البحث

عبارات مقترحة:

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

الثقافة بين الانضباط والانفتاح

العربية

المؤلف منصور محمد الصقعوب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الأمة الإسلامية أمة العلم والقراءة .
  2. عناية المسلمين بالتأليف والكتابة والترجمة .
  3. ضرورة الاهتمام بالكتاب والسنة كرافدين للثقافة .
  4. غزارة الإنتاج التراثي الإسلامي .
  5. الخلل في المفهوم المعاصر للثقافة .
  6. انتشار كتب الزندقة والإلحاد ونشر الفواحش .
  7. ثلاثة تأكيدات في ظل الانفتاح الثقافي .

اقتباس

ولربما رأيت من أبناء المسلمين باسم الثقافة من يؤلف كتبًا تطعن في الفضلاء، ومن يؤلف كتبًا تحوي الزندقة، وتشيع الفاحشة، وتطعن في ثوابت الدين، والخلل حين يروج لهذه الكتب على أنها كتب ثقافية، وتباع في بلاد الإسلام، وهي التي تهدم الدين وتحارب مسلماته في مأرزه وموئله، وما معارض الكتاب إلا نموذج لذلك؛ حين يفسح المجال وباسم الثقافة لكثير من كتب الشرّ الممنوعة شرعًا...

 

 

 

 

الخطبة الأولى: 

أمة الإسلام هي أمة العلم والبيان، والفكر والثقافة، هي أمة دعا نبيها إلى التعلم والقراءة، ورغب دينها في طلب العلم وتحصيل الثقافة وذم الجهل وأهله.

كانت أول آياتٍ نزلت وعلى رسول الله تليت آياتٌ تحث على العلم وتؤكد على القراءة: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [القلم: 1]، ومنذ ذلك الحين والإسلام والقراءة بينهما الارتباط الوثيق، وجاءت النصوص متضافرة في الثناء على العلم وأهله، والحث على تعلمه وطلبه وتحصيل الثقافة.

وكيف لا، وهي الأمة التي ما دعي نبيها أن يستزيد من شيء إلا من العلم فقال: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه: 114]؟! وهي الأمة التي قال الله عنها في كتابها: (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]، وتبوَّأ العلماء من المنازل أعلاها، ونالوا من الفضائل أزكاها، وكفى بذلك أنهم ورثة الأنبياء.

ولّما كان طريق تحصيل العلم ونيل الثقافة والارتقاء بالفكر القراءة والمطالعة، عُني المسلمون منذ قديم زمنهم بالتأليف والكتابة، وما زالت حركة التأليف على أشدها، وأهل العلم يطرقون بابه مستصحبين أنه ما مات من ألَّف، وأنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: منها علم ينتفع به، فكان نتاج ذلك أن حظيت أمة الإسلام بموروث كبير من الكتب، وزخرت المكتبات الإسلامية بأعداد من المؤلفات في شتى الفنون وكافة العلوم، كتب لم تحوجهم إلى غيرهم في حين أحوجت غيرهم إليهم.

وما يزال العلماء إلى عصرنا يحققون هذا التراث الكبير، ويشترك المسلم وغير المسلم في الإعجاب به.

وصدّر علماء الإسلام الثقافة بعدما وعوها وحرروها ونقّوها، وكانت أمة الإسلام في تلك الأحيان رائدة ولغيرها قائدة، حينما سلكوا في هذا الطريق نشر علمهم ومعتقدهم، وتحصين أتباعهم من معاول الهدم الفكرية، وما ذاك إلا لأن غزو الفكر أخطر من غزو الأرض، وأن قتل المبدأ أبلغ من قتل البشر.

وقد كانت أمة الإسلام قوية لما كانت الديانة قوية في قلوب أتباعها، يتربى أبناؤها على الكتاب والسنة والعلم بضوابط الشرع، ويرتبط كبارها بالثقافة الشرعية والفكر المنضبط.

وأمام هذا التراث الإسلامي كم يكبر المرء علماء مسلمين ألفوا من الكتب ما لو اجتمعت له المجامع العلمية لعجزت عنه، وشواهد هذا في تأليف علماء المسلمين كثيرة، ها هو ابن عقيل يؤلف كتابًا من ثمانمائة مجلدة، ومنهم من ألف في علم الحساب والطب والفيزياء وفي سائر العلوم الطبيعية فضلاً عن العلوم اللغوية والشرعية، وظل الغرب وما زال ينهل من علمهم، ويستفيد من تصانيفهم، ويدرّس كتبهم، وما ضرّ هؤلاء أنهم تمسكوا بالدين وانضبطوا بضوابط الحرية الفكرية، بل ما زادهم ذلك إلا ازديادًا ومعرفة وسعة أفق، ومازال المسلمون على هذا العهد.

