن لُصُوصٍ وَسُرَّاقٍ وَمُنتَهِكِي أَعرَاضٍ، وَبِالتَّظَاهَرَاتِ تَبرُزُ فِتَنٌ لا أَوَّلَ لها وَلا آخِرَ، وَيُقضَى عَلَى الرَّطبِ وَاليَابِسِ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَتَأَمَّلُوا هَذَا الحَدِيثَ العَظِيمَ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبيُّ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا في سِربِهِ، مُعَافىً في جَسَدِهِ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا". رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
فَحَافِظُوا عَلَى الأَمنِ، وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ وَاسلُكُوا مَسَالِكَهَا؛ فَإِنَّهُ لم يُؤتَ أَحَدٌ بَعدَ اليَقِينِ خَيرًا مِنَ المُعَافَاةِ: (وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) [النور: 31].
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى، وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّهُ لَمِمَّا يُؤسِفُ وَيُحزِنُ أَن تَتَّجِهَ أَنظَارُ النَّاسِ في كُلِّ فِتنَةٍ إِلى وَسَائِلِ الإِعلامِ وَيَتَشَبَّثُوا بها وَلا يَسمَعُوا إِلاَّ لما يُقَالُ فِيهَا، وَأَن تُؤَثِّرَ فِيهِمُ المَوَاقِعُ الإِخبَارِيَّةُ وَالاجتِمَاعِيَّةُ لِدَرَجَةٍ يَفقِدُونَ مَعَهَا عُقُولَهُم، وَيُنزَعُ فِيهَا التَّفكِيرُ السَّلِيمُ مِن رُؤُوسِهِم، إِنَّهَا لَمَأسَاةٌ أَن تَجِدَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَاكِفِينَ عَلَى وَسَائِلِ الإِعلامِ الَّتي هِيَ مِن أَعظَمِ الفِتَنِ في هَذَا العَصرِ، بِحُجَّةِ الاطِّلاعِ عَلَى الأَحوَالِ وَالعَيشِ في بُؤرَةِ الأَحدَاثِ وَالتَّفَاعُلِ مَعَ الوَاقِعِ، يَجلِسُ أَحَدُهُم عِندَ قَنَاةٍ فَضَائِيَّةٍ مَاجِنَةٍ، تَبُثُّ السَّمُومَ الفِكرِيَّةَ القَاتِلَةَ، وَتَنشُرُ الصُّوَرَ الفَاتِنَةَ وَالمُوسِيقَى الصَّاخِبَةَ، المُلقِيَاتُ فِيهَا نِسَاءٌ سَافِرَاتٌ مُتَجَمِّلاتٌ، وَأَخبَارُهَا مَزِيجٌ مِن جَمعِ مُرَاسِلِينَ لا يُدرَى ما حَالُهُم، وَتَصرِيحَاتِ وَكَالاتِ أَنبَاءٍ لا تُعلَمُ أَهدَافُهَا، وَتَرَاهُ يُتَابِعُ كَلامَ فُلانٍ وَيُنصِتُ لِتَحلِيلِ عَلاَّنٍ، وَيَفلِي الجَرَائِدَ حَتَّى لا يَترُكُ مِن أَخبَارِهَا شَارِدَةً وَلا وَارِدَةً، وَيُقَلِّبُ القَنَوَاتِ قَنَاةً قَنَاةً حَتَّى لا يَكَادُ يَفُوتُهُ شَيءٌ مِن أَنبَائِهَا وَتَحلِيلاتِهَا، وَهِيَ التَّحلِيلاتُ الَّتي لم تُبنَ عَلَى كِتَابٍ وَلا سُنَّةٍ، بَل وَقَد لا تَكُونُ مُنطَلِقَةً مِنِ اطِّلاعٍ شَامِلٍ عَلَى الوَاقِعِ، ثُمَّ لا يَجِدُ مِنَ الوَقتِ مَا يَقرَأُ فِيهِ صَفحَةً مِن كِتَابِ اللهِ أَو كَلامِ رَسُولِهِ، وَاللَّذَانِ هُمَا المَخرَجُ مِن كُلِّ شَرٍّ وَفِتنَةٍ، وَالمُورِثَانِ لِلعِلمِ وَالخَشيَةِ، وَالمُثَبِّتَانِ لِلقُلُوبِ عِندَ كُلِّ نَكسَةٍ، وَاللهِ إِنَّهَا لَعُقُوبَةٌ أَن يَتَّجِهَ المُسلِمُ إِلى هَذِهِ الوَسَائِلِ وَيَترُكَ مَا وَجَّهَهُ إِلَيهِ الصَّادِقُ المَصدُوقُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- مِنَ العِبَادَةِ حَيثُ قَالَ: "العِبَادَةِ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِليَّ". رَوَاهُ مُسلِمٌ.
وَفي البُخَارِيِّ عَن أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- قَالَت: استَيقَظَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لَيلَةً فَزِعًا يَقُولُ: "سُبحَانَ اللهِ! مَاذَا أُنزِلَ اللَّيلَةَ مِنَ الخَزَائِنِ؟! وَمَاذَا أُنزِلَ مِنَ الفِتَنِ؟! مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ -يُرِيدُ أَزوَاجَهُ- لِكَي يُصَلِّينَ؟! رُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنيَا عَارِيَةٌ في الآخِرَةِ".
فَانظُرُوا كَيفَ اقتَرَنَ الإِخبَارُ عَنِ الفِتَنِ بِالأَمرِ بِالصَّلاةِ، وَقَد قَالَ سُبحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153].
وَقَالَ تَعَالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا) [الأنفال: 45]، فَاللُّجُوءُ إِلى اللهِ في كُلِّ حَالٍ مُتَأَكِّدٌ، وَهُوَ عِندَ حُلُولِ المَصَائِبِ وَنُزُولِ المِحَنِ آكَدُ، وَذِكرُ اللهِ مِمَّا يُتَقَوَّى بِهِ عَلَى الأَعدَاءِ، وَتُثَبَّتُ بِهِ الأَقدَامُ عِندَ اللِّقَاءِ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَأَكثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ وَالابتِهَالِ إِلَيهِ سُبحَانَهُ أَن يُصلِحَ الأَحوَالَ وَيَكبِتَ الأَعدَاءَ؛ فَـ"الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ"، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم) [غافر: 60]، ثُمَّ احذَرُوا مِن أَن تَأخُذُوا بِالتَّصدِيقِ التَّامِّ كُلَّ مَا في وَسَائِلِ الإِعلامِ وَالاتِّصَالاتِ، سَوَاءٌ مِنهَا الصُّحُفُ أَوِ القَنَوَاتُ، أَوِ الجَوَّالاتُ أَو شَبَكَةُ المَعلُومَاتِ، فَإِنَّ الكَذِبَ في كُلٍّ مِنهَا كَثِيرٌ، وَالتَّلفِيقَ في أَخبَارِهَا وَاضِحٌ، وَالَتَقَصُّدَ لِلوُلاةِ وَالدُّعَاةِ وَالمُحتَسِبِينَ وَالنَّاصِحِينَ أَوضَحُ مِنَ الشَّمسِ، قَلِّلُوا مِنَ الاختِلاطِ بِالبَطَّالِينَ وَالمُتَسَاهِلِينَ، وَاصبِرُوا أَنفُسَكُم مَعَ الصَّالِحِينَ وَالنَّاصِحِينَ، وَتَبَيَّنُوا وَتَثَبَّتُوا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَومًا بِجَهَالَةٍ فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].