ولكن يوم أن يوكَّل الأمر إلى غير أهله، وينحرف الفكر فإن مفهوم الثقافة قد يحاد به عن حقيقته، فالمثقف في السابق هو الحاذق المدرك للعلم، وأما اليوم فقد امتهن هذا المصطلح، وأصبح يطلق أحيانًا على من انحرفت أفكارهم، وشطحت طروحاتهم، قد يطلق المثقف عند أهل الصحافة اليوم على من لا يعرف من الثقافة إلا ثقافة التغريب، ولذا لمّع الإعلام عبر صحفه ومعارضه أقزامًا على أنهم مثقفون وجعلهم القدوات، في حين أنه ربما حُرِم المثقف الحق من حقه لأن الأمر وُسِّد إلى غير أهله، وانظر إلى الصحف وكثير ممن يطرح فيها حين ينتقى للكتابة عدد من أصحاب الفكر المشبوه، الذين ليس لهم شغل إلا الضرب على مصطلحات الاختلاط ومحاربة الحجاب وعمل المرأة وتحريرها والانفتاح على الغرب بكل ما فيه، وكأن المجتمع كله يرى هذه الأفكار.

ولربما رأيت من أبناء المسلمين باسم الثقافة من يؤلف كتبًا تطعن في الفضلاء، ومن يؤلف كتبًا تحوي الزندقة، وتشيع الفاحشة، وتطعن في ثوابت الدين، والخلل حين يروج لهذه الكتب على أنها كتب ثقافية، وتباع في بلاد الإسلام، وهي التي تهدم الدين وتحارب مسلماته في مأرزه وموئله، وما معارض الكتاب إلا نموذج لذلك؛ حين يفسح المجال وباسم الثقافة لكثير من كتب الشرّ الممنوعة شرعًا، وربما يوصد الباب عن كتب بحجة أنها تخدم الإرهاب وتتحدث عن الجهاد، وباسم الثقافة ربما يصدّر أقوامٌ لم يُعرف عنهم إلا الاستهزاء بالدين والنيل من مسلماته، ويسمى من يناصح ويحتسب على المنكرات متشددًا.

معشر الكرام: وإننا في زمن الاضطراب الثقافي والانفتاح الفكري بحاجة إلى التأكيد على أمور ثلاثة فيما يتعلق بالثقافة والانفتاح، وهي من الأهمية بمكان:

أولها: أننا -ونحن نسعى لرفع ثقافة المجتمع- فليس معنى ذلك أن ننفتح على كل شيء، ونستقبل كل ثقافة، وإنما بنشر العلم والثقافة المحاطة بسياج الشرع، وكم يجني المجتمع من ويلات جراء الانفتاح غير المنضبط!! إن الذين يريدون من المجتمع أن ينفتح على الثقافات الأخرى، ويفتحون المجال لكل من أراد أن يطرح طرحًا ولو كان مخالفًا لشرع الله فقد خالفوا في هذا هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، لقد رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يطالع أوراقًا من التوراة، فغضب وتغير لونه، وشدد القول عليه، مع أنه عمر ومع أنه يطالع كتابًا من الكتب المنزلة السابقة، فماذا يقال حين يراد بالمجتمع أن ينفتح على كل شيء، أولسنا أحوج من عمر بالرقابة والحجب لما يضر ولا ينفع من الكتب والآراء المنحرفة؟!

وإننا -ونحن نعلم أن أهل التغريب قد باتت جهودهم واضحة في بلادنا عبر الإعلام- فإن من المهم أن نحصن أنفسنا وأولادنا من هذه الأفكار المنحرفة، إنْ في الكتب والروايات، أو في المواقع والقنوات، والعودة بهم إلى الثقافة الإسلامية الأصيلة.

ثانيًا: والقلب وعاء، فلتكن -أيها المبارك- حريصًا على أن لا تلج بابًا من أبواب الشبهات، وقد تجني مغبته المدد المتطاولات، إنك راءٍ من الشباب من يخوض في أبواب الشبهات والأفكار المنحرفة بحجة الاستطلاع، وكم رأينا مَنْ تأثر بذلك لا لأنه وجد الحق، بل لأنه كان جاهلاً حينها بعقيدته، إن من الشباب من يدخل مواقع الرافضة ويجادلهم ومن يتخوض في مواقع التغريب والليبرالية، ومنهم من يلج أبواب الشهوات، ومنهم من يريد الاستماع لما يتحجج ويجادل به النصارى أو غيرهم، ولأنه ربما لم يكن عنده علم كافٍ فربما وقر في القلب لوثة صعب استئصالها، لقد عرفت شابًّا سليم الفطرة قليل العلم، وبدافع الاستطلاع ولج مواقع الفكر الزائغ، وما زال يطالع طروحاتهم حتى أشرب قلبه تلك الزيغات، وهو اليوم لا يدخل المسجد، ويستهزئ بالدين ويجادل في مسلمات الشرع ويشكك في اليوم الآخر، وحين رأيته تذكرت حديث النواس –رضي الله عنه-: "ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَثَلا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورٌ فِيهِ أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَدْعُو: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: ادْخُلُوا إِلَيْهِ جَمِيعًا، وَلاَ تَتَعَوَّجُوا، وَالدَّاعِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا فُتِحَ بَابٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ، إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالسُّتُورُ حُدُودُ اللَّهِ، وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-". فكم من امرئ فتح بابًا فدخل عليه الخلل من قِبَله!!

والسلف كان أئمتهم لا يجالسون أهل الشبه والبدع ولا يتكلمون معهم ولا بكلمة، فكيف يأتي شاب ويريد أن يجادل أهل الأفكار المنحرفة أو يقرأ طرحهم وهو لم يصلب عوده، وارجع إلى التاريخ لترى كيف عارض العلماء الانفتاح غير المنضبط حين ترجمت كتب الكلام وغيرها بلا تمحيص في عهد المأمون، ونجم عن ذلك من البدع والخلل ما لا يخفى، ومن ذلك القول بخلق القرآن، التي سجن الإمام أحمد من أجلها، والمعلوم أن الشبه خطّافة، وأن السلامة لا يعدلها شيء.

أقول ما سمعتم...

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

 

الحمد لله وحده...

وثالث الأمور -معاشر الكرام-: ما أحوج المسلمين إلى أن يعتني شبابهم وشيوخهم بالقراءة والمطالعة، وكم ينهل المرء من علم وكم يتصحح من فهم بالاطلاع على الكتب الشرعية المنضبطة!! وكم هي الأوقات التي تضيع على الشاب وغيره في كل يومٍ ما لو استغل بعضه بالقراءة لحصّل علمًا جمًّا وثقافة واسعة، في زمن كثرت فيه المؤلفات وقلّ القراء!! ومن نظر في نعم الله عليه أيقن أن القدرة على القراءة نعمة يعرف قدرها من فقدها، وسل الأمي الذي لا يحسن القراءة عن شعوره وهو يرى الناس يمدون أيديهم للمصاحف يقرؤون وللكتب يطالعون، وهو عاجز عن هذا.

إن المرء يُقدّر بدينه وثقافته لا بصورته وماله، فأي ثقافة يحصل عليها من ليس في حياته وقت للقراءة!! وكم هي العلوم التي يحتاجها كل مسلم، والمعارف التي لا يستغني عنها، ولا طريق للتعرف عليها إلا بالقراءة!! فهل من عودة إلى معين القراءة النافعة، عبر الكتب الشرعية والثقافة المرعية!! وليس الشأن أن نقرأ، بل الشأن ماذا سنقرأ.

وإذا كان الكفار يقرؤون بغض النظر عما يقرؤون، فأمة الإسلام -أمة العلم، أمة القلم- أحوج وأولى أن تولي العلم والتعلم والقراءة والاطلاع من النصيب أولاه، ومن الوقت أغلاه، فاقرأ -أيها المبارك-، واغرس في أولادك حب القراءة، اقرأ كتاب الله، وكلام رسول الله، وكتب العلم الشرعي والثقافة المنضبطة، وضع نصب عينك أن خير جليس تجالسه كتاب شرعي تطالعه، وأنك سالك بذلك طريق الجنة، والعلم -كما قيل- لا يعدله شيء لمن صحت نيته.

اللهم صل وسلم...